هل يتوفر مكان لمجلّات تربويّة تعليميّة فاعلة وجادّة عربيًّا؟ وهل ثمّة ضرورة أساسًا لإصدار مجلّة من هذا النوع؟ ألا يبدو الأمر مُغامرة؟ انطلاقًا من هذه الأسئلة والهواجس صدرت مجلّة "منهجيّات" بصفتها مجلّة تربويّة تعليميّة جامعة وطموحة تسدُّ النقص الحاصل عربيًّا لجهة غياب مجلّات تربويّة يُمكن للمعلّمين والمُعلّمات، التربويين والتربويّات، كما كلّ مشغول بمجال التعليم عربيًا أنّ يعود إليها بصفتها مرجعًا أصيلًا وثريًّا في هذا المجال. وهو ما تسعى إليه "منهجيّات" من خلال وضعها مسارًا جديدًا مواكبًا للعصر وتحوّلاته المعرفيّة وأدواته التقنيّة، يؤهّلها لتكون مرجعًا عربيًّا مُتكاملًا مُكافئًا للمجلّات التربويّة عالميًّا.
تسدُّ مجلة "منهجيات" بصدورها على هذه الصورة فراغًا واسعًا في المجال التعليميّ والتربويّ العربيّ لطالما نُظر إليه باعتباره جانبًا ثانويًّا، فيما أدرك القائمون على هذه المنصة التربوية ضرورته
يعود النقاش حول "منهجيّات" ودورها وما يُمكن أن تضيفه للمشهد التعليميّ والتربويّ العربيّ إلى ما قبل جائحة كورونا. لكنّ ظهور الأخيرة وفرضها تحوّلات هائلة طالت مُختلف مجالات الحياة، شجّع على خوض مُغامرة إصدار مجلّة من هذا النوع، قادرة على المُساهمة خلال هذه المرحلة الدقيقة عربيًّا وعالميًّا في اقتراح حلول علميّة لمواصلة التعليّم من خلال توفيرها مساحة لنقاش مسألة التعليم وواقعه ومستقبله أيضًا، بحيث لا تكون المجتمعات العربيّة مُتخلّفة عن التطوّرات الحاصلة في مجال التعليم عالميًّا.
اقرأ/ي أيضًا: أساليب التعليم النشط
هكذا، يُمكن استقبال "منهجيّات" من موقع المشروع التربويّ والفكريّ الحريص على إحداث تعديلات جوهريّة في مسارات التربيّة والتعليم عربيًّا، فما تتطلّع إليه المجلّة والقائمين عليها هو المساهمة في الارتقاء بالتعليم في المجتمعات العربيّة، وذلك في سياق تربويّ شامل، وهو ما يُعدّ ترجمة لطموحاتها بأنّ تكون مجلّة جامعة عربيًّا، ومساحة لتجديد الأفكار حول التربيّة والتعليم وتخصيبها عبر خلق مساحات نقاش ولقاء وتواصل وتأمّل تقود إلى بلورة واقع تعليميّ جديد تُشيّده وجهات النظر المُتعدِّدة والمُتمحورة جميعها حول خلق حالة جديدة في هذا المجال.
تمحور العدد الأوّل من المجلّة حول مسألة التعليم والتعلّم عن بعد في زمن كورونا، وتناولت المقالات المُخصّصة لهذه المسألة عدة جوانب منها. إذ ناقشت رانيا الصوالحي موضوع "التعليم عن قرب"، فيما خصّصت جمانة خروفة حزبون مقالتها لموضوع "الطفولة المبكّرة وكورونا: التعلّم والتعليم للأطفال في ظلّ الطوارئ"، بينما تناولت دينا أبو ديّة "تنمية الخيال عبر سياقات رقميّة"، وانطلقت سيرسا قورشا من "قلق الأطفال في ظلّ أزمة كورونا" للإجابة على سؤال ما الذي يمكن للأهل القيام به في هذه الحالة، في حين استعرض علي محمد عيسى في قراءة نقدية التعليم في لبنان خلال الجائحة.
يُحلِّل حسام حدّاد أدوات التقييم خلال الأزمة ويدرس الخيارات المُتاحة والتحدّيات الجديدة، فيما يذهب نعيم حيماد لبحث الدلالة والتداخل المفاهيميّ في مسألة التعلّم عن بعد. وتوزّعت بقيّة مواد العدد الأوّل حول الموضوع نفسه ولكن ضمن سياقات مُختلفة تطرّقت لمسائل "القضاء على فقر التعليم"، و"التوجّهات المعاصرة في التربيّة والتعليم"، وغيرها من المواضيع.
أمّا العدد الثاني من "منهجيّات" فقد خُصِّص لفتح ملف "العودة إلى المدرسة في ظلّ كورونا"، باعتبارها عودة تشوبها مشاعر مُختلفة من القلق والحذر والترقّب والحماس وفقًا لما جاء في كلمة العدّد التي أشارت إلى ضمّ الملفّ لـ "تأمّلات وتساؤلات استشرافيّة من أجل عودة سليمة موجّهة، وشرح عن إجراءات وقائيّة واجبٌ اتّخاذها في المدارس، إضافة إلى إجراءات لتنظيم عمليّة التعلّم".
يُمكن استقبال "منهجيّات" من موقع المشروع التربويّ والفكريّ الحريص على إحداث تعديلات جوهريّة في مسارات التربيّة والتعليم عربيًّا
تناول خليل عبدالله عجينة في هذا الملف موضوع "من العودة إلى المدرسة، إلى العودة إلى المدرسة"، واستعرض محمود عمرة "عوائق تفرضها إجراءات السلامة" أمام إعادة فتح المدارس، فيما بيّنت غدير خالد الحطبة "دور المدرسة في تحقيق الدعم النفسيّ للطلبة"، وتناولت ريم أبو الراغب مسألة "بيئة الروضة في زمن كورونا". كما ناقش حلمي حمدان "نموذج الصفّ الافتراضيّ المقلوب" والتدريب على التقنية، بينما خصّص عادل ضيغم مقالته لسؤال "هل ستموت المدرسة؟ قراءة استشرافيّة لما بعد الجائحة". أمّا بقيّة مواضيع العدد، فقد دارت حول "رهان الإصلاح التربويّ في عالم مُتغيّر"، وكيفيّة تطوير استراتيجيّات العقل وعاداته عند طلّاب المدارس، ورهانات تدرس الفلسفة في التعلّم المدرسيّ"، وتطويع عناصر المنهاج الدراسيّ لتعزيز التعبير الشفويّ.
تسدُّ "منهجيات" إذا بصدورها على هذه الصورة التي ترجمت طموحاتها وتطلّعاتها وأفكارها التجديديّة المُواكبة لتطوّرات المرحلة الراهنة وتحوّلات العصر المعرفيّة والتقنيّة، فراغًا واسعًا في المجال التعليميّ والتربويّ العربيّ لطالما نُظر إليه باعتباره جانبًا ثانويًّا، فيما أدرك القائمون على "منهجيّات" ضرورته منذ ما قبل الجائحة التي ساهمت في تسريع عجلة العمل على إصدارها لتكون مرجعًا ثريًا ومُتكاملًا في هذا المجال.
اقرأ/ي أيضًا:
ما لا يسعك جهله عن التعليم المنزلي
"يونسكو" تدعو لاستغلال هيكلة التعليم بسبب كورونا لاعتماد مبدأ التعليم للجميع