استيقظ المصريون يوم الجمعة الماضية، على خبر هجوم نفذه تنظيم ولاية سيناء على نقطة ارتكاز للجيش المصري جنوب مدينة رفح في شمال سيناء. وأعلن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية، مقتل وإصابة 26 عسكريًا من الجيش، بينهم العقيد أحمد المنسي قائد الكتيبة 103 صاعقة، في مقابل مقتل أكثر من 40 من عناصر ولاية سيناء، وفقًا لرواية المتحدث باسم الجيش. وبعد ساعات قليلة من الهجوم، نُشر تسجيل صوتي نُسب للعقيد أحمد المنسي قبل وفاته، يستنجد فيه صاحب الصوت بغرفة العمليات، مُؤكدًا تمسكه بـ"الأرض والدفاع عنها".
تساؤلات مشروعة حول الحادث
أخذ المقطع الصوتي المذكور في الانتشار، ولاقى صدى واسعًا في الأوساط السياسية والصحفية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن ينفي المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة صحة التسجيل أو نسبته إلى أحمد المنسي. وفي ظل حالة عدم الثقة في مؤسسات الدولة الرسمية، أنكر البعض تصريحات المتحدث الرسمي، وتمسكوا بصحة التسجيل، خاصة وأنّ التسجيل يُدين المؤسسة العسكرية ببطء الاستجابة للاستنجاد بغرفة العمليات.
فيما نفى المتحدث العسكري صحة التسجيل المنسوب لأحمد المنسي، تمسّك نشطاء بصحته خاصةً وأنه يدين المؤسسة العسكرية
كما أن التسجيل تضمن جملة "متمسكين بالأرض"، فاتخذها البعض مجالًا للمقارنة بينها وبين من "فرّط في الأرض"، بتعبيرهم، في إشارة منهم إلى اتفاقية تيران وصنافير والتي بموجبها سلّمت السلطات المصرية، الجزيرتين للسعودية. كذلك طُرحت تساؤلات حول الأعداد الحقيقية للضحايا من الجيش، ففيما أعلن المتحدث العسكري أن أعداد القتلى والمصابين 26، نشرت مواقع أسماءً لمن قالت إنهم ضحايا الحادث، تتجاوز أعدادهم العدد المُصرح به من قبل المتحدث العسكري.
استغلال محمد رمضان والأطفال في "التجارة بالدماء"
روّج الإعلام المصري طوال فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين، لفكرة "استغلال" الجماعة للأطفال في مظاهر الاحتفال، وحتى في مظاهرات تأييد مرسي في أحداث 30 حزيران/يونيو وما بعدها، وصولاً إلى اتهامهم بالتضحية بالأطفال ووضعهم في صفوف المتظاهرين الأولى "من أجل الاتجار بدمائهم"، أو كما كانوا يُتهمون.
وبصرف النظر عن مدى صحة تلك الاتهامات، نجد أن الإعلام المصري تعامل مع الحادث الأخير باستخدام نفس الأساليب التي لطالما عرّض بها خلال فترة حكم الإخوان، فنلاحظ ظهور الطفل حمزة، نجل العقيد أحمد المنسي، وهو في جنازة والده مرتديًا بزّة عسكرية، وقد تهافتت عليه الصحف المؤيدة للنظام المصري لأخذ تصريحات على لسانه، علمًا بأنّه لم يتجاوز العاشرة من عمره!
هل يعي الطفل كل ما حدث؟ هل يفهم شيئًا عمّا تمر به البلاد؟ وهل ارتدى البزّة العسكرية عن قناعة وبقرار شخصي، وهل هو مُدرك لرمزية ارتدائه لها؟ جميعها تساؤلات طرحها كثيرون ممن اطلعوا على المشهد، واعتبروا أنّه مُجرّد استغلال للطفل للمتجارة بدم والده في غرض سياسي وليس بدوافع وطنية.
وأيضًا في مقابل الاتهامات التي وُجهت للإخوان باستغلال الوجوه الشهيرة للترويج في إعلان التأييد لهم، كان ما تقوم به الشؤون المعنوية بالجيش المصري، من استخدام مُفرط لنجوم وفنانين للترويج للمؤسسة العسكرية في الشارع المصري، وذلك في ظل انقسام مصري عميق، المؤسسة العسكرية أحد أطرافه بعد انزلاقها في مستنقع الاستقطاب السياسي.
ومن آخر تلك الاستغلالات، ما تمثل في فيلم تسجيلي أصدرته الشؤون المعنوية بالتزامن مع الذكرى الرابعة لانقلاب الثالث من تموز/يوليو 2013، والذي ظهر فيه الممثل المصري محمد رمضان، والذي من المفترض أنه يقضي فترة تجنيدٍ في قوات الصاعقة بالجيش المصري. وكانت رسالة الفيلم الترويج للقوات المسلحة المصرية وتحديدًا منظومة "التجنيد الإجباري".
"مش أحسن من سوريا والعراق"!
تناولنا في تقارير سابقة التسلسل الزمني للعمليات الإرهابية داخل سيناء، وكيفية تنامي قوة الجماعات المسلحة ومحاولاتها لنزع السيطرة من الجيش المصري على المنطقة، رغم ما تروجه المؤسسة العسكرية المصرية من جهود "مكثّفة". فما السبب وراء هذا الذي يعتبره البعض فشلًا أمنيًا متكررًا في "الحرب على الإرهاب"؟
جاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بذريعة الحرب على الإرهاب والقضاء عليه في أسرع وقت، وتحقيق الأمن والأمان للمصريين. ولا يترك السيسي فرصة إلا وتحدث فيها عن "الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب"، بدأ الأمر من سيناء، قبل انتشاره في أرجاء القطر المصري وصولًا إلى العاصمة القاهرة، ومحافظات الدلتا.
رغم أن السيسي جاء منقلبًا بذريعة الحرب على الإرهاب، إلا أنّ الإرهاب لا يزال ضاربًا في مصر، مع استمرارٍ للفشل الأمني في مجابهته
ومع ما صعد به السيسي، وسبقه بقيادة انقلابٍ على أوّل رئيس مدني منتخب في تاريخ الجمهورية المصرية؛ لا يزال الإرهاب ضاربًا في العمق المصري، مع استمرار للفشل الأمني في مجابهته، أو حتى تضييق الخناق عليه بشكل فعال، ولم تزدد الأمور إلا سوءًا سواءً من جهة تهديدات الإرهابيين، أو من جهة تهديدات السلطات المصرية بحجة مكافحة الإرهابيين!
اقرأ/ي أيضًا: هل تحمينا الاعتقالات السياسية من الإرهاب؟
"مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق"، يتشدق مؤيدو السيسي منذ أربع سنوات بتلك العبارة، لتبرير أي خطأ أو تجاوز تقوم به السلطات المصرية، لكن ما يبدو واضحًا أن مصر "مش أحسن من سوريا والعراق" بالفعل، على الأقل في مجال مكافحة الإرهاب، وبالتوازي مع تهاوي داعش وتضاؤل مساحة سيطرته في كل من سوريا والعراق، وبعد أن سقط من يده أهم معاقله وهي الموصل، وعلى وشك خسارة "عاصمة خلافته" أي الرقة في سوريا؛ ففي المقابل لا يُحرز الجيش المصري تقدمًا ملحوظًا في مكافحة التنظيم المتشدد على الأراضي المصرية، وبدلًا من محاولة محاصرته في سيناء، تمدد التنظيم واتسعت رقعة عملياته لتصل إلى محافظات الدلتا، وإلى قلب العاصمة القاهرة!
لماذا لا ينجح الجيش المصري في القضاء على الإرهاب؟
ثمّة العديد من الأسباب المطروحة لتفسير فشل الجهود الأمنية المصري في مكافحة الإرهاب المتنامي، تأتي على رأسها انشغال المؤسسة العسكرية بالتوسع الاقتصادي على حساب التقوية العسكرية، وهو ما أشارت إليه دراسة صادرة عن مركز كارنيغي، منذ نحو عامين، إذ قالت الدراسة إنّ هيمنة القوات المسلحة على الاقتصاد المصري "مستمرة، وفي تصاعد منذ ثورة 2011"، مُضيفًا أنّ "هذه الهيمنة الاقتصادية ومحاولة السيطرة بالكامل على كافة المشروعات التنموية داخل البلاد، جاءت على حساب التنمية العسكرية"، ويتمظهر ذلك بشكل أوّلي في استغلال منظومة التجنيد الإجباري، في توفير عمالة مجانية، تسيطر بها القوات المسلحة المصري على نسبة تتراوح ما بين 45% إلى 60% من الاقتصاد المصري، وفقًا لمنظمة الشفافية الدولية.
صرفت مصر عشرات مليارات الدولارات على صفقات أسلحة لا طائل منها في مكافحة الإرهاب المتنامي على الأراضي المصرية
من بين ما يشار إليه أيضًا كسبب في استمرار الفشل الأمني المصري في مكافحة الإرهاب، صفقات الأسلحة غير المستخدمة. فرغم أنّ الجيش المصري سعى إلى إبرام عدة صفقات سلاح منذ 2012، منها من روسيا، ومنها الطائرات الفرنسية في 2015. وفضلًا عن أنّ هذه الصفقات انعكست سلبًا على الاقتصاد المصري المتأزم بشدة، فإنّها أيضًا لم تستخدم في الحرب الداخلية ضد الجماعات الإرهابية، لسببين على الأرجح، أولاهما ما تحتمه حرب العصابات من اللجوء أكثر للأسلحة الخفيفة، وثانيهما وهو الأهم، المتمثل في تجريم اتفاقية كامب ديفيد لاستخدام الأسلحة الثقيلة في نطاق سيناء، دون تنسيق مسبق متبادل مع الجانب الإسرائيلي.
اقرأ/ي أيضًا: