صعب على معتنقي الديانة المسيحية بالمغرب إفشاء ديانتهم أو ممارسة طقوسها بشكل علني أمام المغاربة ممن يعتنقون الإسلام واليهودية، علمًا وأن أغلبية المغاربة من معتنقي الديانة الإسلامية ويعتبر المسيحيون أقلية مقارنة بمعتنقي الديانة اليهودية أيضًا، حسب المتواتر شعبيًا، في ظل غياب لإحصاءات رسمية. "ألترا صوت"، حاول من خلال هذا التقرير أن يسلط الضوء على حياة المسيحيين المغاربة وما يعيشونه يوميًا.
لا توجد أرقام رسمية تقدر عدد المسيحيين بالمغرب، حتى أن وسائل الإعلام لا تتطرق كثيرًا لهم ولمشاغلهم، هم تقريبًا يعيشون في الخفاء
"مصطفى"، في الأربعينيات من عمره، للوهلة الأولى قد يتبادر إلى الذهن أن الاسم يعود لمسلم لكنه مسيحي الديانة. في ذات السياق، يقول مصطفى لـ"ألترا صوت": "سمي نفسك ما شئت، لكن الإيمان في قلوبنا وليس في أسمائنا". اعتنق المسيحية قبل 23 سنة ولم يغير اسمه، يعلق على هذا الموضوع: "ولدت مسلمًا لكنني لم أقتنع يومًا بالديانة الإسلامية، غيرتها دون تغيير اسمي فالاسم لا يؤثر لا في الحياة ولا علاقة له بالإيمان".
اقرأ/ي أيضًا: أقباط السودان.. تعايش حذر
لم يستطع مصطفى إخبار عائلته بتغيير ديانته، خوفًا من ردة فعلهم، يقول إنه "يمثل عينة من معتنقي المسيحية بالمغرب"، مؤكدًا في ذات الوقت أنه لا يتحدث كثيرًا حول الديانة داخل أسرته التي تتكون من زوجة وأبناء، مشيرًا إلى أن "ابنته ذات 14 سنة ترتدي الحجاب، وأن ابنه ذا الـ16 سنة يحفظ القرآن"، يبرر ذلك بأنه "يحاول أن يسود داخل الأسرة جو من السلام"، ويضيف: "لا أتحدث عن الإيمان أو ما أعتنقه أمام الأبناء أو زوجتي، فهذا شأن شخصي محض".
ينتمي مصطفى إلى تنسيقية المسيحيين بالمغرب، والتي أنشئت قبل ثلاثة أشهر فقط، رفض إخبارنا عن اسم عائلته، مشيرًا إلى أن "اسم العائلة ليس له وحده بل لأفراد العائلة كلها، لهذا لا يحق له الإفصاح عنه لكي لا يسبب لهم الإحراج، خاصة وأنه ينتمي إلى مدينة محافظة". يعتبر مصطفى أن المسيحيين المغاربة يعيشون "نوعًا من المعاناة"، بالرغم من تفاؤله بالمستقبل.
ويحكي لـ"ألترا صوت" أنه كمسيحي لا يستطيع الزواج على الطريقة المسيحية بالمغرب، أو حتى بشكل مدني، وهذا تقريبًا مطلب معظم المسيحيين المغاربة، حسب تأكيدات مصطفى، ويعلق على هذا الموضوع: "القوانين بالمغرب تلزم علينا الزواج على الطريقة الإسلامية بالرغم من أننا لسنا مسلمين، فإن تزوجنا بطريقة مختلفة سنواجه مشاكل قانونية أخرى، ولن يعترف القانون بزواجنا، وهذا الأمر من بين مطالبنا التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وسنحرص على ذلك".
تمامًا مثل مليكة، هي الأخرى اعتنقت الديانة المسيحية، تقول لـ"ألترا صوت": إنها "مغربية أبًا عن جد، لكنها اعتنقت المسيحية وتزوجت بمسيحي، لكن الزواج كان بالطريقة المتعارف عليها بالمغرب، "العدول" و"الفاتحة" و"الصداق" وغيرها من شروط الزواج الإسلامي".
لا يخبر أغلب المغاربة عائلاتهم في حال اعتناقهم المسيحية ويتجنبون الحديث عن الدين والمعتقدات
مليكة لم تعتبر نفسها متزوجة إلا بعدما سافرت إلى فرنسا، حيث عقدت قرانها للمرة الثانية على الطريقة المسيحية، حسب ما صرحت به لـ"ألترا صوت"، تقول لنا إنها "محظوظة لأنها تملك الإقامة في فرنسا التي تخول لها الزواج هناك، لكن الكثير من المسيحيين المغاربة لا يملكون جنسية أجنبية تسمح لهم بالزواج في الكنسية أو عقد الزواج المدني".
اقرأ/ي أيضًا: حكاية كنيسة وجامع
ثمة مطلب آخر عند المسيحيين المغاربة بعيدًا عن الزواج، وهو الدفن بمقبرتهم الخاصة، على غرار اليهود المغاربة الذين يتوفرون على مقبرة خاصة بهم، فكما شرح لنا مصطفى، الناطق باسم تنسيقية المسيحيين المغاربة: "هم لا يملكون أماكن للدفن أو مقبرة خاصة بهم وهم يدفنون أيضًا على الطريقة الإسلامية وداخل مقبرة لمعتنقي الديانة الإسلامية".
وقد اضطر مهدي إلى دفع أموال طائلة لدفن والديه بـ"سبتة"، رغم أن والده توفي في طنجة شمال المغرب، وكان ذلك ليحقق رغبة والده الأخيرة في الدفن داخل مقبرة مسيحية. يعلق مصطفى حول طلبات مسيحي المغرب: "الرغبات عديدة ومنها الزواج والدفن على الطريقة التي نشاء، لكن نحن نخشى أن تخلق هذه فتنة داخل المغرب، حينها نحن مستغنون عنها"، ويضيف: "الأهم سلامة واستقرار المغرب".
يذكر، أن العاهل المغربي محمد السادس كان قد صرح منذ فترة أنه "أمير لكل المؤمنين، على اختلاف ديانتهم". ويعلق مصطفى، الناطق باسم تنسيقية المسيحيين المغاربة: "هذا التصريح غير مسبوق، اعتبرناه إنصافًا لنا، إنه تصريح يكرس حقنا في الاعتقاد والاختلاف ويدعم مبدأ التعددية داخل الوطن الواحد والقبول بالآخر".
لا توجد أرقام رسمية تقدر عدد المسيحيين بالمغرب، حتى أن وسائل الإعلام لا تتطرق كثيرًا لهم ولمشاغلهم، هم تقريبًا يعيشون في الخفاء، بعيدًا عن الأضواء ودون أي اعتبار لمطالبهم وحاجياتهم.
اقرأ/ي أيضًا: