29-يوليو-2024
السفير الإيطالي الجديد لدى نظام الأسد

(Getty) ستيفانو رافانيان (يمين) السفير الإيطالي الجديد لدى النظام السوري

باتت إيطاليا أول دولة من مجموعة السبع (كندا، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) تعيد افتتاح بعثتها الدبلوماسية في دمشق منذ اندلاع الحرب السورية، وذلك بعد 10 سنوات من القطيعة.

في خطوة ديبلوماسية، تعتقد وكالة أسوشيتد برس أنها قد تتسبب في انقسامات بين حلفاء الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن أنها تثير المخاوف على مصير مئات الآلاف من الفارين من بطش نظام الأسد، وعلى مستقبلهم في غياب ضمانات لحمايتهم في حال إعادتهم إلى مناطق سيطرة النظام.

وتقع قضية اللاجئين في قلب قرار روما القاضي بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، فمن دون هذه القضية من الصعب تفهّم الاندفاع الإيطالي نحو فتح سفارة البلاد في دمشق.

وكانت روما قد استدعت في العام 2012 جميع الموظفين من سفارتها بدمشق، معلقةً بذلك نشاطها الديبلوماسي وعلاقتها مع نظام الأسد، احتجاجًا على، ما وصفته حينها، "العنف غير المقبول" من النظام تجاه المدنيين.

أعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، أمام اللجان البرلمانية المختصة، نية روما إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، متذرّعًا بـ"منع روسيا من احتكار الجهود الدبلوماسية" في الدولة الشرق أوسطية

والخميس الماضي أعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، أمام اللجان البرلمانية المختصة، نية روما إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، متذرّعًا بـ"منع روسيا من احتكار الجهود الدبلوماسية" في الدولة الشرق أوسطية، وفق وكالة أسوشيتد برس.

وليس من المعروف ما التأثير الذي قد تقوم به إيطاليا، بقدراتها الديبلوماسية المحدودة، في قطع الطريق مع موسكو التي تعد داعمًا رئيسيًا لرئيس لنظام الأسد، بل وتتحكّم في مفاصل البلد منذ تدخلها العسكري لصالح النظام.

وقال تاجاني، في معرض دفاعه عن قرار إعادة العلاقات مع النظام السوري الذي قد يتسبب في شرخ داخل البيت الأوروبي، إن سياسة الاتحاد الأوروبي في سوريا "يجب أن تتكيف مع تطور الوضع"، مضيفًا أن إيطاليا "تلقت دعمًا من النمسا وكرواتيا واليونان وجمهورية التشيك وسلوفينيا وقبرص وسلوفاكيا" على حد زعمه.

ومع ذلك، تشير أسوشيتد برس إلى أن واشنطن والدول الحليفة لها في أوروبا واصلت "إلى حدٍّ بعيد التمسك بموقفها ضد نظام الأسد، بسبب المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان".

سفير روما الجديد

قررت روما تعيين ستيفانو رافانيان سفيرًا لها في سوريا. ويُذكر أن رافانيان يتولى منذ 2021 منصب المبعوث الإيطالي الخاص للأزمة السورية، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد "داعش".

وفي تلك الفترة التي تولى فيها رافانيان مهمة المبعوث، وبالتحديد في 18 أيار/مايو 2021 صرّح لمركز جيوبوليتيكا الإيطالي للدراسات الجيوسياسية والعلاقات الدولية أنّ لإيطاليا "باعتبارها دولةً كبيرة في منطقة البحر المتوسط، مصلحةً مباشرةً في تحقيق الاستقرار في منطقة قريبة جدًّا منا، والتي تسبّبت أزمتها في نزوح الملايين من اللاجئين، مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب أيضًا، من حيث التأثير على البلدان المجاورة وكذلك التدفقات نحو أوروبا".

وأضاف حينها: "نحن نتحرك على المستوى السياسي والدبلوماسي، بالتعاون الوثيق مع شركائنا الأوروبيين والأميركيين وندعم بقوة المبادرة التي أطلقها المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسن، خطوة مقابل خطوة، لحلّ جمود العملية السياسية التفاوضية رباعية المحاور، وندرسها باهتمام ونحتفظ بالحق في إعادة النظر إذا انحرفت عن مسارها".

وأشار إلى أنه "تماشيًا مع السياسة الإيطالية التقليدية المتمثلة في الحوار الشامل، فإننا نجري في الوقت ذاته مناقشات مستمرة وبنّاءة مع جميع الأطراف الفاعلة في الملف، روسيا وتركيا والدول العربية وإيران".

وردًّا على سؤال عن كيفية التوفيق بين هدف المسؤولية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا وهدف إنهاء الحرب في سياق التطبيع الأوروبي مع الأسد أكد أنه "وفقًا للديمقراطيات الغربية، فإن مبدأ مسؤولية الحكومة التي ارتكبت جرائم خطيرة ضد شعبها أمر لا يمكن التنازل عنه، بدءًا من استخدام الأسلحة الكيميائية وهي الجريمة التي تسببت في تعليق عضوية سوريا أخيرًا من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية".

واعتبر أنه "لذلك فإن التطبيع الأوروبي مع الأسد أمر مستبعد"، مستدركًا بالقول "على الرغم من ذلك، فلا مفر من أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت بعض المواقف التي تراكمت على مدى عقد من الزمن، تحت هذه الخطوط الحمراء، لا تحتاج إلى مراجعة من بعض النواحي".

علاوة على ذلك، قال رافانيان إن "هناك إشارات على نفاد الصبر في بعض البلدان الأوروبية، الأمر الذي يؤدي أيضًا، لدواعٍ سياسية داخلية، إلى إجراءات اضطرارية، على سبيل المثال، أثار قرار الدنمارك بسحب الحماية الإنسانية عن السوريين القادمين من منطقة دمشق جدلًا كبيرًا، بدعوى أنها أصبحت الآن منطقةً آمنة، ما يضع في أزمة، الافتراض الذي يرى عدم توافر شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين".

تساؤلات كثيرة يطرحها التطبيع الإيطالي

يطرح قرار إيطاليا تعيين سفير لها في سوريا تساؤلاتٍ كثيرةً عن أهداف هذا القرار وتبعاته. خاصةً أن روما كشفت عن تلقيها دعمًا من عدة عواصم أوروبية، فهل يكون قرارها تمهيدًا لخطوات مماثلة من قِبل دول أوروبية أخرى تتجه لاستئناف علاقاتها أيضًا مع نظام بشار الأسد؟

يُرجّح بعض المتابعين أن تكون ورقة اللاجئين السوريين هي أبرز الدوافع وراء قرار إيطاليا الجديد، فقد تحدث وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني لوكالة رويترز عن رسالة وجّهتها إيطاليا والنمسا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا، إلى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في سياق القرار، كي يؤدي الاتحاد دورًا أكثر فاعليةً في سوريا.

وجاء في الرسالة أن "السوريين يغادرون بأعداد كبيرة من سوريا، مما يزيد من الضغوط على الدول المجاورة، في فترة يتصاعد فيها التوتر في المنطقة، ما ينذر بخطر موجات جديدة من اللاجئين". وعبّرت هذه الدول "عن أسفها" إزاء "الوضع الإنساني" في البلاد الذي "زاد تدهورًا" في ظل بلوغ اقتصادها "حالةً يرثى لها".

يثير قرار إيطاليا تعيين سفير لها في سوريا تساؤلات حول أهدافه وتبعاته، ويُرجح أن يكون دافع القرار هو قضية اللاجئين السوريين

وأوضح تاياني في تبرير خطوة روما في سياق التطبيع الأوروبي مع الأسد أن "بوريل كلف دائرة العمل الخارجي الأوروبي بدراسة ما يمكن القيام به"، مضيفًا أن تعيين سفير إيطالي جديد "يتماشى مع الرسالة التي أرسلناها إلى بوريل، لتسليط الضوء على سورية".

وصف الصحفي الإيطالي دانييلي راينيري قرار تعيين سفير في دمشق بأنه "ثورة دبلوماسية صغيرة، ولا شك في أنها ستُستكمَل مع دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فخطوة روما تفتتح مسار التطبيع الأوروبي مع الأسد بالمرحلة المقبلة".

ورأى راينيري، في مقالٍ نشرته صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية، أن "عودة السفير الإيطالي إلى دمشق تعني أن إيطاليا ترغب في كسر العزلة الدولية لسوريا، والتي فُرضت كعقاب على الجرائم الوحشية المتعددة التي ارتكبت بحق المدنيين في الحرب الأهلية التي راح ضحيتها أكثر من نصف مليون شخص".

موضحًا أنه "كانت ثمة إشارات على هذا الانفتاح من قبل الحكومة الإيطالية على بشار الأسد، إذ أعلن التلفزيون السوري يوم 28 أيار/مايو الماضي، زيارة رئيس جهاز الاستخبارات الإيطالية جاني كارافيللي إلى دمشق للاجتماع مع نظيره السوري حسام لوقا".

مضيفًا أن "المحادثات بين المسؤولين تناولت إمكانية إنشاء منطقة آمنة بالقرب من مدينة حمص من أجل إعادة اللاجئين السوريين في الخارج"، معلقًا أنّ هذا "لا يبدو منطقيًا، نظرًا لأن معظم السوريين في الخارج لاذوا بالفرار من البلاد تحديدًا لتفادي قمع جنود الأسد".

يشار إلى أنّ حزب إخوة إيطاليا، الذي ترأسه رئيسة الحكومة الإيطالية الحالية، جورجيا ميلوني، تبنّى مواقف مؤيدة في سياق التطبيع الأوروبي مع الأسد في المراحل الأشد عنفًا للحرب السورية في السنوات الماضية.

وكان من اللافت التصريح الذي أدلت به ميلوني على هامش تظاهرة أمام مقر مجلس النواب الإيطالي، في أعقاب الهجوم الذي استهدف مقر شرطة باريس في تشرين الأول/أكتوبر 2019، حين قالت إن "فرنسا تعرضت لهجوم آخر نفذه إرهابيون يستلهمون فكر تنظيم داعش. وفي سوريا ثمة من يحارب داعش".

وأشارت حينها إلى أن "من يحارب داعش اليوم هي حكومة بشار الأسد، في جبهة تقف فيها أيضًا روسيا وإيران وبعض المليشيات، لذا يتعين علينا الانتباه إلى هذه المعطيات لأنها معقدة للغاية، ولأن تبسيط الأمور ليس خيارًا مساعدًا على الدوام". وشدّدت على أن "الفضل يرجع إلى تلك الجبهة في أنه ما زال في الإمكان الاحتفال بأعياد الميلاد وحماية الجالية المسيحية هناك" وفق توصيفها.

لكن الصحافي الإيطالي المعروف، ريكاردو كريستيانو، يعتقد إنه "ربما تكون ثمة نوايا بائسة وراء قرار الحكومة الإيطالية إعادة فتح مقرنا الدبلوماسي في دمشق، بل وتعيين سفير جديد"، مضيفًا في مقال نشره موقع سيتيمانا نيوز الإيطالي، أن روما "تتودد وتطبّع ومن المحتمل أيضًا أن يحدث ذات الأمر مع رومانيا واليونان وقبرص، على أمل أن يتمكن النظام في دمشق من إعادة استيعاب اللاجئين السوريين الذين غطت بهم شوارع الشرق الأوسط".

وأضاف أن "هؤلاء اللاجئين، الذين أُجبروا على مغادرة سوريا قبل عقد من الزمن على الأقل، يمثلون كابوسًا لدبلوماسيتنا، التي تثق في الأسد". ورأى أن "هذا الطريق مهده المسيحيون اللبنانيون، خوفًا من فكرة أن اللاجئين، وجميعهم من المسلمين، من شأنهم الإخلال بالتوازن المجتمعي. وهكذا، لم يجد هؤلاء منذ أن سقطت بلادهم (لبنان) في هاوية التفكك، كبش فداء أفضل (من اللاجئين السوريين) لتعويضهم عن الضرر الناجم عن فساد طبقتهم السياسية، التي التهمت البلاد حرفيًا".

ولفت الصحفي الإيطالي إلى أن "اللاجئين السوريين، من وجهة نظر المسيحيين اللبنانيين، هم سبب كل الشرور التي حلت ببلادهم"، مضيفًا أن "هؤلاء اللاجئين مطالبون الآن على وجه الخصوص من قبل المسيحيين اللبنانيين بإنهاء هذا الإزعاج، وذلك بالاتفاق المؤكد مع الجيران في حزب الله. وقد أخذ زعيم هذا الأخير على عاتقه شرح كيفية بلورة الهدف: يكفي إطلاق بضع سفن مليئة بالسوريين نحو السواحل الأوروبية".

واعتبر أن "(الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله) لم يكن مخطئًا في توقعاته"، موضحًا أن "البلدان الأكثر عرضة للخطر، مثل إيطاليا، التي لا تدرك من الذي يدير حقًّا الاتجار بالبشر في تلك الأجزاء، لم تكن لتفعل أي شيء آخر غير الذهاب وتقبيل نعال الزعيم السوري".

وأشار إلى أن "الأسد يقدّر ذلك، لكن لا يتوهمن أحد أنه سيستعيدهم حقًا، بل ستُفتح لهم غياهب معسكرات الاعتقال المنتشرة في البلاد، لكن هذا يكفي وزيادة لمن لا يعرف ماذا يفعل".

وكانت الاحتجاجات السلمية ضد الأسد في 2011 قد قوبلت بحملة قمع، تحولت بموجبه الانتفاضة والثورة الشعبية إلى حرب أهلية شاملة، وازداد الصراع تعقيدًا مع تدخل قوى أجنبية على رأسها روسيا وإيران والمليشيات الشيعية المرتبطة بها. ثم لاحقًا تدخلت تركيا والولايات المتحدة ضمن نطاقات معينة لدعم المعارضة في الشمال (تركيا) وقوات سوريا الديمقراطية ومطاردة الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة ثم تنظيم داعش، الذي هُزم في 2019 (أميركا وحلفاؤها).

وأودت الحرب في سوريا بحياة ما يقرب من نصف مليون شخص، وشردت نصف سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل الحرب.

وشهدت الأيام الأولى للصراع، قطع العديد من الدول الغربية والعربية علاقاتها مع دمشق، بما فيها إيطاليا، التي أدارت منذ ذلك الحين الدبلوماسية المتعلقة بسوريا من خلال سفارتها في بيروت.

ومنذ أن استعاد نظام الأسد، مدعومًا بروسيا وإيران، السيطرة على معظم الأراضي، أعادت دول عربية علاقاتها معه تدريجيًا، وكان التحرك الأكثر أهميةً على الصعيد الرمزي، حسب أسوشيتد برس، ذلك الذي حدث في العام الماضي، عندما أعيد قبول سوريا في جامعة الدول العربية.