بالنسبة إلى المنظّرين السياسيين المؤيدين للسيسي، فإن مشكلة تأميم الجزيرتين لحساب "آل سعود" ليست في التنازل عن الأرض، وتراب مصر، كما يحلو القول لبعض العسكريين، إنما أن "إخراج الصفقة" لم يكن يليق بحجمها.
حاول النظام المصري في أمر الجزيرتين تصوير الأمر كـ"حدث عابر" خلال زيارة الملك سلمان، بضاعتهم ردّت إليهم، دون أي نقاش عام أو تجهيز الناس لذلك
حاول النظام تصوير الأمر كـ"حدث عابر" خلال زيارة الملك سلمان، بضاعتهم ردّت إليهم، دون توضيب الأرض للصفقة، أو تجهيز الجماهير لتحمّل فكرة التنازل عن قطعتين من أرض مصر، خاصة أن "السيسي" بنى شرعيته على فكرة الحفاظ على "كل شبر" من أرض مصر.
كان أحد أسباب عزله لـ"مرسي"، أنه أوشك على إتمام صفقة بيع سيناء لـ"حماس" وحلايب وشلاتين لـ"البشير"، ومحور قناة السويس لـ"الدوحة".. هكذا روّج "السيسي" ورجاله. إذن، عقيدته عدم التفريط في شبر واحد من أرض مصر، ولذلك انقلب عليه مؤيدوه، وأنصاره، حين شعروا أنه خان عهده معهم.. فأصبح رئيسًا بلا أنصار.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد هزيمة داعش؟
جمعة "الأرض هي العرض"
دعت مجموعات شبابية إلى العودة للتظاهر بعد فترة جمود طويلة، لرفض التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وأطلق نشطاء دعوات تحت شعار "الأرض هي العرض" للتظاهر الجمعة المقبل، والبعض الآخر أسماها "جمعة عواد باع أرضه".
لاقت الدعوة، التي سميّت "تمرد على عبد الفتاح السيسي وسحب الثقة منه من أجل مصر"، ترحيبًا كبيرًا في أوساط ثورية، وشعبية.. وهو ما دفع "السيسي" إلى دعوة ممثلين عن فئات الشعب للحوار حول الجزيرتين. فيما حدد النشطاء شوارع وميادين القاهرة والمحافظات للتظاهر السلمي، وعلى رأسها ميدان التحرير، رافعين شعار "مصر هتتباع لو محدش تحرك".
وكانت مجموعة "دعوات" انطلقت على فيسبوك وتويتر، حقَّقت نسبة مشاركة عالية تنديدًا بـ"بيع الجزيرتين"، وجمع توقيعات باسم "الرافضون" لرفض الصفقة، وفي أقل من 24 ساعة جمع 16 ألف توقيع من جاليات عدة دول عربية.
فيما ألقت قوات الأمن القبض على خمسة شباب في ميدان طلعت حرب بوسط القاهرة تظاهروا رفضًا لصفقة التنازل، وفي البحيرة، تمّ ضبط شابين في ميدان الساعة بدمنهور، بدعوى التظاهر.
الإعلام.. وعودة اللعبة القذرة
الإعلام يأخذ موقعًا ضد إرادة أغلب المصريين، الذين انقسموا فريقين، الأول لا يصدق أن الجزيرة سعودية من الأساس، والثاني يصدق أنها سعودية ويرفض ردّها.
تتبنى صحيفة اليوم السابع المصرية وجهة نظر مؤيدة للتنازل عن الجزيرتين، لدرجة وصف وضعها حين كانت تحت السيادة المصرية بـ"الاحتلال"، وهو ما سخرت منه وكالة "سبوتنيك" الروسية في تقرير بعنوان "فضيحة.. الإعلام المصري يدافع عن السعودية ويتهم بلاده باحتلال جزيرتي "تيران وصنافير". على الجانب الآخر، تتبنى صحيفة "المقال" لمالكها إبراهيم عيسى وجهة نظر معادية لـ"بيع الجزيرتين".
وفي الطريق، يستعين كل طرف بما لديه من وثائق ومعلومات وشهادات وحقائق تخدم موقفه. الصحف المعادية للصفقة، تستعين بوثائق من مكتبة برلين، وخرائط للقطر المصري، وسجلات مصرية، وتسجيل بصوت جمال عبد الناصر. بينما الصحف المؤيدة تنقل وجهة نظر فاروق الباز، وتوثق ما لديها برواية محمد حسنين هيكل في كتبه، ومقالات جمال حمدان ودراسة لمحمد البرادعي عن كون "تيران سعودية".
الغريب استشهاد صحف مؤيدة للنظام المصريّ حتى النخاع بدراسة "البرادعي"، التي قال فيها إن "تيران" سعودية محتلّة من قبل مصر، لكنه تراجع عن ذلك، وعلق عليه عبر حسابه الرسميّ على "تويتر": "ما ذكرته عام 1982 (تيران وصنافير تحت occupation بمفهوم الحيازة والسيطرة المصرية) منذ 1950 ولكن السعودية مازالت تدعي أنهما جزء من أراضيها"، وأضاف: "لم أتعرض لمسألة الملكية التي تحسم طبقًا للوقائع والوثائق التاريخية والاحتكام للقانون الدولي".
اقرأ/ي أيضًا: هل كان صدام حسين إسلاميا في أواخر حكمه؟
مناورة الفريق "شفيق"
يقف الفريق أحمد شفيق، وصيف رئيس الجمهورية الأسبق، على بركان غضب، خاصة أنه ممنوع من دخول مصر بـ"قرار سري"، ويتحيّن الفرصة لضرب "السيسي" أو التقليل منه. استغل "شفيق" غضبة الجماهير ضد "السيسي" بسبب "تيران وصنافير"، وأصدر بيانًا طرح فيه خمسة تساؤلات حول الوضع المصري حاليًا، مستبعدًا أن يكون ما يجري إلا "انفراد بالقرار وتلكؤ".
يتساءل "شفيق" في بيانه: "أين الوثيقة أو الوثائق التاريخية التي تشير إلى ملكية الجزيرتين سواء للمملكة أو لمصر؟ وأين الوثيقة التي فُوضت مصر بمقتضاها فى استخدام الجزيرتين؟ ما أسباب صدور هذا التفويض إن كان قد حدث؟ وهل انتهت الأسباب التي صدر التفويض من أجلها إن كان صحيحًا؟، وإذا كانت أسباب التفويض مازالت قائمة، فلماذا ينتهى الآن وبعد أكثر من مائة عام؟".
ويضيف: "هل هي نقص فى الخبرة وضعف الإدارة؟ هل هو الاختيار غير المناسب لمن يناط بهم معالجة الأزمات؟ هل التلكؤ والبطء في اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب؟". ويعلّق على ما جرى ويجري: "البعض يتفق مع ما تم فيما جرى من ترسيم للحدود لضم جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة السعودية، والبعض الآخر يرفض هذا الإجراء قطعيًا، وكان أجدر بنا أن يتم هذا الإجراء من خلال دراسات عميقة متخصصة، وبناء على نتائجها أسوة بما تم من إجراءات فى ترسيم حدود طابا".
سقطة "الخارجية" المصرية
فيما اعتبره البعض موقفًا غير موفق من وزارة الخارجية المصرية، وتزامنًا مع الحملة الشرسة من جانب السياسيين والنشطاء على بيع "تيران وصنافير"، كشفت وزارة الخارجية عن عدة وثائق وخرائط تم الاستناد إليها خلال المفاوضات، وحسب بيان "الخارجية" فإن الوثائق تتضمن "عددًا من المخاطبات الرسمية المصرية والسعودية والأمريكية حول ملف الجزيرتين وملكيتهما للسعودية واتفاق تعيين الحدود بين مصر وتركيا فى الأول من أكتوبر عام 1906، ومعلومات بشأن البرقية الموجهة من سفير الولايات المتحدة بالقاهرة إلى وزير الخارجية الأمريكي بتاريخ 30 يناير 1950 التي تشير إلى احتلال الحكومة المصرية لجزيرتي تيران وصنافير بموافقة الحكومة السعودية، وصورة خطابي وزير الخارجية السعودي إلى نظيره المصري في 14 سبتمبر 1988 و6 أغسطس 1989 حول الجزيرتين، والقرار الجمهوري رقم 27 لسنة 1990 بشأن نقاط الأساس المصرية على كل من البحر المتوسط والبحر الأحمر، والذي لم يعتبر الجزيرتين ضمن السيادة المصرية، وهو القرار الذي تم نشره بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 3 في 18 يناير 1990".
وأشارت الوزارة إلى أن الدراسات القانونية ترى أن تبعية الجزيرتين وفقًا لأحكام القانون الدولي هي للمملكة العربية السعودية، وذلك لأنه من الأمور الثابتة تاريخيًا أن السيادة على الجزيرتين كانت للسعودية لحين قيام مصر في ظروف المواجهة مع إسرائيل عام 1950 باحتلال الجزيرتين احتلالاً فعليًا بمباركة السعودية.
وقالت "الخارجية" إن عدم ممارسة السعودية لمظاهر السيادة قبل 1950 على جزيرتي "تيران" و"صنافير" يرجع نتيجة إلى عدم تواجدها الفعلي فيهما، وكذا عدم ممارسة هذه المظاهر بعد هذا التاريخ نتيجة احتلال مصر لهما وأن هذا لا ينفي تبعيتهما للسعودية.
اقرأ/ي أيضًا: