راكمت الخبرة الصحفية والفنيات الكتابية الفطرية والمكتسبة، والانتقال بين الميدان والميدان، لدى الكاتب اللبناني محمد أبي سمرا تجربةً مختلفة في الكتابة الأدبية. لا هي روائية بحتة ولا تقريرية تنحو نحو التاريخ بلغة أدبية بهدف توثيقي صرف، بل هي مزيج من هذه وتلك، يستخلص من المُعاش منطلقات محورية تُعيد صوغ المراحل الحياتية بما يتناسب مع انسيابية الأحداث والغاية من الإضاءة عليها.
راكمت الخبرة الصحفية والانتقال بين الميدان والميدان خبرة خاصة لدى محمد أبي سمرا
هل كانت غاية محمد أبي سمرا من التنقل بين عدة أساليب كتابية التجريب، لا سيما وأنه كتب في بداياته الشعر وعمل في الصحافة ثم انتقل بموازاة "مهنة المتاعب" إلى كتابة الروايات والسير؟ قد يكون تبلور الشخصية الكتابية تطلبت هذا الأمر، غير أن محمد أبي سمرا، وهو من مواليد شبعا الحدودية في 1953، ينتمي إلى جيل من الكتّاب منهم من استهلّ مسيرته بالشعر وواظب عليه ومنهم من قادته الصحافة غالبًا إلى فضاءات النثر ومناخاته. وأغلب الظن أن أبي سمرا هو أحد هؤلاء، ممّن أثرت كتابته الصحافية لا سيما للتحقيقات والشهادات في تحوّله نحو كتابة الرواية، فكانت باكورته "بولين وأطيافها" ثم توالت الروايات الأخرى.
اقرأ/ي أيضًا: ربيع جابر.. الفتنة البيروتية
كتب محمد أبي سمرا سيرًا كثيرة، مع أن أدب السيرة نادر في الثقافة العربية، وهو إذا ما كُتب يُصاغ بطريقة فضائحية وتجارية تشبع رغبة القارئ بالتلصص على خصوصيات الشخصية المعنية وأسرارها، بنى الكاتب اللبناني كتبه على الشهادات التي جمعها خلال أشهر ثم كتبها بطريقته وخبرته وفنياته الكتابية. من هنا يؤكد محمد أبي سمرا أن "رواية السيرة فعل حرية"، خصوصًا وأن الكتابة تختلف عن التدوين فهي تقلب الأحداث عند كاتبتها رأسًا على عقب، لتضيء على جانب وتظلل على آخر، مع الحرص على الأمانة في الحفاظ على "روحية" الراوي، الأمر الذي يضمنه التعرف "داخليًا" إلى الشخصية قبل تسجيل سيرتها.
ومحمد أبي سمرا لا يذكر بالضرورة اسم الشخصيات. وغالبًا لا يُشهرها، باعتبار أن المصداقية تنبع من قوّة الوقائع وبالتالي فإن ذكر الأسماء لن يكون مهمًا بعد الحديث عن صفات الشخصية وأبرز محطات حياتها إلا إذا كان سيتم تحويل الشهادات إلى المحكمة.
أحد أبرز أعمال محمد أبي سمرا حمل عنوان "موت الأبد السوري" (دار الريس، 2012)، حيث تناول في كادر زمني يمتد ما بين مجزرة حماة عام 1982، والأشهر الأولى للثورة السورية التي اندلعت في 2011 شهادات حيّة على لسان لبنانيين وسوريين ممن تجرّعوا مرارة الفساد والظلم على يد النظام السوري وأجهزته الأمنية.
"موت الأبد السوري" هو أحد أبرز أعمال الكاتب اللبناني محمد أبي سمرا
اقرأ/ي أيضًا:علوية صبح.. عزلة في منطقة الاشتباك
وعن عاصمة الشمال اللبنانية طرابلس، عمد محمد أبي سمرا إلى تظهير ملامح المدينة في كتابه "طرابلس - ساحة الله وميناء الحداثة" بناءً على تحقيقات كان أعدّها ونشرها في جريدة "النهار" اللبنانية وشهادات تناولت حروب طرابلس من اليسارية إلى السلفية.
عمّا إذا كان يزمع كتابة سيرته الذاتية بالاستناد إلى قوله "أن يمتلك الإنسان روايةً عن حياته يعني أنه حر، وعدم امتلاك رواية عن النفس يعني العيش الهش وعلى السطح"، يؤكد محمد أبي سمرا أن في كل ما كتبه شيئًا من سيرة حياته ووقائعها. لكنه لا يعطي نفيًا قاطعًا لنيته أو جزمًا إيجابيًا حولها. فيختصر الإجابة بـ "لا أعلم". قد أكتب سيرة حياتي، وربما لا أفعل.
اقرأ/ي أيضًا: