05-أبريل-2019

يسعى حفتر إلى كسب مزيد من الشرعية من خلال التحرك العسكري (رويترز)

إعداد: حسام الهندي وسفيان البالي

دون سابق إنذار وبعد أسبوع من زيارة سريعة للرياض، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد قوات "الكرامة" في بنغازي المدعومة من أبوظبي والقاهرة ودول غربية، الزحف نحو العاصمة الليبية طرابلس. واصفًا خطوته بأنها أتت "لتحرير طرابلس" ممن وصفهم  في تسجيل صوتي منسوب له، "المليشيات المسلحة الداعمة للإرهاب"، في عملية أطلق عليها اسم "لبيك يا طرابلس".

سبق للإمارات أن انتهكت حظر السلاح والتسلح المفروض على ليبيا بتقديم شحنات متنوعة لصالح قوات حفتر الذي يسعى لاحتلال العاصمة في حملته الحالية

في الوقت نفسه أعلن فايز السراج رئيس الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا النفير العام، للدفاع عن طرابلس كما أعلنت عدة فصائل عسكرية في مدينة مصراته نيتها مواجهة قوات حفتر رافضة هجومه على العاصمة، ما يعني أن استكمال حفتر للعمل العسكري سيكون مكلفًا للغاية.

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو: ميليشيا حفتر تختطف وتعذّب سودانيين في ليبيا

ويجيء هذا التحرك عشية زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لطرابلس، وقبل أيام قليلة من أعمال "الملتقى الليبي الجامع" المقرر الشهر الجاري. أمام تلك التحركات، يبدو أن هناك عدة سيناريوهات مطروحة أمام الأزمة الليبية في ظل التحرك الجديد من جانب حفتر.

يأتي في مقدمة هذه السيناريوهات المحتملة، أن حفتر قرر التحرك العسكري والسيطرة على ليبيا شرقًا وغربًا، مستغلًا الراهن الإقليمي، حيث تدفعه كل من مصر والإمارات، باستغلال غياب النظام الجزائري، لإنهاء الصراع بالحسم العسكري، وهو ما كانت الجزائر ترفضه ساعية لحل الأزمة عبر الوساطة السياسية. غير أن الحسم العسكري يواجه العديد من العقبات على المستويات العسكرية والسياسية.

الموقف على الأرض

وفقًا للمعلن من التفاصيل، فإن القوات التابعة لحفتر، تتواجد في مدينة غريان، التي تبعد نحو 100 كيلو متر عن طرابلس، وتتخذ من قاعدة الوطية الجوية (150 كيلو جنوب غرب طرابلس) وموقع آخر في جنوب غرب صبراتة نقطة انطلاق نحو العاصمة الليبية، في حال ما قرر استكمال الحملة العسكرية التي أعلنها يوم الخميس. ووصل حفتر إلي مدينة غريان الواقعة في الجبل الغربي، عبر سلسلة من التحركات التي بدأت بشكل مكثف كحملة عسكرية نحو الجنوب الليبي في كانون الثاني/يناير الماضي، ودعمتها كل من مصر والإمارات والسعودية وروسيا، ولم ترفضها الدول الغربية.

كان الهدف الرئيسي من حملة الجنوب استهداف آبار البترول في محور الوسط شرقًا وغربًا، والتوجه إلي الغرب بعيدًا عن الطريق المعتاد على شاطئ البحر المتوسط. حيث تمكنت قوات حفتر خلال الشهور الماضية من السيطرة على أكبر آبار البترول في ليبيا، مثل شرارة والفيل الذين ينتجان نحو 430 ألف برميل يوميًا تقريبًا، ما يعادل 50 في المئة من الإنتاج المحلي الليبي، إضافة إلى آبار أخرى سيطر عليها حفتر من قبل.

وخلال حملته قام حفتر بفرض نفوذه على بعض المدن الهامة والمحاور، من أبرزها سبها، ولم تتحرك قوات طرابلس بشكل فعال وجاد للدفاع عن تلك الآبار، واكتفت ببعض المناوشات ورفض تسليم بعض المناطق، لكنها لم تستخدم التسليح المتقدم نسبيًا لديها، في الصراع مع حفتر، بالرغم من الإعلان المتكرر عن تغيرات عسكرية وتحولات، واكتفت حكومة الوفاق، بتملك موانئ تصدير البترول والمؤسسة الوطنية للنفط. بينما عزز حفتر حضوره الأمني في تلك المدن التي فرض فيها السيطرة نظرًا لغياب الأمن عن أغلبها، وتكاسلت حكومة الوفاق عن التصدي لقوات اللواء المتقاعد، خلال دخولها مدينة غريان منذ عدة أيام ورفض فائز السراج إعطاء الأوامر لمواجهتها.

الحل العسكري الصعب

استخدم حفتر المحور الجنوبي الغربي المعروف باسم فزان في الوصول إلي مدينة غريان، متلافيًا الصدام مع المدن الكبرى في الشمال، واختار نقطة قريبة من طرابلس تحيط بها مدن مؤيدة له، مثل الزنتان وصرمان. لكن تلك المدن لن تكون ذات ثقل على المستوى العسكري، في حال ما قرر حفتر مهاجمة طرابلس، بعدد من الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود.

من ناحية ثانية، فإن القوات المعارضة لحفتر تحيط به من كل جانب، كما أن طبيعة الجغرافيا الليبية تمنح لمعارضة حفتر فرص أفضل، فأغلب تلك القوات متمركزة داخل مدنها ولم تقم بأي مجهود للتحرك كما فعلت قوات حفتر التي تحرك أغلبها منذ كانون الثاني/يناير الماضي. وتحيط بقوات اللواء المدعوم إماراتيًا وسعوديًا، طرابلس من الشمال، ومن الشمال الشرقي سيكون هناك دعم من مدينة مصراته (200 كيلو من طرابلس)، وهي المدينة التي يشير البعض إلى أنها تمتلك أكبر كمية من السلاح الذي تركته كتائب القذافي خلفها بعد اشتباكات طويلة الأمد مع أهالي المدينة، بعد أن استطاعت أن تصمد لشهور خلال الثورة الليبية في 2011. كما أن الفصائل المقاتلة من مصراته تمكنت من تحرير مدينة سرت من تنظيم الدولة الإسلامية، فيما شاركت كتائب من المدينة أيضًا في عملية تطهير طرابلس وحسمت المعركة بعد مشاركتها.

دفعت مصر والإمارات حفتر للتحرك العسكري استغلالًا للظرف في الجزائر واستباقًا للملتقى الليبي الجامع من باب استعراض القوة وفرض معطيات سياسية بحكم الأمر الواقع

إضافة إلى مصراتة وقوات طرابلس شمال شرق وشمالًا، هناك مدن أخرى على خلاف مع حفتر من بينها الزاوية من الشمال الغربي والزنتان من الجنوب الغربي وكذلك جادو، وتلك المدن يمكنها أن تطوق قوات حفتر. وكل ذلك في حالة استمرار الاستقرار في بنغازي، والذي قد ينتهي في حال مهاجمة المدينة مع تواجد القوات التابعة لحفتر لفترة طويلة في الجانب الغربي.

يملك حفتر بعض الطائرات ولكنها ليست على مستوى متطور للغاية، وعددها وإن كان غير معروف، ليس كبيرًا، ومع عدم وجود مطارات حربية تحت سيطرته، فإنه قد يخسر الدعم الجوي، ما يعني أنه قد يلجأ لطلب دعم متطور من حلفائه في الإمارات ومصر، كما يحدث عادة  تحت اسم "طائرات مجهولة المصدر". غير أن استخدام الطائرات ضد العناصر المتطرفة في الجنوب كان يمر دون أي ردود فعل دولية، أما استخدام الطائرات المصرية أو الإماراتية في المواجهة مع طرابلس، مع غياب الدعم الدولي لخطوة حفتر، وغياب سبب مقنع وواضح للعملية، قد يسبب مواجهة دولية بين مصر والإمارات ودول كبرى ومؤسسات أممية. خاصة وأن هناك قرارًا أمميًا بحظر بيع السلاح في ليبيا، ما يعني أن ملفات بيع السلاح لقوات حفتر، قد يتم فتحها من جديد، كما حدث في اليمن بعد استخدام المليشيات المسلحة لأسلحة نقلت من الإمارات والسعودية.

في حال استخدام السلاح الروسي، قد تطلب حكومة طرابلس تدخلًا من مجلس الأمن لفرض منطقة آمنة ومنع تحليق الطائرات، إذ اتهم تقرير سابق للأمم المتحدة أبوظبي بتقديم مروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات حفتر، ما يعد انتهاكًا لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا.

كل ذلك يعني أن الخطوة العسكرية التي بدأها حفتر بالفعل، محاطة بخطورة كبيرة، قد تهدد مصير الرجل المثير الجدل ومجموعاته العسكرية، وهو ما يعني الفوضى في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها، ويدفع بمخاطر كبيرة قد تسبب لمصر أزمات تهريب ومجموعات مسلحة من جديد على حدودها الغربية.

وعقب الإعلان عن الحملة العسكرية  طالبت العديد من الدول إلي ضبط النفس وعدم استخدام القوة في الحوار بين الأطراف، كما استنكرت دول أخرى الحملة ورفضتها، وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مغادرته طرابلس في طريقة إلى مدينة طبرق وبنغازي، ودعت بريطانيا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لبحث التطورات الأخيرة في ليبيا، وفي بيان مشترك أعربت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا عن معارضتها لأي عمل عسكري في ليبيا. لكن الغريب بشأن هذا البيان أن الإمارات انضمت للموقعين، مثيرًة بهذه الخطوة تساؤلات أساسية عن مخطط أبو ظبي عبر حفتر في ليبيا، ففي حين تستبق العملية بالتصريح ضدها فهي تقدم دعمًا لوجستيًا واستخباريًا وعلمياتيًا لحفتر دون انقطاع.

يبدو سيناريو إتباع التحرك العسكري بخطوات سياسية هو الأقرب للتحقق في أفضل تقدير، فتلك التحركات والتي تظهر متهورة، قد لا تكون سوى محاولة لكسب الأرض لفرض رأي سياسي، حيث يدفع التعامل العسكري الهادئ تمامًا من جانب حكومة السراج، إلى تصديق تلك الفرضية، فهناك مرحلة جديدة، تشهدها المنطقة مع الأزمات التي تعيشها الجزائر وغياب صوت يدعو لتغليب العقل في أزمة ليبيا، وقرب "الملتقى الجامع" أو مؤتمر الحوار بين القوى المتنازعة في ليبيا، ما يعطي انطباعًا أن هناك تنافسًا على استعراض القوة، قبل مرحلة حاسمة.

وبعد أسابيع من الاحتجاجات التي انتهت بتنحي الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، منذ عدة أيام، يبدو أن مصر والإمارات نحتا إلى الدفع بحفتر إلى التحرك وانتهاز الفرصة، لإعادة ترتيب الأوضاع، وفرض سياسة الأمر الواقع واستخدام الحل العسكري قبل الدخول في الحوار.

في هذا السياق،يرى محمد عبديش مدير جريدة الاتحاد الجزائرية، "أن حفتر استغل غياب الدور الجزائري ودفع بمحاولة التحرك العسكري"، مبينًا في تصريح لـ"ألترا صوت"، أن حفتر يلعب لعبة غير شرعية، مستغلًا ما يحصل في الداخل الجزائري، والصمت العالمي، مبينًا أنه "ينتهز الفرصة لينهي ما أتى لأجله بالسلاح".

من جهته، يؤكد إيدير دحماني، الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري، على أن غياب الدبلوماسية الجزائرية ترك مساحة لحفتر وداعميه لطرح الحل العسكري، وتابع في تصريحه لـ"ألترا صوت": "الفرصة أصبحت سانحة أمام حفتر ليتوسع عسكريًا على حساب الحل السلمي والمبادرات الدولية".

اقرأ/ي أيضًا: تلاعب دبلوماسي وعسكري.. ماذا يُجهّز السيسي لليبيا برعاية أبوظبي؟

تأتي محاولة حفتر لتحقيق المزيد من الضغوط السياسية والعسكرية، لإفشال الملتقى الوطني الجامع الذي دعت إليه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا برئاسة غسان سلامة، في الفترة بين الـ14 والـ16 نيسان/أبريل الجاري، وينتظر أن يحضره ممثلون عن مختلف أطراف النزاع، لينتج خريطة طريق جديدة للمرحلة الانتقالية، في مدينة غدامس جنوبي ليبيا، كما سبق واجتمعت اللجنة الرباعية الراعية للملف الليبي، ممثلة في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، السبت الماضي في تونس.

بعد سيطرته على مناطق نفطية هامة وتسخيرها لصالحه يسعى حفتر للتوسع جغرافيًا استباقًا للحوار السياسي المرتقب بعد أيام

ما يعني أن هناك محاولات دولية سياسية لحل الأزمة في ليبيا، وهي تحركات قد تتمخض في الغالب عن وضع سياسي جديد لحفتر، فمن يحكم بنغازي فقط، ليس كمن يسيطر على الشرق والجنوب الغربي، كما يقف جيشه على أبواب طرابلس. وهو ما  قد يمنحه لو تحقق أوراق ضغط عديدة، ويضيق الخناق في نفس الوقت على حكومة الوفاق التي يترأسها السراج.