يبدو جليًّا أن النخبة العربيّة المثقّفة، والمزعومة في أساسها، والجامعة أيضًا لمثقّفي السلطة المُحترفين في تأدية هذا الدور، مثّلت مؤخّرًا، ومنذ اندلاع الثورات العربيّة، النموذج العربيّ للمثقّفين المُصابين بمتلازمة "ميدان تيانانِمن"، وذلك من خلال وقوفها إلى جانب الأنظمة الاستبداديّة والقمعيّة، وتعاليها، كونها تَعدُّ نفسها "نُخبةً"، على الشعوب العربيّة المُحتجّة بحثًا عن الديمقراطيّة التي تساوي بين جميع الأفراد باعتبارهم، وبالدرجة الأولى، مواطنين. فضلًا عن محاولات تلك النخبة الجادّة والدؤوبة في إظهار وتبيين شرعيّة تلك الأنظمة، وتبرير ممارساتها الوحشيّة بحق المدنيين.
اتحاد الكتاب العرب مجمع للمثقفين المصابين بمتلازمة عشق الاستبداد والمستبدين
هذا ما يتّضح لمن تابعَ المؤتمر الأخير لاتّحاد الكتّاب والأدباء العرب الذي عُقد مؤخّرًا في مدينة العين الإماراتيّة، جامعًا مثقّفي السلطة الذين أخرجوا بيانًا ختاميًّا يتّسق مع اتّجاهات الأنظمة التي يمثّلونها، والعاملين على تنفيذ أجنداتها السياسيّة ثقافيًّا. مُشدّدين أيضًا على أمور بديهيّة لا تتّسق، غالبًا، مع اتّجاهات تلك الأنظمة، ولكنّها تأتي انطلاقًا من أهميّتها في الجذب ولفت الانتباه في سياق ما تمرّ به الأمّة العربيّة، وهنا نقصد التطبيع مع الكيان الصهيونيّ الآخذ بالاتّساع سرًا وعلانيّة، ولا سيّما في دولة الإمارات، أي أنّ ما تضمّنه البيان حول التطبيع ورفضه لا يخرج من إطار الدعاية الإعلانيّة والشعارات التي دأب الاتّحاد على تبنّيها.
اقرأ/ي أيضًا: أبو شاور وأبو خالد.. في القصر الجمهوري
من المعروف أنّ الاتّحاد اتّبع، ظاهريًّا، سياسة النأي بالنفس، لا سيَّما فيما يتعلّق بالثورات العربيّة، بحيث يظلُّ قريبًا من الأنظمة الاستبداديّة، ومحسوبًا عليها أيضًا. ولكنّ ما نصّ عليه بيانه حول دولة قطر، ودعوته لمقاطعتها ثقافيًّا بوصفها داعمةً للإرهاب، يقف على النقيض من ذلك، ويؤكّد مجدّدًا أنّ الاتّحاد واجهةً ثقافيةً للأنظمة الاستبداديّة، تُوظّف تماشيًا مع سياساتها، خصوصًا تلك التي فرضت حصارًا جائرًا على دولة قطر نتيجة مواقفها الإيجابيّة من الثورات العربيّة، الأمر الذي يوضّح دور الاتّحاد في الوقت الحاليّ، ولا سيَّما بعد اختياره العاصمة السوريّة دمشق لاستضافة مؤتمره القادم في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني.
اختيار دمشق مكانًا لمؤتمر اتحاد الكتاب العرب إعلان سافر عن التأييد لممارسات نظام الأسد وجرائمه
التأمل في ماهية هذا الاختيار ومآربه، في هذا التوقيت، وفضلًا عمّا رأيناه من الأمين العام لاتّحاد الأدباء والكتّاب الفلسطينيين مراد السوداني من رغبة تجلّت واضحة في كلمته الأخيرة في مؤتمر مدينة العين، حول استضافة دمشق للمؤتمر وتأكيده على أهميّة وفاعليّة هذه الاستضافة؛ وفي العودة مجدّدًا إلى بيان ذلك المؤتمر، يمكننا أن نخلص إلى القول بأنّ اختيار دمشق جاءَ، علاوةً على تأييد واضح ووقح لممارسات النظام وجرائمه، ليتبنّى أيضًا نظريّات النظام الجديدة – بعد أن سبقَ وتبنّى نظريّة المؤامرة – وشعاره في المرحلة الراهنة "الانتصار على الإرهاب"، مؤكّدين أن ليست هناك ثورة شعبيّة، بل إرهاب يستهدف الدولة الوطنيّة، وأنّ النظام السوريّ تمكّن من القضاء عليه، متجاهلين دماء السوريين التي سُفكت على مدار ستّ سنواتٍ متواصلة. وهذا ما يُمكننا اعتباره نوعًا من التطبيع، تطبيع العلاقات مع نظامٍ فاشيّ ومجرم باعتباره حالةً طبيعيّة ونظامًا شرعيًّا. وهنا يتلخّص دور الاتّحاد اليوم في تبنّي نظريّات النظام الجديدة والعمل على ترويجها.
اقرأ/ي أيضًا: الزيارة العار.. البكاء على صدر جزار دمشق الصغير
المُلفت في الموضوع، عدا عن المؤتمر ذاته، هو العلاقة المميزة بين مراد السوداني صاحب نظريّة "تنتهي حريتيّ عندما تبدأ حريّة الوطن"، والنظام السوريّ صاحب نظريّات المؤامرة والحرب على الإرهاب. وفي النظر في مواقف وآراء مراد السودانيّ المتناقضة والتي لا يستطيع مثقّف سلطة مثله التمييز بينها، نجد تشديدًا ورفضًا قاطعًا ومزعومًا للتطبيع مع الكيان الصهيونيّ، متجاهلًا دور سلطته في التنسيق الأمنيّ مع الكيان، وأيضًا سياسات الإمارات، التي استضافته مؤخّرًا، في الأمر ذاته، وسعيها العلنيّ للتطبيع. الأمر ذاته الذي تجاهله الأمين العام للاتّحاد الإماراتيّ حبيب الصايغ في بيانه حول رفضه للتطبيع والإرهاب، دون الالتفات أيضًا إلى تطبيع دولته وإرهابها الذي تُمارسه في اليمن وليبيا.
اقرأ/ي أيضًا: