تعاملت "إسرائيل" مع الضفة الغربية، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، بزيادة القيود والتضييقات الأمنية، وشن المزيد من حملات الاعتقال والمداهمات والاقتحامات، إذ اعتقلت أكثر من 1700 فلسطيني، إلى جانب قتل أكثر من 130 آخرين، بينهم 43 طفلًا. ومع أن معظمهم استُشهدوا بنيران جنود الاحتلال، إلا أن ثمانية منهم، بينهم طفل واحد، قُتلوا برصاص ميليشيات المستوطنين، الذين يرتدون أحيانًا الزي العسكري.
استغل المستوطنون العدوان القائم على غزة لتصعيد الانتهاكات ضد الفلسطينيين، ضمن الخطة الاستيطانية الراسخة للسيطرة على المزيد من الأراضي، حيث عادوا إلى ممارسة عنفهم الذي يُعرف في الأدبيات السياسية بـ"عنف المستوطنين"، وهو تعبير يدلّ على الطرق المختلفة التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، بإرهاب الفلسطينيين وإيذائهم، من أجل دفعهم للتخلي عن الأرض، ومن ثم التهجير.
وتتراوح هذه الأفعال بين التعدي على الممتلكات وقطع الطرق أو الوصول إلى الأراضي ومصادر المياه، وإشعال النار في السيارات أو المنازل أو غيرها من الممتلكات، وسرقة الماشية، وحرق أشجار الزيتون أو قطعها، ورشق الحجارة، وتخريب الكنائس والمساجد، فضلًا عن أشكال أخرى كالتحرش والتهديد الجسدي واللفظي. وفي عدة حالات، استخدم المستوطنون الذخيرة الحية لقتل وإصابة الفلسطينيين مع كامل التصميم.
ومع أن عنف المستوطنين كان في ارتفاع خلال العقد الماضي، إلا أنه شهد تزايدًا متعاظمًا منذ تولت حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، اليمينية المتطرفة مهامها في كانون الأول/ديسمبر 2022. فقد عملت الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ "إسرائيل" على الحصول على صلاحيات عديدة لتعزيز الاستيطان وتكثيفه في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، بما في ذلك مواصلة الاستفزازات المدروسة، الرامية إلى تطبيع وجود يهودي في الحرم الشريف، وزيادة منسوب البطش والقوة ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1967 أو داخل الخط الأخضر (1).
تعاملت "إسرائيل" مع الضفة الغربية، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، بزيادة القيود والتضييقات الأمنية، وشن المزيد من حملات الاعتقال والمداهمات والاقتحامات
وقعت عدة هجمات واسعة النطاق للمستوطنين في عام 2023، وحدثت بوتيرة غير مسبوقة وتسببت في أضرار أكبر من أي وقت مضى.
ففي شباط/ فبراير، اقتحم مئات المستوطنين بلدة حوارة وعدة قرى فلسطينية أخرى في منطقة نابلس شمال الضفة الغربية، وأحرقوا أكثر من 30 منزلًا وما لا يقل عن 100 سيارة، كما هاجموا الفلسطينيين بقضبان معدنية وصخور، وقتلوا العديد منهم.
ووقعت أعمال مماثلة في شهر حزيران/ يونيو، في قرى ترمسعيا وأم صفا واللبن الشرقية، وسط الضفة الغربية، والتي لم يزعجها المستوطنون من قبل.
وفي الحالتين، جاءت هذه الهجمات مباشرة بعد الهجمات الفلسطينية التي أسفرت عن مقتل إسرائيليين، وهو ما تشير إليه المؤسسة الأمنية على أنه أعمال انتقامية.
وفي حين أن الانتقام قد يكون الدافع المباشر في حالات معينة، فإن الغرض الأساسي من عنف المستوطنين هو تخويف الفلسطينيين وإخراجهم من ريف الضفة الغربية، وتحديدًا المنطقة (ج)، وهي 60 % من الأراضي التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وفقًا لاتفاقية أوسلو عام 1993.
وقال قادة المستوطنين ووزراء الحكومة صراحة إن المنطقة (ج)، والتي تعتبر بموجب القانون الدولي أرضًا محتلة وكان من المتصور أن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية المستقبلية، تنتمي إلى إسرائيل ويجب ضمها رسميًا.
وقد وُضِعت لأجل ذلك خططًا تتضمن ميزانيات كبيرة لبناء المساكن والطرق الواسعة، من أجل مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية. ويعتقد المستوطنون الشباب الذين يرتكبون معظم أعمال العنف ضد الفلسطينيين، والمعروفين باسم "فتية التلال"، إلى حد كبير، أن هذا هو حقهم الذي منحهم الله له في التواجد في الضفة الغربية، التي يسمونها "يهودا والسامرة"، مستحضرين الأسماء التوراتية لهذه الأراضي. ومن وجهة نظرهم، يجب على الفلسطينيين إما قبول الوضع الثانوي أو المغادرة.
مستويات عنف المستوطنين
في بداية عام 2023، نفذ المستوطنون 591 اعتداءً في الضفة الغربية المحتلة، بمتوسط 95 هجومًا شهريًا، أو نحو ثلاثة يوميًا. ويمثل المتوسط الشهري زيادة بنسبة 39 % عن نفس المقياس في عام 2022، وفقًا للأمم المتحدة، و2023 هو العام السادس على التوالي الذي يرتفع فيه العدد الإجمالي. وقد ارتفعت وتيرة الهجمات القياسية مرة أخرى بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، لتصل إلى سبع هجمات في اليوم، وهي وتيرة غير مسبوقة.
وفي نصف هذه الحالات، وفقًا للأمم المتحدة، كانت القوات الإسرائيلية إما ترافق المهاجمين أو تدعمهم بشكل فعال.
وقد أجبرت أعمال عنف المستوطنين المتكررة ما يقرب من 1000 فلسطيني على ترك منازلهم، بما في ذلك 98 أسرة على الأقل، تضم أكثر من 800 شخص، نزحوا من خمسة عشر مجتمعًا رعويًا بدويًا في المنطقة (ج)، وستة مجتمعات فلسطينية أخرى. وقد غادر أكثر من 450 شخصًا منازلهم في ظروف مماثلة خلال العامين الماضيين.
هل ترغب إسرائيل في وقف هذه الهجمات؟
من المعروف أن وقوف جنود جيش الاحتلال مكتوفي الأيدي أصبح جزءًا من سياسة الاستيطان، بل إن هناك تزايدًا في مواقف لا يكون فيها الجنود سلبيين فقط، بل يتصرفون بالتنسيق مع المستوطنين في مهاجمة الفلسطينيين.
وقد يؤدي عنف المستوطنين إلى مزيد من التصعيد الخطير في الضفة الغربية. فجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي ينتشر حاليًا في كل مكان ترك لجنود الاحتياط مهمة حراسة مستوطنات الضفة الغربية، ولكون العديد من جنود الاحتياط هؤلاء هم من المستوطنون، فإن الحدود تتلاشى بين المستوطنين والجنود.
يرى الجيش الإسرائيلي أن وظيفته أولًا وقبل كل شيء هي حماية المواطنين اليهود والمصالح الإسرائيلية. ويعمل عدد كبير من المستوطنين اليوم كقادة للجيش الإسرائيلي. ومن الواضح أيضًا أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية لديها أجندة واضحة لضم الضفة الغربية. ونتيجة لذلك، فإن عنف المستوطنين يخدم أجندة الدولة الرامية إلى تشديد قبضتها على المنطقة.
ومنذ أن تولى المستوطنون اليمينيون المتطرفون مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش مناصب عليا في حكومة نتنياهو، فإنهم لم يفشلوا في إدانة عنف المستوطنين فحسب، بل أيدوه علنًا، زاعمين أن المستوطنين يتصرفون دفاعًا عن النفس في كل مرة يهاجمون فيها.
الخطر القديم الجديد بات قابلًا للانفجار
مع توغل القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة، فإن خطر انحدار الضفة الغربية إلى أعمال عنف وفوضى أسوأ أصبح كبيرًا. وينبغي على إدارة بايدن إعادة تأكيد معارضتها للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي باعتباره غير متوافق مع القانون الدولي، والتحدث بقوة أكبر ضد العنف المنهجي بحق الفلسطينيين والترهيب المستمر الذي يعانون منه.
وكما أن هناك حاجة ماسة إلى وقف الأعمال العدائية في غزة، فإنه يجب أيضًا على الولايات المتحدة أن تجعل المزيد من الدعم لـ"إسرائيل" مشروطًا بالوقت الفوري للتهجير القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية، والمحاكمة المنهجية للمستوطنين والجنود الذين ينفذون الهجمات وأعمال الترهيب.
في مقال نشرته "مجموعة الأزمات" مؤخرًا، حذّرت الكاتبة ميراف زونسزين من الخطر المقبل نتيجة هذا العنف، ودعت الولايات المتحدة والدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو التي ترغب في التطبيع، بألا يقفوا مكتوفي الأيدي لأنّ ذلك يعني أنه "قد تكون هناك جبهة أخرى مفتوحة" (2).
هوامش:
- تداعيات تشكيل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات: 9 كانون الثاني/يناير 2023.
- تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية خلال حرب غزة، ميراف زونسزين، مجموعة الأزمات 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
