وثق فريق من الباحثين في تايلاند أول دليل قوي على انتقال عدوى فيروس كورونا الجديد (SARS-CoV-2) من قط أليف مصاب بالعدوى إلى البشر، وهو ما يضع القطط في قائمة طويلة من الحيوانات القادرة على نقل العدوى بالفيروس إلى البشر عند الاتصال معها.
قضت الدنمارك على 17 مليون حيوان مينك خوفًا من تفشي فيروس كورونا بينها
وبحسب الباحثين فإن النتائج ذات دلالة قويّة على احتمال انتقال العدوى بين هذا الحيوان والإنسان، على الرغم من ندرة الحالات المسجّلة منذ بدء تفشي جائحة كوفيد-19، مع العلم بأن القط من أشهر الحيوانات التي تألف البشر وتختلط بهم. وقد وضع العلماء هذا الاحتمال منذ عامين على الأقل، إلا أنه لم تتح الفرصة لتسجيل دليل قويّ على انتقالٍ فعلي للفيروس من القطّ إلى الإنسان إلا مؤخرًا.
فقد وجدت الدراسات المبكرة في الوباء أن القطط تنقل جزئيات الفيروس المعدية ويمكن أن تصيب القطط الأخرى، وقد تم توثيق عشرات بل مئات الإصابات بين القطط الأليفة بعدوى كوفيد-19. لكن تحديد مسار العدوى ليس بالأمر السهل: هل ينتقل من الإنسان إلى الحيوان أم من الحيوان إلى الإنسان؟ ومن هنا تنبع أهمية الدراسة التي أجريت في تايلاند، والتي تسلط الضوء على حالة شبه أكيد من انتقال العدوى من القطة إلى الإنسان.
وقد حصل هذا الاكتشاف بالصدفة، ونشر في مجلة "الأمراض المعدية الناشئة" (Emerging Infectious Diseases) مطلع حزيران/يونيو الماضي. فبحسب المؤلف المشارك في الدراسة، سارونو خوسري، الباحث في علوم الأمراض المعدية والطبيب في جامعة "برينس أوف سونغكلا" جنوب تايلاند، فقد تم نقل رجل وابنه إلى المستشفى بعد ثبوت إصابتهم بعدوى فيروس كورونا الجديد، للخضوع لفحوصات طبية، وبعد معرفة أنهما يمتلكان قطًا في المنزل، تم إجراء فحص للقط وكانت نتيجته موجبة. في تلك الأثناء، عطس القط في وجه الجراح البيطري الذي أجرى له الفحص، ولم يكن يضع واقيًا للعين.
بعد ثلاثة أيام، أصيب الطبيب البيطري بأعراض قريبة من أعراض كوفيد-19، كالحمى والسعال والإعياء، وثبت أنه مصاب بالعدوى، رغم أنه لم يختلط أبدًا بأي شخص حامل للفيروس مؤخرًا. وافترض الطبيب وزملاؤه أن مصدر العدوى هو القط، خاصة وأن التحليل الجيني للفيروس أكد أن الطبيب البيطري أصيب بنفس المتغير الذي أصيب به القط وأصحابه، وأن التسلسلات الجينومية الفيروسية كانت متطابقة.
يقول الباحثون أن مثل هذه الحالات من انتقال العدوى من الحيوان الأليف إلى الإنسان نادرة على الأرجح، وقد أظهرت الدراسات التجريبية أن القطط المصابة بالعدوى لا تفرز الكثير من الفيروسات، وذلك بحسب علماء الفيروسات في جامعة هونغ كونغ. ومع ذلك، فإن هذه الحالة النادرة تستحق التعامل معها باحتياطات إضافية. وهذا لا يعني عدم التعامل مع القطط والحيوانات الأليفة أو اقتنائها، بل اتباع الإجراءات الوقائية اللازمة، وعدم الاقتراب أكثر من اللازم من هذه الحيوانات، ولاسيما عند الشكّ بأنها خالطت أشخاصًا مصابين بعدوى فيروس كورونا.
قاعدة بيانات للحيوانات المصابة بكوفيد-19
يولي الباحثون أهمية كبيرة لتحديد أنواع وأعداد الحيوانات التي يحتمل أن يكون فيروس كورونا الجديد قد انتقل إليها وانتشر بينها، وذلك بسبب احتمال أن يتحول الفيروس إلى سلالة جديدة بينها قد تكون أخطر أو أسرع تفشيًا وضراوة، واحتمال انتقالها إلى البشر. وقد تكللت جهود عدد من الباحثين في في جامعة الطب البيطري في فيننا خلال السنوات القليلة الماضية بإنشاء قاعدة بيانات هي الأولى من نوعها، لرصد أنواع وتعداد الحيوانات المصابة بعدوى كوفيد-19 حول العالم. وقد نشرت هذه البيانات في موقع مجلة "Scientific Data" الإلكترونية، ضمن مشروع بيانيّ تفاعلي بالتعاون مع الجمعية الدولية للحياة البرية (Wildlife Conservation society).
يتيح التصوير التفاعلي للبيانات على الموقع إمكانية معرفة الحيوانات التي تم تسجيل عدوى كوفيد-19 بينها، وعدد الحالات التي تم الإبلاغ عنها لكل نوع ومصدر البيانات. كما يقدم الموقع معلومات حول ما طرأ على الحيوانات بعد الإصابة بالعدوى، وتحديد الأعراض التي عانت منها، وعدد حالات الموت بسبب المرض لو حصلت.
وغني عن القول إن الأرقام المتوفرة في قاعدة البيانات الجديدة أقل بكثير من عدد الحالات الفعلية عالميًا، نظرًا لعدم وجود آلية معتمدة دوليًا لتقصي الإصابات بين الحيوانات وتسجيلها، إلا أن العلماء يرون أن البيانات رغم ذلك تعدّ إضافة مهمة، وقد تساعد على تعميم عدد من الممارسات المنهجية عبر الدول المختلفة للمساعدة في تقصي كوفيد-19 في عالم الحيوان بشكل أفضل، كما أنّها تشكّل قاعدة يمكن البناء عليها للتعامل مع أي حالات مشابهة في المستقبل.
فصائل الحيوانات التي أصيبت بعدوى كورونا
لوحة البيانات التي أعدها الباحثون في جامعة فيينا جمعت حتى الآن 704 حالة إصابة بفيروس كورونا في الحيوانات، بالاعتماد على بيانات تم الحصول عليها من من برنامج "مراقبة الأمراض الناشئة" (Program for Monitoring Emerging Diseases) ونظام معلومات صحة الحيوان العالمي ( World Animal Health Information System). كما رصد العلماء 27 نوعًا مختلفًا من الحيوانات التي أصيبت بمرض كوفيد-19، في 39 دولة حول العالم، ومعظمها حالات تم التأكّد من إصابتها بالعدوى عبر فحوص PCR. وكان حيوان "المنك" الحيوان الذي سجّل العدد الأعلى من الإصابات، بواقع 187 حالة مؤكّدة عبر الفحص المعتمد، يليه القطط والكلاب، باقع 177 و160 حالة على التوالي.
هل ثمة خطر؟
السؤال الذي يقلق الباحثين منذ بدء تفشي جائحة كوفيد-19 يتعلق بمدى إمكانية انتقال الفيروس من الحيوانات إلى البشر. ففي أواخر عام 2020، أدى تفشي فيروس كورونا الجديد في مزارع المنك في الدنمارك إلى إصابة بعض العاملين في تلك المزارع، مما أدى في النهاية إلى قرار دمويّ من السلطات يقضي بإعدام 17 مليونًا من هذه الحيوانات. وفي أواخر العام الماضي، تسببت عدوى كوفيد انتقلت من الهامستر إلى البشر بتفشي المرض في هونغ كونغ. ومع ذلك، فإن هذه الحالات تتعلق بتعامل وثيق مع الحيوانات في تجمعات كبيرة، خاصة وأن العدوى انتقلت إلى أشخاص يعتنون بها ويمرّضونها في مزارع خاصّة. وبما أنّ حالة مؤكّدة واحدة تم تسجيلها لانتقال العدوى من حيوان أليف إلى إنسان، فإن ذلك يعني على الأغلب أن خطورة تسبب الحيوانات باستمرار الجائحة ما تزال ضئيلة، وذلك بحسب ما تؤكّد عليه هيئة مراكز السيطرة على الأمرض والوقاية منها في الولايات المتحدة.