شهد يوم أمس الجمعة، 14 حزيران/يونيو، إضرابًا منظمًا على نطاق واسع للنساء في سويسرا، كان قد دُعي له أول مرة العام الماضي، بعد قرار الحكومة بإجراء تدقيق في الفجوة بين أجور الرجال والنساء.
شاركت مئات آلاف النساء السويسريات في الإضراب، وخرجت في مسيرات احتجاجية جابت أنحاء البلاد، تطالب بتسريع وتيرة تطبيق قوانين المساواة بين الرجل والمرأة، خاصة في مجال العمل.
أضربت مئات آلاف النساء في سويسرا عن العمل، وخرجن في مسيرات احتجاجية للمطالبة بحقوقهن مساواةً بالرجال
الإضراب الذي أعلنت معظم النقابات والاتحادات النسوية والعمالية تأييدها له، سلّط الضوء على وضعية المرأة العاملة في واحدة من أكثر دول العالم رفاهية، ومع ذلك فهي من أقل الدول الأوروبية تقديرًا لدور المرأة العاملة والمرأة بشكل عام.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا ترفض أمريكا رسميًا القضاء على التمييز ضد المرأة وتتجاهل اتفاقية سيداو؟!
رفاهية لا تنسحب على النساء
احتلت سويسرا مرتبة متقدمة في مؤشر الرفاهية لعام 2018، إذ جاءت في المركز الرابع بعد النرويج ونيوزيلندا وفنلندا بالترتيب. غير أن الرفاهية التي تضم بين مؤشراتها "الحرية الشخصية" و"بيئة العمل"، لا تنسحب تمامًا على المرأة السويسرية.
وعلى مدار العقود الأخيرة نظّمت النساء السويسريات فعاليات احتجاجية لكسب مزيد من الحقوق، في ظل جو عام يُصنف المرأة في المرتبة الثانية، في الحقوق السياسية وحقوق العمل.
على سبيل المثال، ظلت المرأة السويسرية رهينة إذن زوجها من أجل العمل، بل حتى من أجل فتح حساب مصرفي، حتى عام 1985، ولم يكن لها حق التصويت في الانتخابات الفيدرالية حتى عام 1971.
إذًا، تخلّفت سويسرا في إعطاء حقوق أساسية للمرأة، ليس فقط عن جيرانها في أوروبا، بل حتى عن دول تصنف ضمن العالم الثالث، فعلى سبيل المثال لم يكن يحق للمرأة السويسرية العاملة الحصول على إجازة أمومة مدفوعة الأجر قبل عام 2005، متأخرة عن المرأة في كثير من الدول العربية.
وتشعر السويسريات أن عملية التدرج في حصولهن على حقوقهن بالمساواة بالرجل، تسير ببطء، خاصة مجال العمل، حيث لا تزال معظم النساء السويسريات يتقاضين أجورًا أقل بمتوسط 20% عن الرجال، فيما تقل معاشات النساء بـ38% عن معاشات الرجال. لذا قررت نساء سويسرا إعادة تجربة 1991.
ماذا حدث في عام 1991؟
كان الوضع أكثر سوءًا. كان على المرأة أن تداوم ساعات عملها كاملة وإن كانت حاملًا أو وضعت لتوها مولودًا جديدًا، فضلًا عن الفجوة الأكثر اتساعًا مما هي عليه الآن في الأجور بين الرجال والنساء، رغم مرور عقد من الزمان حينها على إقرار المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور السويدي، تحديدًا في 14 حزيران/يونيو 1981.
على إثر ذلك، ظهرت دعوات بالشروع في إضراب احتجاجي عن العمل، أطلقتها مجموعة صغيرة من نساء يعملن في صناعة الساعات. الكثير ممن شاركن في هذا الإضراب، لم يكن يتوقعن أن يكون بهذا الحجم.
وتحت شعار "النساء مكتوفة الأيدي"، خرجت مسيرات بمئات الآلاف من النساء فيما وصف بـ"أكبر إضراب في تاريخ سويسرا" بمشاركة 500 ألف امرأة، بمطالب لم تختلف كثيرًا عن مطالب إضراب الأمس، منطلقات من الحق الذي أقره الدستور، ويرون بطأً في تطبيقه، إذ لا تزال الفروقات بين الرجل والمرأة في عدة مجالات بسويسرا، من بين الأكبر في أوروبا.
الزخم الذي أخذته دعوات الإضراب في 1991، أقلق على ما يبدو الطبقة الذكورية الحاكمة، حتى أن رئيس مجلس الشيوخ السويسري آنذاك، ماكس أفولتر،طالب النساء بعدم المشاركة في الإضراب، حتى "لا يُسئن إلى أفضال الرجال في تحقيق تطلعاتهن"!
ومنذ ذلك الحين، شهدت وضعية المرأة بعض التحسن، ففي عام 1996 بدأ نص المساواة بين الرجل والمرأة في دخول حيز التنفيذ، فحتى عام 1991 لم يكن بالحكومة السويدية أي امرأة تتولى أي حقيبة وزارية. لكن من حينها وإلى الآن، عينت ثمان نساء في الوزارات المختلفة، كما حصلت المرأة على حق إجازة الأمومة عام 2005.
ولا زالت المرأة السويسرية تتطلع لمزيد من تحسين أوضاعها بالمقارنة بالرجل، خاصة في مجال العمل، فحتى الآن تتقاضى المرأة أجرًا يقل في المتوسط بـ20% عن الرجل، ومعاشًا أقل بـ38% عن الرجل، مع عدم مراعاة للالتزامات الأسرية، وهو من بين المطالب التي رفعت في إضراب الأمس.
كما أن نظرة الرجل للمرأة في سويسرا لا يزال يشوبها الكثير من المشكلات، لعل أبرز انعكاس لها نسبة التحرش التي تعد مرتفعة في سويسرا بالمقارنة بالعديد من الدول الأوروبية، إذ قالت 59% من النساء في سويسرا إنهن تعرضن للتحرش، وفقًا لإحصاء أخير نقلته صحيفة الغارديان عن منظمة العفو الدولية.
الـ20% إضراب وأجور
في عام 1918 طالبت النساء في سويسرا بمساواتهن بالرجال في حق التصويت في الانتخابات الفيدرالية. لكنهن لم ينلن هذا الحق إلا في عام 1971. والآن، وبعد قرابة خمس عقود، لا تزال المرأة السويسرية في الدرجة الثانية عمليًا، خاصة في الأجور وظروف العمل.
وفي العام الماضي، قررت الحكومة السويدية إجراء تدقيق في الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء، بعد أن وصل متوسطها إلى 20%، القرار الذي رأت جمعيات ومنظمات نسوية وحقوقية، أن العوار يشوبه كونه حصري على الشركات والمؤسسات التي يبلغ عدد العاملين فيها أكثر من 100 عامل.
على إثر ذلك، ظهرت أولى الدعوات لتكرار تجربة إضراب التسعينات، وتكثفت الدعوة بحلول نيسان/أبريل الماضي، حيث بدأ التنظيم الفعلي للإضراب، مع التركيز على رمزية الـ20%.
ما حدث، وبمشاركة لم تتوقعها بعض التقديرات، أن كثيرًا من المشاركات في الإضراب لم يداومن يوم أمس بتاتًا، فيما قررت نسبة منهن المداومة حتى الساعة الثالثة والنصف، بما يقلل ساعات عملهن هذا اليوم بنسبة 20%، إشارة إلى الفجوة في الأجور بينهن وبين أمثالهم من الرجال.
كان للـ20% حضورًا رمزيًا كبيرًا في إضراب نساء سويسرا إذ إن نسبة منهن قللن ساعات العمل 20% إشارة لنسبة الفجوة بين أجورهن وأجور الرجال
وعلى عكس الحشد المضاد لإضراب عام 1991، عرف إضراب الأمس تأييدًا أوسع، شمل أعضاءً في الحكومة. كما أن البرلمان السويسري علّق جلسته مدة 15 دقيقة، تضامنًا مع مطالب النساء، فهل يؤتي الإضراب بثماره بشكل أسرع مما مضى؟
اقرأ/ي أيضًا: