لم يكن تفجير كنيسة القديسين سوى العمل القذر الأخير لنظام مبارك. كان بمثابة تحرش إجرامي بسلام المجتمع المصري في محاولة لتفتيت التعايش، عبر بوابة القبط. قبل تفجير كنيسة القديسين 2011 تأسست ظاهرة التحرش بالنساء علنًا، في الشارع، وفي أماكن التوقيف والسجون، حيث لن يفرق النظام الأمني بين امراة ورجل، المهم أن تكون معارضًا أو معارضة كي يكون جسدك مباحًا للانتهاك من الدولة. توضحت ظاهرة التحرش بالنساء في عز ثورة مصر 2011، حيث أرسل الأمن المصري أعوانه للتحرش بالمتظاهرات، كانت الحجة أن الازدحام هو السبب.
إذا كانت نصف نساء مصر قد مررن بتجربة التحرش، فهذا يعني اغتيال للحرية نفسها
التحرش بالنساء، ليس قهرًا لهن ومحاولة لتحطيم نفسياتهن، بل هو قهر لأقربائهن الرجال، فإذا كانت نصف نساء مصر قد مررن بتجربة التحرش على ما تقول إحصاءات أخيرة، فهذا يعني محاولة للقضاء على حيوية وحركية شعب كامل، إنه اغتيال للحرية نفسها. إذا كانت حركية المرأة الناشطة جزءًا من حركية المجتمع المدني، فالتحرش بالنساء يعني الاعتداء على المجتمع المدني بكامله.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تقديم مكثف في الملف القبطي
سيبحث مخبرو الأمن عن أي فتاة ناشطة سافرة أو محجبة ويتحرشون بها، وستفرغ مجالات الحراك المدني من النساء شيئًا فشيئًا، وسيتم التعامل مع من تبقى بطرق مختلفة، أحدها الاعتقال، لكن سيتم جر الرجال إلى مسارب ومهالك التدين، أو التدين السياسي، وهنا سيكون كل الشباب الناشط ضحية جاهزة للاعتقال بحجة الإرهاب، وستتخذ تدابير استباقية ضد الإرهاب "المحتمل" أيضًا، فتعلن الأحكام العرفية، ويستولي العسكر على الشارع فعلًا لا مجازًا وحسب.
تفريغ الساحة المدنية من النساء سيكون له وجه من وجوه بدء حرب أهلية، لأن جزءًا من الناشطات من القبط، سيتوقفن أو يغادرن البلاد تحت وطأة الشعور بالنبذ من السلطة المستبدة، ذات الوجه المسلم، بمعظمها، الشباب القبط بدورهم سيشعرون بضيق الحياة بسبب تمدد المظاهر الدينية والتدين العشوائي وقمع السلطة، التي تحرص أن تعامل الناشطين القبط بطريقة تظهرهم كمنبوذين لأسباب تتعلق بخلفيتهم الدينية.
سيفجر النظام الأمني المجنون مزيدًا من الكنائس، وسيضيق على القبط، ويضع المجتمع المصري في مواجهتهم عبر اختلاق مشاكل معهم، كما فعل سابقًا، ستهاجم داعش قرى أو أحياء قبطية، ولن تتدخل الشرطة أو قوات الأمن، ببساطة لأن داعش هذه ليست سوى مجموعة من المجرمين بمظهر النينجا الملتحين، يتحركون بإيعاز من جهة ما ليست بعيدة عن السلطة.
داعش ليس سوى مجموعة من المجرمين، بمظهر النينجا الملتحين، يتحركون بإيعاز جهة غير بعيدة عن السلطة
كل ذلك سيكون دافعًا لمزيد من التحجب والتحجيب، ليس تحجيب رؤوس النساء فحسب، بل تحجيب الشارع المصري كله، بمنعه عن السياسة، عن التعبير السياسي، ومن ثم منع المصريين من جميع أنواع النشاط المدني المستقل، ومن جميع أنواع التعبير، إلا بموافقة الأمن، أو رعاية جهات حكومية.
اقرأ/ي أيضًا: معضلة أن تكون مسيحيًا في مصر
سينظر القبط إلى انتشار الحجاب المضطرد بعين القلق والخوف، على أنه اعلان حرب على السفور، السلطة ووسائل إعلامها ووعاظها سيدبون الصوت محذرين من تفشي الإسلام السياسي والفكر المغلق، وتراجع أعداد النساء السافرات، وتزايد أعداد النساء المنقبات، أو اللاجئات إلى اللباس الشرعي الفضفاض الأكثر ميلًا إلى السواد. هكذا سيدعو النظام المصري إلى تجديد الإسلام، وتخرج واعظاته للحديث عن تحرر المرأة.
المتدينون الذين هم نشطاء سياسيون سابقون ضحايا لقمع الأمن، وربما ضحايا اغتصاب، سيرحبون بتمدد الحجاب الشرعي وتراجع السفور ومشتقاته. إنها شبكة متضامنة من المجرمين والضحايا، من المتحرشين والمتحرش بهن والمغتصبين، شبكة من ضباط الأمن والإعلاميين ورجال الدين وقادة متلحفين بالخطاب الديني، إنهم كلهم شبكة واحدة تقول لنا جميعًا؛ مصر الثورة انتهت، وبدأت مصر "الجديدة".
يترحم كثير من المصريين على زمن مبارك، رغم أن عري السلطوية الفاضح مؤخرًا ليس سوى تركة ثقيلة من بقايا عهده.
اقرأ/ي أيضًا: