أظهرت لقطات جوية بعدسة الكاميرا عن تأثير الجفاف بشكل ضار على مساحات كبيرة من الأراضي في بريطانيا. وكشفت اللقطات تحول مساحات كبيرة إلى ما يشبه الصحراء ذات اللون البني بعد ان كانت في السابق مساحات بلون أخضر مليئة بالمحاصيل الزراعية والمناظر الطبيعية. وقد أظهرت اللقطات بقع كبيرة من العشب المحترق والمأخوذة من قرى ريفية.
تتزايد المخاوف في بريطانيا بشأن نقص في المياه سببه ارتفاع درجات الحرارة، وتدني مستوى الأنهار ونضوب خزانات المياه
في الوقت نفسه تتزايد المخاوف في بريطانيا بشأن نقص في المياه سببه ارتفاع درجات الحرارة، وتدني مستوى الأنهار ونضوب خزانات المياه وجفاف التربة، مما أدى إلى ضغوط كبيرة على البيئة والزراعة وإمدادات المياه في البلاد وتأجيج حرائق الغابات مما ينذر بصيف حار وجاف.
ومن المفترض أن تطلق الحكومة البريطانية إنذارًا لمدة سبعة أيام بعدما قام مكتب الأرصاد الجوية برفع مؤشر شدة الحرائق إلى مستوى استثنائي، وهو أعلى مستوى تشهده البلاد منذ عام 1976. ويأتي هذا الإنذار بعد ورود شكاوى بنقص المياه من المنازل في العديد من المناطق والقرى. واستدعى وزير البيئة جورج يوستيس، رؤساء شركات المياه لمناقشة الأزمة وسط تقارير عن حالة جفاف يمكن إعلانها هذ الأسبوع.
وفي المقابل تتجه إحدى الشركات المسؤولة عن المياه في البلاد، وهي شركة (Thames Water) إلى فرض حظر على استعمال المياه بخراطيم المياه خارج المنزل وتحديد حجم ما هو متاح لكل منزل يوميًا بحسب عدد أفراده مما سيؤثر على حوالي 15 مليون شخص في بريطانيا. يشمل الحظر على سبيل المثال جميع الأنشطة المصنفة غير ضرورية كتعبئة بركة السباحة أو غسيل السيارة أو تنظيف المنازل الفارغة وتنظيف الطرقات أمام المنازل أو تنظيف المراكب أو كل ما يستدعي هدرًا للمياه في غير محله في فترة الإنذار هذه. ويشار إلى أن شركات مياه أخرى ستعلن حالة الحظر أيضًا مما سيؤثر على حوالي 32 مليون شخص في البلاد، بحسب ما ذكرت صحيفة MailOnline البريطانية.
ما هي معايير قرار إعلان الجفاف؟
ما هو التأثير الذي يمكن أن يحدثه استمرار انخفاض هطول الأمطار على الحياة البرية والحضرية؟ وهل هناك تعريف علمي لما يشكل الجفاف؟ لا يوجد تعريف واحد موحد لتحديد معنى الجفاف، فهذا المفهوم يتسم بمعايير عديدة يمكن أن تحدث مرة واحدة أو بشكل منفصل في كل بلد على حدة. ويطال الجفاف البيئة بالمعنى الواسع للكلمة من الناحية الجيولوجية والإيكولوجية بحسب كل منطقة على حدة، فلا توجد مسطرة واحدة يمكن قياس الجفاف عبرها بشكل مطلق وعام.
يتم الإعلان عن حالة الجفاف في بريطانيا في حال انخفاض مستويات الرطوبة لمدة 15 يومًا مترافقة مع هطول أقل من 0.2 ملم من الأمطار
تشير الوكالات المعنية بالبيئة إلى أن قرار إعلان حالة الجفاف في منطقة معينة يتطلب تقييمًا من قبل الخبراء ويعتمد على عدد من العوامل منها:
- نقص هطول الأمطار
- ارتفاع معدل التبخر
- انخفاض تدفقات الأنهار
- انخفاض مستويات المياه الجوفية
- جفاف التربة
- التصحر
- نقص المساحات الخضراء
- تراجع الحياة البرية
ويضاف إلى هذه العوامل، ارتفاع عدد السكان في منطقة ما، والتوسع الحضري للمدينة، وارتفاع المساحات الزراعية، وكل ذلك يخلق حاجات أكبر لاستهلاك المياه وضغطًا متزايدًا على مصادرها. ثمة مؤشرات أخرى ذات أهمية تكمن في التراخيص التي تمنحها الحكومات للأفراد والشركات والمزارعين من أجل لاستدرار المياه من الأنهر وإنشاء آبار المياه. ونجد أن حكومة جنوب أفريقيا حثت المواطنين على خفض استخدامهم للمياه ووضعت حدًا أقصى قدره 87 لترا للفرد، بحسب ما أفادت صحيفة الصن البريطانية.
ولتقريب الصورة بشكل أفضل من أجل فهم المسألة بكليتها، نجد أنه في عام 1997، على سبيل المثال لا الحصر، استمرت موجات الجفاف الشديدة في التأثير على المياه الجوفية في بعض المناطق في بريطانيا على الرغم من هطول الأمطار بمعدل يفوق المتوسط. وفي المقابل، حافظت منطقة جنوب بريطانيا على مستوى مستدام من المياه على الرغم من أن المنطقة المذكورة شهدت نقصًا في هطول الأمطار في فصلي الربيع والصيف. وهكذا تؤثر العديد من العوامل في تحديد ما إذا كانت حالة الجفاف حادة وشديدة أو خفيفة ويمكن السيطرة عليها.
وهكذا نرى أن العوامل تتداخل فيما بينها. وتجدر الإشارة إلى أن لكل دولة تعريفاتها للجفاف: على سبيل المثال في جمهورية ليبيا، لا يتم الإعلان عن الجفاف إلا بعد عامين من عدم هطول الأمطار. وأما في بريطانيا، فالمعايير تتضمن انخفاض في مستويات الرطوبة لمدة 15 يومًا مترافقة مع هطول أقل من 0.2 ملم من الأمطار، وبذلك تعلن حالة الجفاف رسميًا في البلاد. ويمكن أيضًا الإعلان عن الجفاف بعد نقص الأمطار بنسبة 50% على مدى ثلاثة أشهر، أو نقص بنسبة 15% في معدل هطول الأمطار على مدى عامين متتاليين.
نظرة شائعة للجفاف
ومن هذه المعايير والمعطيات الأكثر شيوعًا هو ما تشير إليه الأرصاد الجوية حيث يكون هناك فترة زمنية بدون مطر، أو فترة زمنية يكون فيها تساقط الأمطار أقل من المعدل المتوسط والموسمي في منطقة ما. وكذلك هناك ربط شائع لدى معظم الناس بأن درجة حرارة الصيف المرتفعة تعني حصول الجفاف. نوع أخر من الجفاف يعرف بأنه الجفاف الهيدرولوجي، والذي يشير إلى تراجع تدفق المياه في الأنهار وعدم تجدد منسوب المياه في المنطقة مقارنة مع السرعة التي يتم استهلاكها بها. وهناك أيضًا الجفاف الزراعي، حيث يشكل نقص المياه المتاحة للزراعة المصدر الأساسي للقلق لدى المزارعين.
الجفاف العظيم
بين عامي 1975-1976 ضرب الجفاف "العظيم" بريطانيا وترك تأثيرات كبيرة ليس فقط على إمدادات المياه في البلاد، ولكن طالت تأثيراته مجموعة واسعة من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والترفيهية في البلاد. ومن الناحية البيئية الإيكولوجية، خسرت بريطانيا ملايين الأشجار والنباتات سيما وأن فترة الجفاف ترافقت مع شتاء جاف بارد بدون أمطار، ووصلت درجة الحرارة إلى حوالي 35 درجة مئوية. ترافق الجفاف أيضًا مع خسارة كبيرة في الأعشاب والحشرات والأسماك وانتشار الحرائق.
ويشير خبراء إلى علاقة وطيدة بين الجفاف والتغير المناخي، ففي المستقبل، سيزيد التغير المناخي والكثافة السكانية من الضغط على المياه، وحيث تشير التوقعات أن بريطانيا ربما ستشهد درجات حرارة أعلى في الصيف مع انخفاض هطول الأمطار وستتراوح فترات الجفاف ما بين 12 إلى 12 شهرًا وستصبح أكثر تواترًا.
الجفاف عالميًا
في شهر تموز /يوليو من هذا العام أعلنت إيطاليا حالة الطوارئ في المناطق المحيطة بنهر بو وهي منطقة تمثل نحو ثلث الإنتاج الزراعي للبلاد وتعاني من أسوأ جفاف منذ 70 عامًا. ويعد نهر بو أطول نهر في إيطاليا ويمتد لمسافة تزيد عن 650 كيلومترًا، وقد جفت أجزاء كثيرة منه. وقال المزارعون بأن تدفق المياه ضعيف لدرجة أن مياه البحر تتسرب إلى داخل النهر مما أدى إلى تدمير المحاصيل. وفي هذا السياق، خصصت الحكومة الإيطالية مبلغًا وقدره 36.5 مليون يورو لمكافحة ندرة المياه في المنطقة المحاذية للنهر، بحسب ما أفاد تقرير أميريكان بوست.
وأما في جمهورية مالاوي الأفريقية، وتحديدًا في الموسم الزراعي عام 2015/2016، حيث حينها ضربت موجة من الجفاف البلاد، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الذرة بنسبة 12%. أدى ذلك، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن 2.8 مليون شخص (20% من سكان البلاد) واجهوا الجوع وانعدام الأمن الغذائي.
50 مليون شخص يواجهون الجوع شرق أفريقيا بفعل تأثيرات الجفاف الناتج عن تغير المناخ
الأمم المتحدة في حينها قالت بأن حوالي 50 مليون شخص يواجهون الجوع شرق أفريقيا بفعل تأثيرات الجفاف الناتج عن تغير المناخ. وكانت دول أفريقية أخرى شهدت موجات من الجفاف نتج عنها نقص في إمدادات الغذاء، ومن هذه الدول جنوب أفريقيا وزيمبابوي وليسوتو وموزمبيق وزامبيا، وذلك بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية. أما عربيًا، فتواجه العديد من الدول شبح الجفاف، من بينها تونس والمغرب، إضافة إلى دول تعدّ من بين الأفقر عالميًا في موارد المياه، مثل الأردن والعراق.