قلَب فيروس كورونا حياة الملايين رأسًا على عقب، وغيَّر مجرياتها بفرضه عُزلة قسرية على البشر المُتباعدين اجتماعيًا عن بعضهم البعض إلى أجلٍ غير مسمّى. خلال الأيام الأولى، تعامل الناس مع الحجر المنزليّ كفرصةٍ لفعل ما كان مؤجّلًا دائمًا؛ القراءة ومشاهدة الأفلام وتبادلها فيما بينهم. ولكنّ الأمور بدأت تتغيّر فيما بعد، حينما تحوّل الحجر إلى مساحةٍ هائلة للضجر.
الكاتب الفلسطينيّ علاء حليحل يرى أنّ ما نسمّيه "حجرًا" ليس إلّا تحوّلًا طبيعيًا في كينونتنا كبشر في العالم المُتخيّل الذي تغذّيه بتسارع مُخيف التقنيات المُعاصرة بكلّ أنواعها ومنصّاتها. كيف لنا أن نسمّي ما نعيشه عزلًا ونحن زدنا بمئات النسب تفاعلاتنا اليومية مع بعضنا البعض؟ يتساءل حليحل في سياق حديثه عن مبادرة ثقافية أطلقها أخيه الفنّان عامر حليحل الذي بدأ منذ الأيام الأولى للحجر بقراءة قصّة هو وابنته عبر بثّ مُباشر على صفحته الشخصية في الفيسبوك حيث وصل عدد المُشاهدين إلى أكثر من 100 مشاهد كلٌّ في عزلته، ممّا يجعل من المبادرة نوعًا من المؤانسة، ونشاطًا لا بدّ منه وسط نشاطات عديدة مُشابهة انطلقت بعد الحجر المنزليّ، والهدف منها جميعها هو التخفيف من وطأة عزلٍ قد يطول.
علاء حليحل: كيف لنا أن نسمّي ما نعيشه عزلًا ونحن زدنا بمئات النسب تفاعلاتنا اليومية مع بعضنا البعض؟
أطلق أحمد قطليش قبل سنوات مشروعًا يسعى إلى بناء منصّة أدبية صوتية ناطقة باللغة العربية، يضعُ فيها تسجيلاتٍ لنصوص أدبية وشعرية بصوته، وبطريقة تتوافق مع طبيعة محتوى هذه النصوص، مُحاولًا تكريس ما بات يُعرف بـ "ثقافة الأدب المسموع" التي تتّخذ غالبًا من منصّة Sound Cloud مسرحًا لها. ولكنّ انتشار كورونا وتفشّيه وفرضه للعزلة والحجر المنزليين، دفع قطليش إلى الانتقال باتّجاه المحتوى المرئي، حيث أعلن أنّه سيقوم بقراءة كتب كاملة في شرائط فيديو سيرفعها على الفيسبوك واليوتيوب.
اقرأ/ي أيضًا: مجلة "الدوحة".. الحياة من منظور الجائحة
الجمعية الثقافية "بيروت دي سي" أطلقت بدورها مبادرة سينمائية تسعى عبرها إلى تقديم السينما كمؤنسٍ لكلّ المُنعزلين قسرًا في منازلهم، والتخفيف من وطأة العزلة التي طالت نصف سكّان العالم تقريبًا، وذلك من خلال عرض مجموعة من الأفلام المتنوّعة بمشاركة عددٍ من المخرجين العرب ومؤسّسات سينمائية عربية أيضًا، بهدف العمل على توفير أجواء إيجابية تُعزّز من صمود جبهات المحجورين في معركتهم ضدّ الضجر والوقت. الأمر ذاته فعلته "مؤسّسة السينما الفرنسية" التي أعلنت قبل أيام قليلة عن فتح أرشيفها الإلكترونيّ مجانًّا للمشاهدين، وإطلاقها منصّة حملت اسم مؤسّسها "هنري لانغلوا" لهذا الغرض تحديدًا، حيث ستُعرض عبرها مجموعة من أهمّ الأفلام الفرنسية يوميًا عند الساعة الثامنة والنصف بتوقيت فرنسا. وحتّى انحسار الأزمة التي تسبّب بها فيروس كورونا، وانتهاء إجراءات العزل المنزليّ وإعادة فتح صالات السينما، سوف تستمرّ السينماتيك الفرنسية في ضرب موعدٍ يوميّ لها مع جمهورها.
"موسيقى، صور، وحكايات من العزلة... من بيروت إلى العالم؛ و/أو العكس". بهذه الكلمات أطلق عدد من الموسيقيين والفنّانين اللبنانيين، بالإضافة إلى عددٍ من المتطوّعين من لبنان والعالم، راديو "كرنتينا" الذي يبثّ في فيسبوك، ساوند كلاود، وانستغرام، مُحاولًا تقديم محتوى متنوّع بين موسيقى وأغاني وحكايات من قلب العزلة المفروضة على الناس ولأجلهم. هكذا، سيكون جمهور الراديو على موعدٍ يوميّ مع نجاة الصغيرة وفيروز والياس الرحباني، عبد الحليم حافظ وأحمد عدوية وغيرهم من الفنّانين الذين لا يكتفي الراديو بإعادة نشر أغانيهم، وإنّما يعمل على تعريف الناس بهم من خلال مقاطع مرئية أرشيفية.
أتاح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات جميع دورياته العلمية للتحميل المجاني
بعيدًا عن السينما والفنون، قرّر "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات" إتاحة جميع دورياته العلمية للتحميل المجاني عبر مواقعها الإلكتروني، بحيث يكون محتوى كلٌّ من "سياسات عربية"، و"تبيّن"، و"عمران"، و"أسطور"، و"استشراف"، و"المنتقى"، مُتاحًا بين يد الباحثين والمهتمّين بالعلوم الاجتماعية والإنسانية. وتأتي هذه الخطوة بحسب بيان المركز في ظلّ "إجراءات تقييد الحركة والعمل والتعلّم عن بعد ومن المنازل، وصعوبة توزيع النسخ الورقية من الدوريات، والتي فرضتها التدابير الاحترازية المتخذة على نطاق عالمي، بسبب المخاوف من انتشار وتفشي فيروس كورونا COVID-19 ".
اقرأ/ي أيضًا: بسبب كورونا.. تأجيل مهرجان كان السينمائي إلى إشعار آخر
وفي سياق هذه الإجراءات ذاتها، وضمن توجّهه نحو تسهيل حصول القرّاء والباحثين وطلّاب الجامعات على إصداراته دون مقابل، أعلن "مركز الجزيرة للدراسات" عن إتاحة جميع إصداراته، أكثر من 100 كتاب، للتحميل المجاني بصيغة pdf على موقعه الإلكتروني. المكتبة الوطنية التونسية بدورها أتاحت أرشيفها من كتب ودورياتٍ مرقمنة للتصفّح مجانًا حتّى انتهاء الأزمة. وهو ما فعلته أيضًا مكتبة قطر الوطنية التي وضعت بين يد زوّارها أرشيفًا ضخمًا من الكتب والدوريات المتعلّقة بالثقافة والتاريخ الحديث في الخليج العربيّ والمنطقة.
اقرأ/ي أيضًا:
يمكنك الآن مشاهدة هذه المسلسلات "مجانًا" وبدون اشتراك على HBO