27-مارس-2018

حذر تيم بيرنرز لي، مخترع الإنترنت، من احتكار اختراعه من قبل الشركات الكبرى (تشارلز كروبا/ أسوشيتد برس)

في رسالة نشرها في الذكرى الـ29 لاختراع الإنترنت، حذّر مُخترع الشبكة العنكبوتية من احتكار الإنترنت عبر عدد قليل من الشركات، التي بذلك "تتحكم في الأفكار التي يتم مشاركتها" عبر الشبكة. صحيفة الغارديان البريطانية، استعرضت الرسالة في تقرير ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


طالب السير تيم بيرنرز لي، مخترع شبكة الإنترنت، أن يُنظم عمل شركات التكنولوجيا الكبرى للحيلولة دون استخدام الإنترنت "كسلاح على نطاق واسع".

حذر مخترع الإنترنت من احتكار الشبكة العنكبوتية عبر عدد قليل من المنصات، بما في ذلك فيسبوك وتويتر وجوجل

وكتب تيم بيرنرز لي رسالة مفتوحة في الذكرى التاسعة والعشرين لاختراعه، التي حلّت في 12 آذار/مارس الجاري، جاء فيها: "خلال السنوات القليلة الماضية، شاهدنا تزايد في نظريات المؤامرة على منصات التواصل الاجتماعي، وحسابات تويتر وفيسبوك وهمية تثير التوترات الاجتماعية، وجهات خارجية تتدخل في الانتخابات، ومجرمون يسرقون البيانات الشخصية المخزنة".

اقرأ/ي أيضًا: إلغاء قواعد حيادية الإنترنت.. وداعًا لحرية ونزاهة استخدام الشبكة العنكبوتية​

ويرى تيم بيرنرز لي أنّ هذه المشاكل ظهرت نتيجةً لتركز السلطة في أيدي عدد قليل من المنصات بما في ذلك فيسبوك، وجوجل، وتويتر، التي "تتحكم في الأفكار والآراء التي تُنشر وتعرض"، على حد قوله.

ويقول عالم الحاسوب البريطاني البالغ من العمر 62 عامًا: "ما كان في يوم من الأيام مجموعة غنية من المدونات والمواقع الإلكترونية، حُجمت بفعل قوة بعض المنصات المُهيمنة".

وأضاف أن تلك الشركات الكبرى "تستطيع تأمين قوتها من خلال جذب المنافسين الأصغر حجمًا إلى جانبهم، وشراء الابتكارات الجديدة، وتعيين أفضل المواهب في هذا المجال، مما يجعل منافسة الآخرين لهم أكثر صعوبة".

هذا وتستحوذ جوجل الآن على قرابة 87% من عمليات البحث على الإنترنت. ويمتلك فيسبوك أكثر من 2.2 مليار مستخدم نشط بصورة شهرية، أي أكثر 20 مرة مما وصل إليه موقع "ماي سبيس" في ذروته. وتستحوذ الشركتان معًا (بما في ذلك الشركات التابعة لهما، مثل إنستغرام ويوتيوب) على أكثر من 60% من الإنفاق على الإعلان الرقمي في العالم.

ويُؤكد تيم بيرنرز لي، أن تلك الشركات بنيت بشكل أساسي من أجل "تعظيم الأرباح أكثر منها لتعزيز المنفعة الاجتماعية"، لذا فإنّه يشدد على ضرورة وجود إطار قانوني أو تنظيمي يخدم الأهداف الاجتماعية "ما قد يساعد في تخفيف هذه المشكلات" المتمثلة في الأخبار المزيفة والروبوتات، واحتكار عملية إنتاج والترويج للأفكار والآراء.

وأشار تيم بيرنرز لي إلى أن التوفيق بين منفعة قطاع التكنولوجيا وبين منفعة المستخدمين والمجتمع بشكلٍ عام، سيتطلب تعاون مجموعات متنوعة من الأشخاص، من رجال الأعمال، والحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية، والفنية.

وحذر تيم بيرنرز لي من "خرافتين" قد "حددتا من خيالنا الجمعي" عندما نبحث عن حلول للمشاكل التي تواجه الإنترنت. الخرافة الأولى هي أن "الإعلان هو نموذج الأعمال الوحيد المُتاح أمام شركات الإنترنت"، بينما تقول الخرافة الثانية إنه "قد فات الأوان لتغيير طريقة عمل المنصات"، وكلتا الخرافتين تشيران إلى ضرورة أن نكون أكثر إبداعًا كما يقول تيم بيرنرز.

 وقال تيم بيرنرز لي: "أريد أن تعكس شبكة الإنترنت آمالنا، وتحقق أحلامنا، بدلًا من تضخيم مخاوفنا، وتعميق انقساماتنا".

يعكس الاتصال بالإنترنت حالة انعدام المساواة في العالم، إذ إن الإناث وسكان المناطق الأكثر فقرًا يمثلون أكثرية غير المتصلين بالشبكة

تزامن هذا الخطاب المفتوح مع مناسبة هامة، وهي أن عام 2018 سيكون العام الأول الذي سيتمكن فيه أكثر من نصف سكان العالم الدخول على الإنترنت.

اقرأ/ي أيضًا: هل تُهدّد وسائل التواصل الاجتماعي الديمقراطية؟

ولا يزال الدخول إلى الإنترنت يمثل "فجوة انقسامٍ رقمي"، أدت لتفاقم الشعور بانعدام المساواة، فالإناث والفقراء هم الأكثرية بين غير المتصلين بالإنترنت، وكذا سكان المناطق الريفية أو البلدان الفقيرة بشكل عام.

يقول بيرنرز لي، إن "عدم الاتصال بالإنترنت اليوم، يعني استبعاد فرص التعلم والربح، وعدم القدرة على الوصول إلى خدمات قيمة، وصعوبة المشاركة في النقاش الديمقراطي"، مُضيفًا: "إذا لم نستثمر بجدية في سد هذه الفجوة، فلن يتمكن مليار شخص على الأقل من الاتصال بالإنترنت حتى عام 2042. أي أن جيلًا كاملًا سوف يتخلف عنّا".

وقبل عامين، أعلنت الأمم المتحدة أن الاتصال بالإنترنت أصبح أحد حقوق الإنسان الأساسية، بالتساوي مع المياه النظيفة والمأوى والطعام والكهرباء. وعلى الرغم من ذلك، يُعد الوصول إلى الإنترنت في كثير من الأماكن أمرًا باهظ التكلفة، فعلى سبيل المثال، تكلفة استهلاك واحد جيجابايت في خدمة الإنترنت عالية السرعة عبر تقنية نقل الإشارات المختلفة مُتعددة التردد لأجهزة المحمول، في مالاوي، أكبر من 20% من متوسط الدخل الشهري في البلاد. وفي زيمبابوي، تقترب النسبة من 45%!

وجاءت هذه الرسالة المفتوحة من بيرنرز لي، بعد عام من دعوته إلى تشديد اللوائح المنظمة للدعاية السياسية عبر الإنترنت، والتي قال عنها إنها كانت تُستخدم "بأسلوب غير أخلاقي".

ومنذ ذلك الحين، تعرض ممثلين عن شركات فيسبوك، وتويتر، وجوجل للاستجواب أمام الكونغرس حول مدى استغلال منصاتهم في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، والتي انتهت بفوز دونالد ترامب.

واعترفت الشركات الثلاثة بأن كيانات روسية اشترت إعلانات على منصاتهم الإلكترونية، في محاولة للتأثير على أصوات الناخبين. فقد تظاهر بعض الروس على أنهم أمريكيين لشراء إعلانات على موقع فيسبوك، ونشر رسائل تعزز الانقسام، مركزةً على الولايات المتأرجحة.

كما أنفق هؤلاء أيضًا عشرات آلاف من الدولارات على إعلانات لنشر معلومات مُضللة عبر موقعي يوتيوب وجوجل. أما في موقع تويتر، فقد ساعدت أعداد كبيرة من الحسابات الوهمية في نشر قصص إخبارية كاذبة.

ولطالما أكد بيرنرز لي أن اختراعه كان "انعكاسًا للإنسانية بكافة جوانبها، الجيدة، والسيئة، والقبيحة". وعلى الرغم من ذلك، تواجه رؤيته لصنع "منصة مفتوحة تتيح لأي شخص أن يشارك المعلومات، ويصل إلى الفرص، ويتعاون عبر الحدود الجغرافية"؛ تحدٍ كبير، بعدما أصبح الإنترنت أكثر مركزية.

تواجه رؤية مخترع الإنترنت حول اختراعه باعتباره منصة عالمية مفتوحة للمشاركة والتعاون؛ تحديًا كبيرًا بعدما أصبح الإنترنت أكثر مركزية

وصرح تيم بيرنرز لي لصحيفة الغارديان في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، قائلًا: "ما زلت متفائلًا، إلا أن هذا التفاؤل يقف على قمة تل في جو عاصف، وعالق في سياج"، مُضيفًا: "يجب أن نتحلى بالعزم للتغلب على هذا السياج، ولا نعتبره أمرًا مُسلمًا به، لأن الإنترنت قد يقودنا إلى أمور رائعة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

المصرية للاتصالات تتجسس على مستخدمي الإنترنت وتستغلهم في التعدين الرقمي

هل ترسم "السوشال ميديا" ملامح الحرب الحديثة؟