مع دخول شهر رمضان، عرف حراك الريف في المغرب تصعيدًا خطيرًا لا يزال متواصلاً إلى الآن، بعد أن اشتدت المظاهرات في مدينة الحسيمة، وتوسعت رقعة الاحتجاجات إلى مناطق أخرى بالمملكة، ما ينذر برمضان ساخن بالغليان الشعبي ستشهده البلاد.
اشتعال المظاهرات الشعبية بالمغرب في رمضان ليس بالأمر الجديد، ففي كل رمضان تعرف المملكة احتجاجات صاخبة تثير انتباه الرأي العام
لكن اشتعال المظاهرات الشعبية بالمغرب في هذا الشهر الروحاني ليس بالأمر الجديد، ففي كل رمضان تعرف المملكة احتجاجات صاخبة تثير انتباه الرأي العام الوطني والدولي، كان أبرزها الاحتجاجات المنددة بـ"فضيحة العفو" التي تفجرت خلال الأيام الأخيرة من رمضان 2013، حينما حصل الإسباني دانيال كالفان، الذي اغتصب 11 طفلًا بمدينة القنيطرة، على عفو ملكي. كما أضفى رمضان، على غرار احتجاجات الربيع العربي، زخمًا زائدا لمسيرات "حركة 20 فبراير" الليلية خلال 2011.
غير أن تزامن فورة المظاهرات بالمغرب مع كل رمضان، ليس مجرد تصادف زمني للأحداث المثيرة للاحتجاج مع فترة الشهر الفضيل، بل أيضًا لأن هناك مجموعة من العوامل الموضوعية المرتبطة بهذا الشهر بالذات، التي توفر مناخًا خصبًا للتظاهر الشعبي في أي بلد بالمنطقة العربية.
اقرأ/ي أيضًا: العقلية البوليسية تدير المغرب مجددًا
في رمضان يسهل الحشد الشعبي
أحد السمات المميزة لاحتجاجات "الربيع العربي" في المنطقة العربية خلال 2011، هي خروج المظاهرات العارمة من المساجد، وتحديدًا بعد صلاة الجمعة، وذلك لأن المسجد وفٍّر بالنسبة لقادة الاحتجاجات فرصة جمع الناس، ومن ثمّة سهولة انطلاق المظاهرات، الأمر الذي كان يتعذر فعله في الساحات العامة ومراكز النقابات أو الأحزاب السياسية.
وتزداد قدرة المساجد في الحشد خلال شهر رمضان، حيث يتهاطل الناس من كل حدب وصوب من أجل صلاة التراويح، فتحتشد جموع غفيرة من الناس المنتشية بالأجواء الروحانية الحماسية، مما يوفر فرصة مواتية لانطلاق المسيرات الشعبية بعد صلاة التراويح مباشرة.
هذا ما تفعله الآن المظاهرات الجارية بالمغرب، حيث ينطلق المصلون في مسيرات احتجاجية ليلية مباشرة بعد صلاة التراويح، وقد تستمر لأوقات متأخرة من الليل.
تزداد قدرة المساجد في الحشد خلال شهر رمضان، مما يوفر فرصة مواتية لانطلاق المسيرات الشعبية بعد صلاة التراويح مباشرة
في رمضان يكون الطقس ملائمًا للخروج
تعد الظروف الجوية المناسبة شرطًا ضروريًا للاحتجاجات الشعبية الحاشدة، إذ قلة من الناس من يتشجعون للخروج في مسيرات في أجواء ممطرة أو باردة مفضلين البقاء في منازلهم، لهذا السبب تخفت الاحتجاجات عادة في فصل الشتاء، وتدخل الحركات الشعبية في حالة سبات مغربيًا.
وبما أن شهر رمضان تزامن مع فترة الصيف طوال السبع سنوات الأخيرة، فإن الطقس يكون ملائمًا للتظاهر، فضلاً عن أن خروج المسيرات في ليالي رمضان تقي المحتجين حرارة الشمس وجوع الصيام، ما يوفر امتيازًا إضافيًا للخروج، وقد باتت المسيرات الليلية في الاحتجاجات المغربية علامة مميزة، تشهد أحيانًا أشكال إبداعية من الترافع الشعبي مثل مسيرات الشموع.
تجدر الإشارة إلى أن السلطات في البلدان العربية تعي جيدًا دور الظروف المناخية في تصعيد الاحتجاجات، ويجتهد البعض منها في توظيف هذا العامل الجوي بطريقة براغماتية، تصب في مصلحة السلطة.
تعد الظروف الجوية المناسبة شرطًا ضروريًا للاحتجاجات الشعبية الحاشدة وقد تزامن رمضان خلال السنوات الأخيرة مع طقس صاح وصيفي
اقرأ/ي أيضًا: اعتقال ناصر زفزافي.. من هو قائد حراك الريف المغربي "المثير للجدل"؟
في رمضان ترتفع الأسعار
يزداد الإقبال على المواد الاستهلاكية في رمضان، فيستغل التجار هذه المناسبة في رفع الأسعار لتحقيق مزيد من الأرباح، ومن ثمّة يكتوي المواطنون أكثر من أي فترة أخرى بنار أثمان الأسواق الملتهبة، ولاسيما منهم الطبقات الشعبية الفقيرة التي تعجز عن توفير مائدة فطور لأسرها، تليق بهذه المناسبة الدينية الاجتماعية.
الشيء الذي يولد لدى قطاع واسع من المواطنين احتقانًا داخليًا، وبمجرد أن يصادف هذا الاحتقان الشعبي الشرارة التي تشعله، يجد الناس فرصة للخروج إلى الشارع تعبيرًا عن سخطهم الشعبي ضد الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، وإن كان الحدث الأصلي المولد للاحتجاج لا يرتبط بشكل مباشر مع ارتفاع الأسعار، إلا أنه سرعان ما يتطور ليصبح حراكًا ذو مطالب اجتماعية سياسية.
على سبيل المثال، بدأ حراك الريف في الأصل بسبب حادثة طحن بائع السمك، محسن فكري، العام الماضي، في شاحنة شفط للأزبال، بعد أن اندفع الفقيد إلى الشاحنة في محاولة منه لاسترجاع سمكه المُصادَر، الواقعة التي أحدثت وقتها غضبًا شعبيًا يطالب بالتحقيق مع المسؤول عن وفاة محسن فكري، إلا أن هذا الغضب الشعبي تطور ليصبح حراكًا اجتماعيًا في منطقة الريف، أما اليوم في شهر رمضان فقد امتد هذا الحراك إلى مناطق أخرى بالمغرب، ترفع بدورها مطالب اجتماعية في وجه السلطات.
في رمضان يتابع الناس أكثر قضايا الرأي العام
تشيع ظاهرة السمر الليلي في رمضان، حيث يجد الناس متعة في السهر لأوقات متأخرة من الليل خلال هذا الشهر الفضيل، وكان الناس في السابق يمضون أوقاتهم في اللقاءات العائلية وتبادل الحديث وفي مشاهدة المسلسلات على التلفاز، إلا أن اقتحام وسائط الإعلام الجديد لبيوت الأسر، غيَّر مفهوم السمر الليلي المرتبط بالمتعة وتقضية الوقت.
فقد بات الكثير يفضل إمضاء وقته في تصفح الأنترنت والشبكات الاجتماعية، هذا الفضاء الافتراضي الحافل بأخبار الأوضاع السياسية والاجتماعية المزرية للبلاد بالإضافة إلى فضائح الفساد، التي تنقلها الصحافة الإلكترونية، وتعج بها الصفحات على مواقع التوصل الاجتماعي، الوسائط الجديدة التي خرجت من سطوة السلطة، واستفادت من هامش أكبر من الحرية.
وهكذا يتعرض رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف شرائحهم العمرية والاجتماعية إلى تدفق مستمر من المعلومات والأفكار بشأن قضايا الرأي العام، أثناء سهرهم في تصفح الأنترنت عبر هواتفهم أو حواسيبهم خلال ليالي رمضان، فيتفاعلون بدورهم مع هذه القضايا، مما يضفي عليها زخمًا شعبيًا أكبر، يمهد لردود فعل اتجاهها على أرض الواقع، تظهر على شكل احتجاجات.
اقرأ/ي أيضًا:
احتجاجات الريف المغربي مستمرة.. والسلطات تتوعد بمزيد من الحلول الأمنية
حراك الريف المغربي يتصاعد.. ماذا بعد مسيرة الغضب "التاريخية"؟