26-سبتمبر-2024
حزب الله

آثار الدمار بمناطق شمال الأراضي المحتلة بعد ضربات لحزب الله

يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على لبنان، بغارات خلّفت مئات الشهداء، منهم النساء والأطفال، وبالمقابل يرد حزب الله بقصف يستهدف الأراضي المحتلة، ومع ذلك تبدو الخسائر البشرية لدى الاحتلال شبه منعدمة، فما سبب ذلك؟

حسب وكالة الأناضول، فإن الاحتلال يفرض رقابة صارمة على إعلامه بخصوص الخسائر جراء ضربات "حزب الله"، وأسباب ذلك تتنوع من حماية حكومة نتنياهو، إلى الحفاظ على معنويات الإسرائيليين، إضافة إلى ممارسة الحرب النفسية كأحد عناصر الحرب.

السلوك الإسرائيلي الحالي المتمثل بإخفاء عدد قتلاها أو خسائرها الحقيقي هو أمر تكرره في كلّ حرب تخوضها

وأشارت الوكالة في تقريرها أن هذا السلوك الإسرائيلي المتمثل بإخفاء عدد الضحايا الحقيقي هو أمر تكرره في كلّ حرب تخوضها، والباحثون يرون أن "إسرائيل" تفرض رقابة عسكرية صارمة على وسائل إعلامها بخصوص الخسائر الناجمة عن ضربات "حزب الله" التي تطول بالأساس أهدافًا عسكرية.

ويرجعون تلك الرقابة والتعتيم لأسباب عديدة، من أهمها حماية حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، والحفاظ على معنويات الإسرائيليين، وممارسة حرب نفسية بحق الشعوب المؤمنة بجدوى المقاومة.

وتعود هذه الرقابة إلى أن ما يحدث في جبهة لبنان تحديدًا يعد سابقة منذ نكبة فلسطين عام 1948، إذ يضرب العقيدة الأمنية الراسخة لدى المجتمع الإسرائيلي، القائمة على "نقل المعركة إلى أرض العدو"، في حين وصلت الضربات هذه المرة معظم أنحاء "إسرائيل"، بما فيها مدينة تل أبيب الأهم اقتصاديًا وسياسيًا.

فإن كان التكتم الإسرائيلي متوقعًا لإخفاء الانكسارات الناجمة عن ضربات "حزب الله"، فماذا الذي تُعلنه تل أبيب؟ ولمن توجهه؟ وما الأسباب الأخرى لتكتّمها؟ ولماذا تكسر القاعدة أحيانًا وتخرج لتتحدث عن خسائرها؟

تنشر "إسرائيل" مقاطع مصورة لضربات جوية تقول إنها تستهدف مواقع لـ"حزب الله"، أو مشاهد لدفاعاتها الجوية وهي تصيب صواريخًا أُطلقت من لبنان أو مسيّرة في سماء الأراضي المحتلة لا توضح مصيرها.

 

إضافة إلى نشرها صورًا ومقاطع لأعمدة دخان بعيدة، أو حرائق في أماكن مفتوحة أو مخازن فارغة، أو سيارات متفحمة، أو مبنى أو مزرعة متضررة، أو إعلانها تعرض بنيتها التحتية للقصف دون تفصيل.

أما الخسائر البشرية، فلم تعلن سلطات الاحتلال إلا مرّات محدودة وقوع إصابات طفيفة ومتفرقة بين المجندين أو في صفوف المستوطنين، بسبب شظايا صاروخ، أو "الهلع أثناء الهروب للملاجئ"، وفق رواياتها المعتادة.

هذا التكتم، سلط الضوء عليه المحلل السياسي الفلسطيني فايد أبو شمالة: "كل ما ينشره الإعلام العبري والعربي في إسرائيل، يراقبه ضباط الرقابة العسكرية بشكل صارم، ولا يُسمح بنشر أي معلومات أو صور دون موافقة". وأوضح أبو شمالة في منشور عبر منصة "إكس" نقلته الأناضول أن الأهداف العسكرية التي يقصفها "حزب الله" تمنع "إسرائيل" الاقتراب منها أو تصويرها، وأن "كل ما يُنشر بعد ذلك هي الصور الخاصة بقوات الاحتلال والحكومة".

وأكد أنه "‏في الحروب هناك أهمية للمصادر المحايدة، وللأسف في حالة الكيان الإسرائيلي يتم إغلاق المؤسسات المحايدة كالجزيرة، وأما الإعلام الدولي فهو إما منحاز أو عاجز".

وحسب الوكالة فإن اتهام الاحتلال بالتكتم يثير تساؤلات بشأن الأطراف التي تخاطبها في الأساس، فمن تُخفي أو تُعلن خسائرها أمامه؟ وهو ما أجاب عنه المستشار الاستراتيجي الإسرائيلي ياردن فاتيكا، بقوله: "في كل عمل عسكري يستهدف الإعلام ثلاثة جماهير".

وأضاف فاتيكا، في ورقة بحثية نشرها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في 20 يونيو/حزيران 2021، أن "الجماهير الثلاثة هي: الإسرائيلية، والدولية، والإقليمية، الفلسطينية والدول العربية".

وأكد أن "أهم جمهور في الساحة الدولية بالنسبة للاحتلال هو جمهور الولايات المتحدة"، لذا فإن "الجهد الرئيس يكمن في ضرورة الحفاظ على شرعية إسرائيل داخل أمريكا". وتابع: "يجب أخذ الرأي العام الأمريكي بعين الاعتبار، مع التركيز على الجماهير الليبرالية، وكذلك النظام السياسي، كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والإدارة الأمريكية".

وشدد على ضرورة إيلاء اهتمام خاص بالجالية اليهودية الأمريكية والإنجيليين، مشيرًا إلى أنه "مع تحدي الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي لإدارة الرئيس جو بايدن، أصبح هذا الجهد عاجلًا ومعقدًا".

وأمام الجماهير التي ذكرها "فاتيكا"، قد تلجأ "إسرائيل" للتكتم على خسائرها لأسباب عدة، بينها رغبتها في إبقاء معنويات الإسرائيليين والجيش مرتفعة، وتجنب إضعاف الثقة بحكومة بنيامين نتنياهو ما قد يضطرها لتغيير خططها العسكرية والسياسية.

تسعى إسرائيل إلى منع تفاقم خسائرها لأسباب اقتصادية، فأخبار الانتكاسات العسكرية قد تضر استقرار أسواقها، ما تحاول تجنبه لا سيما أنها بالفعل تعاني خسائر اقتصادية ضخمة بسبب عدوانها المستمر على غزة منذ عام.

وبما أن الحجّة المعتادة هي "حماية الأمن القومي، فإن عدم إعلانها عن الخسائر قد يهدف إلى الحفاظ على سرية معلومات وبيانات وخطط إستراتيجية، أو حماية أماكن قد تُظهر إصابتها ضعفا". وإضافة إلى التوقعات بألا يفخر الجيش الإسرائيلي بما يلحق به من خسائر وأن يقلل منها، فإن التكتم قد يهدف لـ"منع حزب الله من معرفة تأثيرات صواريخه والمتاجرة بها إعلاميًا، أو تطوير نفسه ومواصلة هجماته".

تسعى إسرائيل إلى منع تفاقم خسائرها لأسباب اقتصادية، فأخبار الانتكاسات العسكرية قد تضر استقرار أسواقها، ما تحاول تجنبه لا سيما أنها بالفعل تعاني خسائر اقتصادية ضخمة بسبب عدوانها المستمر على غزة منذ عام.

وعلى المستوى الإعلامي، تسعى "إسرائيل" بتكتمها إلى احتكار رواية الحرب خاصة الموجهة للغرب، إذ أن إتاحة المعلومات والبيانات سيسمح للمقاومة ولوسائل الإعلام العربية والعالمية بتكوين رواية مختلفة أو معادية.

وعلى الصعيد الدولي، فقد يدفع الكشف عن الخسائر دولًا ومنظمات للضغط على "إسرائيل" لوقف التصعيد لتقليل فاتورة الحرب، أو يفضح تعاونا سريا مع دول أخرى كما حدث في غزة، أو عن تقنيات لا ترغب في الكشف عنها.

الأسباب السابقة للتكتم في "إسرائيل" تشير إلى أن أي إعلان انتقائي عن خسائر قد يكون جزءًا من لعبة سياسية يلعبها نتنياهو حسب الوكالة، وذلك من أجل حشد الدعم الدولي والإقليمي والمحلي، لمواصلة العمليات العسكرية في لبنان، وتبريرها.

وعلى المستوى الدولي، تستهدف "إسرائيل" بإعلان بعض خسائرها تخفيف الضغط عليها وتجنب اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في لبنان، أو الاستخدام المفرط للقوة والتسبب في تدهور البلد الذي يعاني أوضاعًا اقتصادية سيئة بالأساس. كما أنها تسعى بإعلان بعض الخسائر إلى إبراز "التهديدات" التي تواجهها لضمان استمرار دعم الولايات المتحدة، وتبريرها للرأي العام الأمريكي عبر تصوير نفسها كضحية، ما يجعل موقف واشنطن الداعم لها أكثر قبولًا.

تستهدف "إسرائيل" بإعلان بعض خسائرها تخفيف الضغط عليها وتجنب اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في لبنان، أو الاستخدام المفرط للقوة والتسبب في تدهور البلد الذي يعاني أوضاعًا اقتصادية سيئة بالأساس

وعلى المستوى الداخلي، فإن إعلان "إسرائيل" لبعض الخسائر قد يكون محاولة للتغطية على الفشل السياسي لنتنياهو وصرف الأنظار عن إخفاقات أعمق في إدارته، أو لتقديمه كزعيم يتعامل بشفافية لكسب التعاطف وسط انتقادات متزايدة بحقه. كما أنه قد يستغل الإعلان سياسيًا، لمحاولة تعزيز تضامن داخلي، وتهدئة أصوات مناوئة في الحكومة، إضافة إلى توحيد وجمع الأحزاب، وتجنب احتجاجات ومظاهرات معارضة وإظهارها بمظهر سلبي.

وواحد من أهم دوافع إسرائيل لإعلان بعض خسائرها في الوقت الحالي حسب الأناضول، هو استخدامها كذريعة لتبرير هجمات إضافية على لبنان، كتنفيذ تهديدها بإطلاق "حرب برية شاملة"، وكل ذلك تحت ستار "الدفاع عن النفس".