يرى متابعون أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يولي اهتمامًا بالغًا بالاستثمار الأجنبي فقط، فلا يكاد يُسمع عن لقاء جمع الرئيس المصري بأي مستثمر مصري، فجلّ اهتمام الرئيس بالاستثمار الأجنبي لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة تخصيصًا، ولا أدلّ على ذلك من إشادته، غداة زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لمصر، بنشاط العديد من الشركات الألمانية في قطاعات مختلفة بمصر خلال الفترة الماضية، ولا سيما ما تقوم به شركة "سيمنس" في مجال الطاقة، وهي الشركة التي يوليها الرئيس اهتمامًا فائقًا وملحوظًا يثير الانتباه.
يولي الرئيس المصري اهتمامًا واسعًا بالاستثمار الأجنبي ويؤمن بقدرته على انتشال الاقتصاد المتعثر وتوفير فرص العمل
يسعى السيسي لجذب الاستثمارات الأجنبية وتذليل الصعاب أمام المستثمرين الأجانب، وعلى الرغم من ذلك فإن ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري وعدم ثباته وتذبذبه، كان سببًا في هروب شركات أجنبية كثيرة من السوق المصرية، قامت بتصفية أعمالها وإغلاق مصانعها.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا يتحسن الاقتصاد المصري بالنشرات الحكومية فقط؟
يحاول السيسي حل تلك المعضلة حاليًا بكافة السبل، حتى أنه يحرص على مقابلة أي مستثمر أجنبي بنفسه كما لو كان مبعوثًا سياسيًا أو دبلوماسيًا لدولته، وهو أمر يعكس اهتمامًا متزايدًا من جانب السيسي لجذب الاستثمارات الأجنبية للمساعدة في انتشال الاقتصاد المصري المتعثر وتوفير فرص العمل وزيادة الحصيلة الدولارية. ولكن هناك الكثير من التساؤلات تُطرح حول هذا النهج الذي تعلن الدولة المصرية عن إشادات دولية بخصوصه، مع استدعاء الحديث عن خطط "النهوض الاقتصادي" وبرنامج "الإصلاح الاقتصادي"، فضلًا عن إجراءات تتم لتحفيز وتشجيع الاستثمار وتوفير مناخ جاذب له.
وبرنامج "الإصلاح الاقتصادي" الذي يواظب مسؤولو الدولة على استخدامه في أحاديثهم يُقصد به تحسين سوق الصرف الأجنبي والاتجاه إلى سعر صرف مرن يتحدد وفقًا لقوى العرض والطلب بعد تعويم الجنيه في أواخر العام الماضي باعتباره أحد أهم عوامل جذب الاستثمار الأجنبي. لكن توجد مشكلتان تعترضان تلك الخطط؛ أولها أن الاقتصاد الوطني المصري، بحسب خبراء كثيرين، يعاني بالأساس من مشكلات هيكلية متعددة، أهمها تدني التصنيع والإنتاج، واعتماده على ثقافة الاقتراض والخدمات و"الريع" لا ثقافة التصنيع والإنتاج والتنمية، فضلًا عن عجز كبير في الميزان التجاري وزيادة نسبة التضخم. وكل هذه مشاكل هيكلية تعصف بقدرات المجتمع المصري وبنيته الاجتماعية والنفسية، في ظل غياب شبه كامل من الدولة عن التفكير في الآثار الاجتماعية والنفسية المترتبة عن هشاشة الوضع الاقتصادي الحالي وسوء بنية هيكله.
أما المشكلة الثانية، فتتلخّص في إهمال الحكومة المصرية، بل والرئيس نفسه، للمستثمر المصري. إذ يتركز جل اهتمام السيسي على لقاء المستثمر الأجنبي فقط، دون أن يدرك أن مفتاح الاستثمار في مصر إنما يتمثّل بالأساس في المستثمر المصري، فمعنى إقبال المستثمر المصري على العمل والإنتاج في السوق المصرية أن المستثمر الأجنبي هو الآخر سيتحفّز للدخول إلى هذه السوق، ما يعني أن الاستثمارات المحلية بوابة هامة لتشجيع الاستثمار الأجنبي.
ويعتقد خبراء أن الرئيس السيسي وحكومته لا يعرفون حتى الآن قدرات رجال المال والأعمال المصريين، بمعنى أن الحكومة لا تمتلك خريطة اقتصادية تمكّنها من معرفة حجم الاستثمارات التي من الممكن أن يفيد بها المستثمر المصري بلده، ولا سيما في مجال الصناعات الصغيرة، وما ذلك إلا لغياب الاتصال والاعتماد على بعض اللقاءات والمخاطبات مع وزارة الاستثمار، دون وجود اهتمام فعلي وجاد بالاستثمارات المحلية التي من الممكن مع توجيه وتعزيز الاهتمام بها أن تتغيّر خريطة الاستثمارات في مصر كلها.
لا يوجد اهتمام فعلي بالاستثمارات المحلية في مصر، التي من الممكن أن تغيّر خريطة الاستثمارات في البلد
اقرأ/ي أيضًا: 5 دول تمنع استيراد سلع مصرية لـ"عدم صلاحيتها"
مصانع مغلقة ومتعثرة
في السنوات الأخيرة، مرَّت الصناعة المصرية بعقبات وأزمات تسببت بغلق عدد كبير من المصانع وتشريد الآلاف من العمال، ليتخطى عدد المصانع المتعثرة الألف مصنع، وإلى الآن لا تزال الرؤية مجهولة لدى الحكومة والمسؤولين تجاه تلك الأزمة، حتى إن مجلس النواب يكتفي فقط بمطالبة الحكومة بين حين وآخر بوضع خطة وإستراتيجية عملية واضحة لإعادة تشغيل المصانع المغلقة والمتعثرة، سواء مصانع الأدوية أو الغزل والنسيج أو الصناعات الأخرى، للحفاظ على الصناعة الوطنية وإحيائها.
من جانبها، تبدو الحكومة المصرية عاجزة أو غير مؤهلة للتعامل مع تلك الأزمة، فتارة تلوِّح بخصخصة المصانع المتعثرة وتارة أخرى تصرّح بأنها ستوفّر ميزانية لضخها في تلك المصانع والشركات لتشغيلها، لتتعاقب الحكومات على تلك الأزمة دون جديد يُذكر، فلا هي أعادت تشغيلها، ولا تركت القطاع الخاص يقوم بالمهمة بدلًا منها.
وكانت الحكومة قد أعلنت في أيلول/سبتمبر الماضي نيتها تشكيل صندوق لدعم المصانع المتعثرة، وخروجه للنور خلال فترة وجيزة، ليعلن نواب لجنة الصناعة بالبرلمان، كعادتهم، ترحيبهم الشديد بالخطوة. وحتى الآن لم يحدث أي شيء، ولا يزال الترحيب مستمرًا غير أن أعضاء لجنة الصناعة ذاتها أعلنوا مؤخرًا أنهم ينتظرون قرارًا من رئيس الوزراء لبدء تشغيل الصندوق، الذي لم يخرج إلى النور حتى الآن، لتبقى الأزمة كما هي.
روح الهواية والتجريب التي تدير بها الحكومة المصرية أزمة المصانع المغلقة والمتعثرة يمكن اعتبارها عرَضًا لحالة الإهمال التي يُدار بها الملف الاقتصادي المصري؛ فالحكومة دائمًا تصرّح أنها ستعمل على حلّ الأزمة، والبرلمان بدوره يؤكد دائمًا أنه سيطالب بوضع حل لها. والحقيقة أن الاثنين يديران الأزمة بأسلوب غير اقتصادي، فلا الحكومة تستطيع أن تدير القطاع العام أو تعتمد على نفسها فقط في إدارته، ولا البرلمان سيزيد على مطالبة الحكومة بوضع خطة. وعلى الرغم من المقترحات العديدة والتصريحات المتكررة بشأن عدد المصانع المتعثرة وأسباب التعثر، فإن الواقع يؤكد أن المشكلة لا تزال قائمة.
ويذكر أنه خلال فترة حكومة الدكتور حازم الببلاوي، تم الإعلان عن تخصيص 500 مليون جنيه للمصانع المتعثرة لحل مشكلاتها، من خلال الصندوق الاجتماعي للتنمية، بفائدة تتساوى بفوائد البنوك وبضمان من صندوق الطوارئ التابع لاتحاد العمال، وهو المقترح الذي لم يتم تنفيذه بسبب تحفظات من جانب بعض البنوك، ورفض محافظ البنك المركزي وقتها هشام رامز التدخل في الملف، ما أربك حسابات وزارة الصناعة حينها، وترتّب عليه إعادة المبلغ المخصص إلى الخزانة العامة للدولة.
وبحسب خبراء، فإن التفكير في طرق جذب الاستثمارت الأجنبية إلى مصر لا بد أن يوازيه اهتمام كبير بالمستثمر المحلي، وهذا يقتضي إزالة المعوقات التي تواجه الاستثمار بشكل عام، وتعديل كثير من التشريعات الاقتصادية، والإسراع في سنّ قانون جديد للاستثمار. لوا بد كذلك من العمل على خفض تكاليف الإنتاج الصناعي بما يحفّز المستثمرين، الأجانب والمصريين، على دخول السوق بأريحية وثقة واستقرار، وهذا ما لم تفعله الدولة المصرية حتى الآن، على الرغم من تولي الرئيس السيسي نفسه رئاسة المجلس الأعلى للاستثمار، وعقده مع أعضائه ثلاثة اجتماعات حتى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: