ألتراصوت- فريق الترجمة
حبيبي في الطريق وسألتقي به بعد يوم عمل طويل.
يتصل بي حبيبي، ولنقل إنّه آدم، قبل دقيقتين من وصوله إلى المكان المحدد للقاء. الساعة السادسة والنصف، يربت شخص على كتفي من الخلف، ثم يستدير حول الطاولة ليجلس أمامي.
يا إلهي!
أثناء حركته للجلوس أمامي، أرى بداية ابتسامة على وجه بعيد (0 ملّي ثانية). ثم أرى ملامح الوجه الصبياني الملفوح بالشمس في ذلك اليوم الصيفي (40 ملّي ثانية)، وبعدها آخذ بعينيّ جولة سريعة على وجهه: العينين اللوزيتين، وإطباقة فمه، وجبهة رأسه (50 ملّي ثانية)، ثم ألحظ بداية تجاعيد تحت عينيه، والتي تعطيه مع جبهته ملامح رجولية لا تتسق مع شخصيته (70 ملّي ثانية)، وأعرف أن هذه كلها سمات آدم، وأعرف أنّه هو، من أول نظرة كاملة (90 ملّي ثانية).
أعرف أنه شعره يفقد كثافته، لأني أذكر مرّة كيف تجادلنا طويلًا حين أخبرته بأنه في طريقه إلى الصلع. أستطيع كذلك أن أشمّ رائحة لحيته التي دهنها بزيت عطري، يتركه في سيارتي حين نخرج معًا، ويذكّرني ذلك بلحظات الوداع الكثيرة حين يعود هو إلى منزله أو يتجه إلى عمله (400 ملّي ثانية).
نتبادل معًا جولة من الابتسامات، ثم يقترب مني عبر الطاولة ويطبع قبلة خفيفة ويلف يديه على كتفي ويضمني ضمّة سريعة.
سألني إن كنت قد انتظرته طويلًا قبل أن يأتي، فأخبرته بأني وصلت للتوّ.
لكن ماذا حصل لدماغي في هذه الوهلة الزمنية الخاطفة؟ هذا التقرير المترجم بتصرف عن MIT Technology Review يوضح ما يجري:
0 ملّي ثانية
الضوء المنعكس من وجه آدم يدخل عبر شبكية العين، فترسل إشارات عبر العصب البصري نحو نقطة ترحيل للمسار البصري تدعى النواة الركبية الوحشية (lateral geniculate nucleus)، ومن هناك تنطلق المدخلات البصرية إلى أجزاء أخرى من الدماغ. تقع النواة الركبية الوحشية في "الثلاموس"، أو المهاد الدماغي في الجزء الظهري للدماغ البيني، وهو يرسل المعلومات الحسية إلى القشرة المخية، مركز التحكم الرئيسي في دماغ الإنسان.
40 ملّي ثانية
تبدأ النواة الركبية الوحشية ببناء تمثيل للقشرة البصرية بالاعتماد على المدخلات القادمة من العصب البصري، عبر دمج المعلومات المدخلة عبر كلتا العينين.
50 ملّي ثانية
تسجّل القشرة البصرية المعلومات أثناء نظري إلى آدم وهو يأخذ مقعده عبر الطاولة.
70 ملّي ثانية
البنى الموجودة في الفص الصدغي (قسم من القشرة المخية مسؤول عن وظائف السمع واللغة)، وهي تلك البنى المسؤولة عن التعرف على الوجوه (Occipital Face Area)، و(Fusiform Face Area)، و(Superior Temporal Sulcus)، وتلك البنى هي التي تخبرني بأني أنظر إلى وجه، وهو ما يسمح لي في هذه الأجزاء من الثانية بتحديد جنس الوجه الذي أنظر إليه وعمره.
90 ملّي ثانية
تلك البنى الدماغية الثلاثة نفسها تخبرني بأن هذا الوجه هو وجه شخص محدد، وتبدأ عمليات المقارنة بين هذا الوجه والوجوه الأخرى التي رأيتها من قبل.
400 ملّي ثانية
هنا يكون الدماغ قد أوعز لأجزاء في الفص الجبهي (frontal lobe)، والفص الجداري (Parietal lobe)، والفص الصدغي (Temporal lobe)، والتي تخزّن الذكريات والمشاعر، للقطع بأن الوجه الذي أمامي معروف ويعود لشخص أعرفه، وهو آدم. ثمة دور أساسي هنا لما يعرف باسم "اللوزة الدماغية" (Amygdala)، والتي تقع في الفصّ الصدغي، ولها مسؤولية في إدراك العواطف. وكل هذه الأجزاء من الدماغ، هي التي تساعدنا، بلمح البصر، على إدراك كل هذا القدر من المعلومات والمشاعر والذكريات عن الشخص الذي يجلس أمامي.
اقرأ/ي أيضًا:
يُقتل الإنسان في أكثر الأماكن أمنًا