تخطو زيارة سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان إلى مخيم البارد نحو مرحلة جديدة. بدت فيها أحلام الفلسطينيين المقيمين في المخيم "المنكوب"، متفاقمة مثل تفاقم الذل والمهانة في يومياتهم. فهناك حيث لا تزال الأبنية متهالكة والدمار لم يزل بعد، تعيش عائلات تحت خط الفقر، خصوصًا وأن مساعدات "الأونروا" خفضّت، ولم تعد كافية لسدّ حاجات ارتفعت بعد تدمير بنية المخيم.
فالمخيم لا يزال الكثير من أهله نازحين في مخيمات اللجوء الأخرى. ويشكو من قساوة النزوح التي استهدفته من الباب الذي لم يتوقعه أبدًا. فتأثره بالأزمة السورية، جاء هذه المرة من جهة الدول المانحة، التي تغاضت عن البارد، لتصب أموالها وجهودها في معالجة أزمة الفلسطينيين الذين جاؤوا من سوريا.
يرزح مخيم البارد تحت سطوة أمنية لبنانية وحرمان من خدمات "الأونروا"
ويأمل أبناء المخيم أن تعيد هذه الزيارة تفعيل عملية الإعمار وعودة الأهالي إلى منازلهم التي هُجّروا منها قبل تسع سنوات. ولا يزالون ينتظرون تنفيذ الوعود المتكررة التي يتلقونها، وسط الحصار المفروض عليهم أمنيًا بفعل الإجراءات المشددة التي تحول دون إعادة دمجهم مع محيطهم اللبناني، وإعلاميًا بسبب تهمة "الإرهاب"، التي ألصقها بهم تنظيم "فتح الإسلام".
ومنذ تسع سنوات تحديدًا، يعيش الأهالي وضعًا مأساويًا، بعد انتقال بعضهم إلى شقق سكنية ضمن خطة إعادة الإعمار. وتثير مواصفات الشقق الجدل، حيث لا تزيد مساحة الشقة الواحدة عن سبعين مترًا مربعًا، وعرض الدرج عن ثمانين سنتيمترًا فقط، وهو مشيّد بشكل لولبي على ارتفاع أربعة طوابق، والشقة السكنية من دون شرفات. وهو ما صار يطلق عليه أهالي المخيم بـ"مساكن السجن المركزي". فهذه المواصفات لا تتطابق مع معايير البناء والإعمار في لبنان، ولا مع القوانين اللبنانية وما تفرضه نقابة المهندسين.
اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون الفلسطينيون والأونروا.. إلى الشارع دُر
وفي المخيم القديم، لم ينجز سوى إعادة إعمار حوالي 50%، وما تبقى ليس معروفًا مصيره، بذريعة ارتباط الإعمار بتوفر الأموال اللازمة، بالرغم من أن الأموال التي قدمتها الدول والجهات المانحة أكبر بكثير من حجم ما تم إعماره. أما في الجانب المتعلق بالدولة اللبنانية، فمنذ العام 2009 صرفت التعويضات إلى المتضررين اللبنانيين فقط دون أن ينال الفلسطينيون شيئًا، باستثناء تقديمات بعض الجهات المانحة لإعادة ترميم المباني المهدمة جزئيًا وعدد من المباني كليًا، دون التعويض عن الخسائر الأخرى (الممتلكات المنقولة).
منذ 9 سنوات، يعيش أهالي مخيم "البارد" وضعًا مأساويًا في انتظار انتقالهم إلى شقق سكنية مؤهلة فعليًا
وإضافة إلى هذا الانتظار الدائم لانتقال الأهالي إلى شقق سكنية مؤهلة فعليًا لاستقبالهم، يجثم الهم الأمني على صدور فلسطينيي "البارد"، فعلى الرغم من الإعلان عن إلغاء التصاريح، لا تزال بعض الإجراءات، التي تتخذها السلطات اللبنانية في المخيم، تثير الجدل، خصوصًا مع وجود "السور الأمني". مع العلم وأن جماعة "فتح الإسلام" انتهت من المخيم والجوار، وعناصرها بين قتيل ومعتقل، والأسباب السياسية والأمنية التي أدّت إلى نشوء المجموعة وتموضعها وانتشارها وخوضها للمعارك انتهت أو تلاشت، والدولة اللبنانية تمتلك كل المعلومات عن المقيمين في المخيم، والساكنين فيه وزائريه، وهذا يعني أنه لا مبرر لإبقاء السور الخانق على حياة أهالي المخيم ويطبق عليها.
يشار إلى أنه بعد أحداث المخيم في العام 2007، شاركت السفارة الفلسطينية والدول المانحة بالإضافة الى الحكومة اللبنانية في "مؤتمر فيينا" (23 حزيران/يونيو 2008)، حيث تم الاتفاق على إعادة إعمار المخيم ووضع خطة للطوارئ من أجل مساعدة المتضررين من الأحداث. وتضمنت خطة الطوارئ مساعدات طبية وإغاثية، فضلًا عن بدل إيجارات من أجل تأمين عودة الحياة الطبيعية إلى المخيم تدريجيًا. ولكن يبدو أن هذا الإعمار، يحرّك أيضًا عجلة الموت التي تلاحق الفلسطينيين في شتاتهم اللبناني.
اقرأ/ي أيضًا: