"صبرا هوية عصرنا حتى الأبد"
(محمود درويش ــ مديح الظّل العالي)
تحدّه مدينة بيروت من الشمال. المدينة الرياضية من الغرب. مدافن الشهداء وقصقص من الشرق. مخيّم شاتيلا من الجنوب. يصعب اليوم، على المتنقّل في شارع صبرا، الحي القريب من منطقة الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية، أن يلمس آثار مجزرةٍ عُدّت من الأفظع. لكن المجزرة لم تنتهِ، ما زالت حاضرة خلف كل ابتسامة وفي كلّ سجلّ يحمله سكّان ذاك الحيّ، لبنانييون كانوا أم فلسطينيين. وينسحب هذا على الحي المختلط الذي يقع بجوار مخيّم شاتيلا، ويحمل في ذاكرته صورًا عن وحشية التاريخ. ذلك اليوم الذي أغلقت فيه أبواب الرّحمة.
ليلة السّادس عشر من أيلول، 1982، بدأت ميليشيات حزب الكتائب اللبناني بقيادة إيلي حبيقة، يعاونها جيش لبنان الجنوبي المشكّل من عملاء لإسرائيل، بغطاءٍ من الجيش الإسرائيلي باجتياح مخيّم صبار وشاتيلا.
ماهر مرعي، النّاجي من المذبحة ليلة السّادس عشر من أيلول يتذكر:
"رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم أفهم، عدت إلى البيت لأخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص. اذكر أنى رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة. كواتم الصوت "تتفندق" بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها. بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد أن أحسسنا أن شيئًا مريبًا يحدث في المخيم".
في السّابع عشر من أيلول، استفاق السكان، ولم تتوقف المجزرة.
نهاد وسعاد تتذكران:
"بقروا بطن جارتنا". "تظاهرنا بالموت لنحيا".
"بقروا بطن جارتنا". "تظاهرنا بالموت لنحيا"
أكملنا الطريق، لزيارة منزل أم قاسم. كانت تجلس في زاوية غرفتها تردد مووايل لأبو عرب. المسنة الفلسطينية التي نجت من المجزرة.
"بدّك تسأل عن مجزرة صبرا وشاتيلا؟ عادي، كلّو بيسألني عنها، ما بنساها ولا نهار ولا بنسى اللي صار، كنّا ميتين، أصلاً بقينا ميتين لليوم، صحيح بنتنفس، بس مش عايشين". لقد نخر الألم قلبها.
في ذلك اليوم، أجبر المقاتلون من حزب الكتائب، جيش لبنان الجنوبي وفرقة من الجيش الإٍسرائيلي الرّجال على الوقوف بجانب الحائط قبل رميهم بالرّصاص. قطّعوا الأطفال بالبلطات والفؤوس أمام أعين أهلهم كي يبقوا في قلوب الأهل حسرة أبدية. بقروا بطن حاملٍ ووضعوا جنينها بين يديها حتّى ماتت من الألم، قتلوا الجميع دون استثناءٍ بدمٍ بارد، والإسرائيلي يتفرّج.
لا أصداء لصبرا وشاتيلا حتى اليوم، بعد 33 وعامًا، لا أصداء.
ولم يُعرف لليوم عدّد الضّحايا الفعلي لمجزرة يومي الجمعة والسّبت، منتصف أيلول 1982. تضاربت المصادر، وثمة من يقول إن عدد الضحايا وصل إلى 4000 آلاف ضحية، بينما نقل الكاتب الأمريكي رالف شونمان في شهادته أمام لجنة اوسلو، عن مسؤولين في الصليب الأحمر إفادتهم بدفن 3000 ضحيّة، ولا يشمل العدد أولئك الّذين كانوا تحت الأنقاض، ولا الّذين قضت عليهم الجرّافات تحت الأنقاض، لكن التقديرات يتراوح العدد بين 4000 و4500 ضحيّة.
في 1982 دخلت إسرائيل بغطاء دولي. أشرف 350 جندي مظلّي فرنسي، و800 جندي أميركي من المارينز، على إبعاد مقاتلي منظّمة التّحرير عن لبنان إلى تونس بحرًا في شهر آب. ورغم الضمانات التي تلقتها منظمة التحرير الفرنسية، سرعان ما غادر المظليون، وترك الفلسطينيون وحدهم. وارتكبت، على الأرجح، أبشع مجزرة في التاريخ المعاصر.