1
يحكي فيلم "The Shape Of Water" عن قصة حبّ متخيلة تنشأ في فترة الحرب الباردة، بين امرأة بكماء تعمل في إحدى المختبرات السرية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومخلوق عجيب يتمّ استقدامه من أمريكا الجنوبية لإجراء التجارب عليه، فشرارة الحبّ التي تشتعل بين المرأة التي تعمل عاملة نظافة في المختبر، والمخلوق العجيب، تبدأ بلفتة لطيفة تُقدّم له فيها المرأة بيضة ليأكلها، فيستسيغ وجودها، ويتقبّل تقرّبه منه، ويُبدي استجابة للغة الإشارة التي تُعلّمه إياها، وتُصبح وكأنّها وسيلة لغوية للتواصل بينه وبينها.
يأتي عنوان فيلم "شكل الماء" ليقول لنا بأنّ الحبّ الذي نشأ بين تلك المرأة وذلك المخلوق هو حبّ بشفافية ونقاء الماء، فهو حبّ رأت فيه المرأة المخلوق بمرآة قلبه
يأتي عنوان الفيلم "شكل الماء" ليقول بأنّ الحبّ الذي نشأ بين تلك المرأة وذلك المخلوق هو حبّ بشفافية ونقاء الماء، فهو حبّ رأت فيه المرأة المخلوق بمرآة قلبها، فانعكست فيها صورته الجميلة بعيدًا عن غرابة تصميماته الجسدية، وهو حبّ رأى فيه المخلوق المرأة بمرآة قلبه، فانعكست فيها صورتها الكاملة بعيدًا عن عوارض النقص والخلل التي لديها، وحقيقة رؤية أحدهما للآخر بمرآة قلبه، تظهر بشكل جلي في حوار تقول فيه المرأة موجهة كلامها لأحد معارفها: "ما أنا؟ أحرّك فمي مثله، لا أصدر صوتًا مثله، ماذا يجعلني ذلك، كلّ ما أنا عليه.. وكلّ ما كنت عليه آنفًا قادني إلى هنا، إليه هو، حينَ ينظرُ إلي، طريقة نظره إلي، لا يعرف ما ينقصني أو كيف أنني غير مكتملة.. إنه يَرى ما أنا عليه كما أنا".
وكأنّ الفيلم يروي قصة مرايا الحبّ، تلك التي تجعلُ الواحد منا يرى صورة حبيبه في قلبه في أقصى درجات كمالها وجمالها، في شكلٍ يتعالى على كلّ موضوعية، ويخرج عن كلّ منطق، يراها واحدنا بقلبه وهو يَهمس للذي يُحبّه: "لا يُمكنني إدراكُ شكلك، أجدكَ حولي في كلّ مكان، حضوركَ يملأ عيني بحبك، لأنّه يُخضع قلبي، لأنكَ في كلّ مكان".
2
يحكي فيلم "عن العشق والهوى" قصة عمر الذي يمرّ في بدايات حياته بقصة حبّ تنتهي بافتراقه عن المرأة التي يحبها واسمها علياء، ثمّ يتزوج بابنة عمه زواجًا تقليديًا مدفوعًا بهدف رغبته بنسيان حبه الأول، ويتبيّن من الفيلم أنّ عمر، وبعد مرور سنوات عديدة على زواجه من ابنة عمه، يلتقي بامرأة أخرى في عمله تُدعى سلمى وتكون متزوجة، فيقع في حبها، وتنشأ بينهما علاقة تنتهي بطلاق سلمى وبزواج سري بينهما.
يجيء أحد مشاهد الفيلم ليصوّر حوارًا يدور بين سلمى وعمر بعد ممارسة حميمة بينهما، حيثُ تسأل سلمى عمر عن سرّ هذه السعادة التي يشعران بها، وعن اللذة التي تُضفيها سرية العلاقة الزوجية بينهما والتي تجعل منها كزوجة تقترب من صفة العشيقة، تقول سلمى: "السرقة اللي في السرّ دي بيبقى طعمها حلو أوي، أصل العشيقة دي يا حبيبي بتبقى عارفة ومتأكدة انو يوم ما حبيبها يكون عايز يسرق لحظة حلوة أو يتجنن شوية هيتجنن معاها هيا، ويوم ما يحِبّ يتعرى ويبقى على حقيقته من غير أي حسابات هيتعرى قُدامها هيا".
آلان باديو: "أن تحبّ يعني أن تُناضل في ما وراء العزلة، مع كلّ ما يمكن أن يُنعش وجودك في هذا العالم. في هذا العالم أرى أمامي مباشرة ينبوع السعادة الذي يفيضُ مع الآخر علي"
فعري الحبيب الذي قصدته سلمى في حديثها هو عري يتجاوز في مقاصده العري الجسدي ليأخذ أبعادًا أخرى، وهو عري لا يُمكن أن يٌشاهده الحبيب في حبيبه إلا إذا كان يُحبّه حقًا، ويُبصره في مرآة قلبه، في وجوده الحقيقي، ووجهه الفعلي، وكأنّه يذهب معه في رحلة اكتشاف جديدة لوجوده وحقيقته، فيكتشفه من خلالها ويكتشف معها ذاته، وتكون نتيجة ذلك لحظة عري جميل يعيشها الحبيب مع حبيبه في سعادة خالصة ونشوة عارمة، أو كما قال آلان باديو في كتابه "في مدح الحبّ": "أن تحبّ يعني أن تُناضل في ما وراء العزلة، مع كلّ ما يمكن أن يُنعش وجودك في هذا العالم. في هذا العالم أرى أمامي مباشرة ينبوع السعادة الذي يفيضُ مع الآخر علي. "أحبّك" تعني: أنتَ ينوع وجودي في هذا العالم. في مياه هذا الينبوع أرى فرحنا، وأرى فرحكَ أولًا. أرى كما في قصيدة مالارميه: في الموجة التي تكوّنها، نشوتكَ العارية".
3
يقول نزار قباني في مقطع إحدى قصائده: "قولي أحبّك كي تزيد وسامتي بغير حبّك لا أكون جميلًا"، وفعلًا أرى بأنّ نزار لم يُخطئ عندما افترض أنّ وسامته عند من يحبّ تأتي مقترنة بهذا الحبّ، وكأنّها محكومة به، مقيّدة بشرطِ حدوثه، وكأنّها اختراعٌ تبتدعه أعينُ الحبيبة عندما تحبّ، وابتكارٌ تكتشفه نظراتها عندما تعشق، وكأنّ الوسامة هيَ حالة طارئة على الرجل، لا تأتي معه عندما يُخلَق، وإنّما تنبثقُ فيه فجأة عندما تخلقها له أعين عاشقة تراه كما لا يراه الآخرون. وأنا أعجبْ لأولئك النساء اللواتي يُحببنَ رجالهنّ لكونهم وسيمين قبل كلّ شيء، أعجبُ لهنّ كيفَ يَستطعنَ أن يُقدمنَ الوسامة على الحبّ، أو كيفَ يُمكنهنّ أن يرينَ الوسامة في رجالهنَ قبلَ الحبّ، إننّي أنظر إلى الرجل الذي أحبّ فأراه أكثر الرجال وسامة لكنني أقول له، لو لم تكن هذه الوسامة وسامتكَ أنتَ لما كنتُ قد لاحظتها حتى، إنّها جزءٌ صغير من وسامة كلّية شاملة، ظاهرية وباطنية، لم تكن فيكَ حتى خلقتُها أنا عندما أحببتك.