تحتاج النساء حول العالم إلى أكثر من يوم واحد للحديث فيه عن قضايا العنف ضدهن، وحتى ذلك الحين، فإن يوم 25 من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، هو اليوم المخصص للتركيز على ضرورة القضاء على العنف ضد المرأة عالميًا.
قد يكون العنف النفسي من أشد أنواع العنف الذي تواجهه المرأة، خاصة وأنه لا يحظى بالاهتمام كالعنف الجسدي لأن آثاره غير مرئية
وبتعدد أشكال العنف الذي تواجهه المرأة، هناك العنف النفسي أو ما يُطلق عليه اصطلاحًا "Emotional Abuse" أو "سوء المعاملة العاطفية"، وهو ما يمكن اعتباره مفتاح دورة العنف الحقيقية التي يبدأ عندها العنف متعدد الأشكال.
العنف النفسي ضد المرأة.. سحر غير مرئي
العنف النفسي هو من أنواع العنف الذي تواجهه المرأة، غير أنه لم يحظَ بأهمية العنف الجسدي، ربما لكون آثاره غير مرئية للوهلة الأولى، وتحملها المُعنفة فترة من الزمن قبل أن تضطر لمواجهة آثارها والتعامل بشكل مباشر.
اقرأ/ي أيضًا: في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة: 5 حقائق صادمة من واقع المصريات
قد لا تظن المرأة أنها تتعرض للإساءة إذا لم تتأذ جسديًا. لكن الإساءة العاطفية واللفظية يمكن أن تكون لها آثار قصيرة الأمد وطويلة الأمد بنفس خطورة الآثار الجسدية. ويشمل ذلك الانتهاك العاطفي واللفظي والإهانات ومحاولات التخويف أو العزل أو التحكم في المرأة. وغالبًا ما يكون أيضًا علامة على أن الاعتداء البدني هو التالي في مراحل العنف. وقد تستمر الإساءة العاطفية واللفظية أيضًا إذا بدأ الاعتداء الجسدي.
وفي تعريف صريح لـ"سوء المعاملة العاطفية" حسبما أورده المركز الأوروبي للمساواة بين الجنسين، فهو "الاستهانة أو الإذلال أو التقليل من إحساس الفرد بقيمة الذات واحترام الذات. على سبيل المثال: الانتقادات المستمرة والإهانات اللفظية والمناداة بأسماء قبيحة".
في هذا السياق، فإن رشا الديب المتخصصة في مجال الإنتاج الصوتي والمرئي، والمخرجة المستقلة بالتلفزيون الألماني، وهي معنية بقضايا المرأة، تُحدثنا في "بودكاست" خاص لـ"ألترا صوت" عما أسمته بـ"دورة العنف الخفي" وهي تطور العنف من المعنوي إلى الجسدي.
وفي مصر كانت حالة الفتاة إيمان صالح إحدى الحالات النموذجية للعنف النفسي/ اللفظي الذي أدى إلى الانتحار. وإيمان صالح كانت طالبة في المعهد الصحي الفني بالإسكندرية، وعانت كثيرًا من تصرفات مشرفاتها في المعهد.
ووفقًا لما جاء على لسان والدتها في تصريحات صحفية، فإن مشرفات ابنتها في المعهد، كن يوجهن لها كلمات قاسية تتعلق بشكلها و لون بشرتها و مظهرها العام. كان العنف اللفظي التي عانت منه الفتاة مقدمة لنتيجة حزينة، حيث ألقت الفتاة بنفسها من مبنى المعهد.
ما الذي يعنيه العنف ضد المرأة؟
تنص اتفاقية المجلس الأوروبي بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، والمعروفة أيضًا باسم "اتفاقية إسطنبول"، على تعريف العنف ضد المرأة على أنه "انتهاك لحقوق الإنسان، وشكل من أشكال التمييز ضد المرأة، ويعني جميع أعمال العنف القائم على نوع الجنس التي تؤدي إلى، أو يحتمل أن تؤدي إلى ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي أو اقتصادي أو معاناة النساء، بما في ذلك التهديد بمثل هذه الأعمال، أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقعت في الحياة العامة أو الخاصة".
ولا تقتصر الممارسات العنيفة ضد المرأة على كونها ممارسات بين الأفراد، مثل: الاغتصاب والعنف المنزلي والتحرش الجنسي والإكراه الإنجابي والاختيار الجنسي قبل الولادة والعنف المصاحب للولادة، وكذلك الممارسات العرفية أو التقليدية الضارة مثل جرائم الشرف وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث بما يعرف بختان الإناث، أو الزواج عن طريق الاختطاف، والزواج القسري.
فهناك أيضًا عنف تمارسه المؤسسات ضد المرأة، بما في ذلك مؤسسات الدولة، مثل الإجهاض القسري والتعقيم القسري وكشوف العذرية أو الاغتصاب أثناء الحروب والاسترقاق الجنسي. كما أن هناك العنف النفسي الذي قد تواجهه المرأة في مؤسسات العمل من استضعاف وتمييز وتنميط.
وللعنف الجسدي آثار ملموسة تحدثت عنها منظمة الصحة العالمية، فقالت إن "واحدة من بين كل ثلاث نساء أو 35% من النساء في أنحاء العالم كافة، تعرضن في حياتهن للعنف على يد شركائهن الحميمين أو للعنف الجنسي على يد غير الشركاء"، وهذا النوع من العنف يُصنف ضمن جرائم الكراهية، وقد يؤدي إلى القتل أو الانتحار في بعض الأحيان.
أما العنف المعنوي فهي دائرة من العنف غير المرئي قد لا تنتهي آثارها، وقد تقع على المرأة ممارساتها من نفس بنات جنسها أو الذكور.
غياب القانون يزيد من حالات العنف ضد المرأة
على الرغم من وجود بعض القوانين والتشريعات التي تجرم بعض أشكال العنف ضد المرأة، إلا أن هناك الكثير من العوائق التي تجعل فعالية هذه القوانين محل مساءلة، سواء في مصر، أو في أي مكان آخر في المنطقة العربية، بل العالم.
ومن المعوقات التي تشترك فيها معظم الدول العربية، وفقًا لما نشرته جميعة "نظرة" المصرية المعنية بقضايا النوع: "عدم وجود قانون خاص بالعنف الجنسي، حيث توجد بعض المواد المرتبطة بالعنف تندرج تحت قوانين الأحوال الشخصية، بالإضافة لخضوع هذه القوانين للمذهب الطائفي، كما هو الحال في لبنان، فضلًا عن غياب قوانين تجرم العنف الزوجي التي تعتبر واقعة ضمن دائرة العنف المنزلي، وتقنين زواج القاصرات الذي لا يزال يترك للقاضي الحرية حسب رؤيته في توقيع الموافقة على إتمام عقود الزواج من عدمه، كما هو الحال في العراق وليبيا والسودان واليمن".
وما زالت هناك بعض القوانين التي تمكن المغتصب من الإفلات من العقاب في حال زواجه من الفتاة المغتصبَة، ونوع من الزواج الذي يتم بعد ضغط مجتمعي على الفتاة لتجنب العار والوصمة الاجتماعية، وهو أيضًا شكل من أشكال العنف المجتمعي الممارس على الفتاة نفسيًا بعد جريمة عنف جسدي.
تشترك معظم الدول العربية في وجود معوقات أمام تفعيل قوانين تجريم العنف ضد المرأة، تتعلق كثير منها بالعرف المجتمعي
وباستثناء تونس ومصر والجزائر، لا يوجد في معظم دول العالم العربي، تعريف واضح ومحدد للاغتصاب أو التحرش الجنسي، بل يندرج تحت مسميات فضفاضة مثل "هتك العرض" و"خدش الحياء" أو "الفعل الفاضح"، وهي مفاهيم تؤدي في النهاية إلى تعزيز مفهوم الشرف المرتبط بالجسد والعفة، بينما تهمل الأثر النفسي وتؤدي في النهاية إلى تخفيف العقوبة أو الإفلات الكامل من العقاب في النهاية.
اقرأ/ي أيضًا: