06-فبراير-2018

الجفاف يهدد مدنًا عديدة حول العالم (رويترز)

بحلول أواخر الربيع، قد يضطر أربعة ملايين شخص في مدينة كيب تاون، واحدة من أكبر المدن في أفريقيا وأكثرها ثراءً، إلى الوقوف في صفوفٍ محاطين بحراسٍ مسلحين لاستلام حصصهم من أثمن السلع في المنطقة: مياه الشرب. وهذا الحال لا يقتصر على جنوب إفريقيا فعديد المدن في العالم تعاني ذات المشكل، بدرجات متفاوتة. في هذا التقرير، المترجم عن ناشونال جيوغرافيك، فكرة أكثر وضوحًا عن الأزمة وأسبابها.


إن النمو السكاني والجفاف القياسي، الذي ربما تفاقم بسبب تغير المناخ، تسبب في إحدى أزمات المياه الحضرية الأكثر دراماتيكية في العالم، حيث يحذر قادة جنوب أفريقيا من أن السكان من المرجح أن يواجهوا "يوم الصفر"، وهو اليوم الذي سوف تضطر المدينة فيه إلى قطع المياه عن المنازل والشركات لأن منسوبها في الخزانات قد انخفض على نحو خطير، وهو احتمال يعتبر المسؤولون أن لا مفر منه تقريباً. ومن المتوقع أن يحدث في منتصف شهر نيسان/ أبريل القادم.

يحذر قادة جنوب أفريقيا من اضطرارهم في الربيع القادم إلى قطع المياه عن المنازل والشركات في كيب تاون لأن منسوبها في الخزانات قد انخفض على نحو خطير

تقول هيلين زيلي، عمدة مدينة كيب تاون السابقة ورئيس مجلس مقاطعة كيب الغربية بجنوب أفريقيا، في عمود صحفي نشر الأسبوع الماضي، "السؤال الذي يهيمن على ذهني الآن هو: عندما يصل اليوم صفر، كيف يمكننا جعل المياه في متناول الجميع ومنع الفوضى؟".

اقرأ/ي أيضًا: عواصم إفريقية تواجه الجفاف رسمياً.. هل تكون القاهرة التالية؟

لسنوات، كان قطع المياه عن مدينة بهذا الحجم أمراً غير متصور تقريباً. ولكن بينما يتسبب التطور المتزايد والنمو السكاني وتغير المناخ في الإخلال بالتوازن بين استخدامات المياه ومصادرها، فإن المراكز الحضرية من أمريكا الشمالية إلى أمريكا الجنوبية ومن أستراليا إلى آسيا تواجه بشكل متزايد تهديدات بالنقص الحاد في مياه الشرب.

لكن يبدو أن هذا التهديد يسيرُ على نحوٍ سريعٍ للغاية ويفاجئ سكان كيب تاون. ويقول أنتوني تورتون، خبير إدارة الموارد في جنوب أفريقيا، "أخشى أننا في الساعة الحادية عشرة. لا نملك المزيد من الوقت للبحث عن حلول. نحن بحاجة إلى تدخل إلهي".

الاقتراب من اليوم الصفر

يبدو أن الوضع يزداد سوءًا يومًا بعد يوم. تعد المدينة 200 محطة مياه لحالات الطوارئ، خارج محال البقالة وغيرها من نقاط التجمع. ستقوم كل منها بخدمة ما يقرب من 20 ألفًا من السكان. ويضع المسؤولون في كيب تاون خططًا لتخزين المياه للطوارئ في المنشآت العسكرية، ويقولون إن استخدام الصنابير لملء أحواض السباحة أو الحدائق المائية أو غسل السيارات أصبح الآن غير قانوني. في هذا الأسبوع فقط عززت السلطات دوريات سرقة المياه عند الينابيع الطبيعية التي اندلعت حولها المعارك، وفقًا لما ذكرته تقارير صحفية محلية. ويُطلب معاقبة "التجار عديمي الضمير"، الذين رفعوا أسعار المياه المعبأة.

لعدة أشهر، تم حث المواطنين على ترشيد الاستهلاك، لكن أكثر من نصف السكان تجاهلوا تلك القيود الطوعية. وفي وقت سابق من كانون الثاني/ يناير الماضي، طالبت المدينة بتخفيضات أكثر حدة، وطلبت من السكان أن يستهلكوا 50 لترًا في اليوم الواحد، وهو معدل أقل من سدس ما يستخدمه المواطن الأمريكي العادي. وإذا لم ينخفض ​​الاستهلاك انخفاضًا حادًا وبسرعة، حذر مسؤولو المدينة هذا الأسبوع من أن الجميع سيعاني من اليوم صفر، حيث سيضطر الجميع للعيش على نحو 25 لترًا من المياه في اليوم، أقل مما يستخدم في أربع دقائق من الاستحمام عادة.

يقول كيفن وينتر، الباحث الرئيس في مجموعة المياه الحضرية في جامعة كيب تاون، "لست متأكدًا إذا ما كنا سنتمكن من تجنب اليوم صفر. نحن نستهلك الكثير من المياه، ولا نستطيع السيطرة على الوضع. إنه أمر مأساوي".

ويقول ديفيد أوليفييه، وهو باحث في معهد التغير العالمي في جامعة ويتواترسراند في جنوب أفريقيا، "المشكلة الأساسية هي نمط الحياة الذي نعيشه. لدى الناس شعور بالاستحقاق، يشعرون أن لديهم الحق في استهلاك المياه بقدر ما يشاؤون. إن رد الفعل وموقف معظم المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي هو السخط. يقولون نحن ندفع الضرائب، وبالتالي يجب أن تُوفر لنا وسائل الراحة".

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. هل تتحقق انتفاضة العطشى؟

آثار تغير المناخ

الطريق المؤدي إلى أزمة كيب تاون نمطي وغير نمطي على حد سواء. فكما هو الحال في جنوب كاليفورنيا، تعتبر جنوب أفريقيا منطقة قاحلة، ولكن الكتلة الأرضية الأكثر تميزًا في كيب تاون، جبل تيبل، تستقبل الرياح الآتية من مياه المحيطات الدافئة، فتسقط عليها أمطار محلية تملأ الأنهار وطبقات المياه الجوفية. فهي واحة محاطة بالصحراء، تتمتع بمناخ  يشبه مناخ البحر الأبيض المتوسط. وقد تسبب جمالها في زيادة واضحة في تعداد السكان وجلب  الثروة والازدهار. هناك أحواض سباحة ومتنزهات مائية ومصانع نبيذ وحدائق مورقة. ولكن على الرغم من تطور المدينة، لا يزال مئات الآلاف يعيشون في مناطق عشوائية فقيرة. وتزيد نسبة البطالة عن 25 في المائة.

على مدى السنوات العشرين الماضية، اعترفت المدينة ببعض التهديد المتزايد. وقد قطعت شوطًا كبيرًا في الحد من استخدام المياه من خزاناتها الستة الرئيسية التي تصل سعتها إلى 230 مليار غالون من المياه. انخفض الاستهلاك للفرد الواحد، وخفضت المدينة التسريبات، كما أجبر كبار المستهلكين على دفع المزيد من المال، وتحسنت كفاءة استهلاك المياه بشكل عام. فازت كيب تاون بعدة جوائز دولية لإدارة المياه. حتى أنها تحاول أن تُخجل كبار مستخدمي المياه من خلال نشر أسمائهم.

لكن المسؤولين أيضًا ارتكبوا خطأً شائعًا: فقد افترضوا أن أنماط هطول الأمطار في المستقبل ستكون مشابهة للماضي، أو على الأقل لن تتغير بسرعة كبيرة. يقول وينتر، "يشبه الأمر قيادة سيارة أثناء النظر في مرآة الرؤية الخلفية. لقد حلوا المشاكل القديمة، لكنهم لم يعترفوا بالمخاطر المقبلة. والآن، نواجه الطامة الكبرى".

قبل عقد من الزمان، قيل للمدينة إن النمو السكاني والتحولات التي يتوقع أن تأتي مع تغير المناخ - زيادة الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، مع هطول أمطار أقل في الشتاء، وانخفاض تدفقات المجاري المائية - ستُحتِّم إيجاد مصادر مياه إضافية. ويضيف وينتر، "لقد حُذروا، ولكن هذه التحذيرات لم تكن كافية لتحويل الانتباه عن المدارس أو المستشفيات أو جميع الأشياء الأخرى الموجودة على جدول الأعمال".

في النهاية، جاءت المخاطر فجأة. في عام 2014، كانت السدود الستة ممتلئة عن آخرها، ولكن تلتها ثلاث سنوات متتالية من الجفاف، وهي الأسوأ منذ أكثر من قرن. ووفقًا لبيانات وكالة ناسا، فإن منسوب المياه في الخزانات يصل الآن إلى 26 في المئة من سعتها، والخزان الأكبر، الذي يوفر نصف مياه المدينة، في أسوأ حال. ويعتزم المسؤولون في المدينة قطع المياه عن شبكات التوزيع عندما يصل منسوب المياه في الخزانات إلى 13.5 فى المائة.

في حين أنه ليس من الواضح إلى أي مدى يتسبب تغير المناخ الطبيعي في موجة الجفاف الحالية، يقول أوليفييه، "من الواضح أن نظامنا الحالي لا يمكن الاعتماد عليه بما فيه الكفاية. قد لا تأتي موجة جفاف أخرى مثل هذه لبضعة عقود. لكن الظواهر المناخية المتطرفة ستصبح أكثر شيوعًا". ويمكن أن تظهر العواقب في العديد من الأماكن الأخرى في جميع أنحاء العالم.

مدن العالم الأخرى المعرضة للخطر

تهدد أزمات المياه المدن الضخمة في جميع أنحاء العالم إضافة إلى دول العالم الثالث ويفسر ذلك بالتقاء الكثير من العوامل التي ربما تم  تجاهلها أو لم تأخذ قدرًا كافيًا من الاهتمام

لقد تسببت حالات الجفاف في السنوات الأخيرة في المجاعة والقلاقل في الدول الريفية حول بحر العرب، من إيران إلى الصومال. ولكن أزمات المياه تهدد أيضًا المدن الضخمة في جميع أنحاء العالم.

وبالفعل، فإن العديد من سكان مكسيكو سيتي البالغ عددهم 21 مليون نسمة ليس لديهم مياه جارية سوى لجزء من اليوم، في حين أن واحدًا فقط من كل خمسة أشخاص يحصلون المياه في الصنابير لبضع ساعات فقط في الأسبوع. العديد من المدن الكبرى في الهند ليس لديها ما يكفي من الماء. وأفاد مديرو المياه في ملبورن، أستراليا، في الصيف الماضي أن المياه قد تنفذ في غضون عقد من الزمان. وصل الجفاف في جاكرتا إلى حد أن مستوى المدينة ينخفض بأسرع من معدل ارتفاع مستوى البحار، بينما يستهلك السكان المياه الجوفية من تحت السطح.

ومثل ما هو الحال في كيب تاون، انخفضت الخزانات في ساو باولو بالبرازيل إلى حد كبير في عام 2015، حتى سحبت الأنابيب الطين، ونُهبت شاحنات مياه الطوارئ، وتم تخفيض تدفق المياه إلى الصنابير في العديد من المنازل إلى بضع ساعات مرتين فقط في الأسبوع . ولكن أمطار اللحظة الأخيرة أنقذت السلطات البرازيلية من الاضطرار إلى قطع المياه تمامًا.

يقول بيتسي أوتو، مدير برنامج المياه العالمي في معهد الموارد العالمية، "كانت ساو باولو تصل إلى أقل من 20 يومًا من موارد المياه. ما نراه هو التقاء الكثير من العوامل التي ربما تم  تجاهلها، أو لم تأخذ قدرًا كافيًا من الاهتمام. ومع ذلك، فإنها تخلق معًا العاصفة المثالية".

وتزداد المنافسة على المياه، حيث أن النمو السكاني يزيد الطلب على مياه الشرب والزراعة وفي الواقع، قادة المدن ليسوا دائمًا على علم بأن المياه التي يعتقدون أنهم يملكونها قد تتلوث أو يتم استهلاكها من قبل المستخدمين الآخرين.

وفي الوقت نفسه، يتسبب تغير المناخ في تقلبات واسعة في الطقس، مع عواصف أكثر كثافة وأحداث أكثر تطرفًا. ويضيف أوتو، "فكر في تراكم الجليد في جنوب كاليفورنيا بعد خمس سنوات من الجفاف يليها المزيد من الجفاف، مثل هذه التقلبات من المرجح أن تكون معتادة بعد ذلك".

وفي الوقت نفسه، كما هو الحال في مكسيكو سيتي أو جاكرتا، غالبًا ما تكون البنية التحتية غير كافية فإدارة المياه غير صحية أو بها تسريبات أو ملوثة بالمعادن الثقيلة، أو غير قادرة على توفير إمدادات كافية. وكثيرًا ما يكون الفشل متعلقًا بالمال، ولكن الأمر يتعلق بالحركية السياسية أيضًا.

سوء التقدير السياسي

يقول جيف دابيلكو، عميد مساعد ومدير برنامج الدراسات البيئية بجامعة أوهايو: "بصراحة، يكمن الخطر في عدم قدرة مؤسساتنا السياسية على مواكبة التغيير. في العقد القادم، سيكون مدى تعامل مؤسساتنا مع معدل التغيير المتزايد هو حجر المحك".

إضافة إلى التغيرات المناخية المتسارعة، يكمن الخطر أيضًا في سوء التقدير السياسي لحجم التأثير على الموارد المائية وقد يساهم مزيد من التهاون في تعكير الوضع

في جنوب افريقيا، يتحمل كل من المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم والتحالف الديمقراطي، الحزب المعارض الذي يدير المدينة، مسؤولية الحفاظ على المياه أو إدارتها. ويشير الخبراء إلى أن كل منهما قد ارتكب خطأً جوهريًا.

وقال تورتون: "أعقد كلاهما أن هذا سيكون جفافًا على المدى القصير وأن الأمور ستعود إلى وضعها الطبيعي في مرحلة ما". وأضاف، "لكن تغير المناخ هو عامل مؤثر الآن، وقد بدؤوا لتوهم يكتشفون أن الطلب على المياه سيظل في ازدياد".

في الوقت الراهن، تسعى المنطقة إلى جلب إمدادات جديدة على الخط. يجري حاليًا إنشاء أربع محطات جديدة لتحلية المياه. كما يجري حفر آبار جديدة للمياه، وبناء محطة لإعادة استخدام النفايات السائلة. وأغلب المشاريع تم إنجاز نصفها. ولكنها كلها، عدا واحدة، متأخرة عن الجدول الزمني، بينما تدفع قيادة المدينة باتجاه إنجاز واحد منها على الأقل وتشغيلها قريبًا.

يقول ماغالي بوربلانك، محلل السياسة العامة المتخصص في إدارة الموارد في جامعة بريتوريا بجنوب أفريقيا، إن "سكان مدينة كيب تاون مندهشون جدًا من تصاعد الوضع بسرعة، وهم يدركون مدى سوء الأوضاع".

 

اقرأ/ي أيضًا:

العطش.. الكابوس الذي يهدد سكان المغرب

عطش في الجنة! نظرة على واقع شح المياه في أجمل جزر العالم