25-يوليو-2019

مصطفى الأعصر يضرب عن الطعام في المعتقل (فيسبوك)

عام ونصف العام، ولا يزال الصحفي المصري مصطفى الأعصر حبيس الزنزانة، دون دلائل واضحة على اتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة"، وبعيدًا عن محاكمة قانونية عادلة تنظر الاتهامات الموجهة إليه أو تنهي فترة الحبس الاحتياطي الطويلة، التي بدأها منذ شباط/فبراير 2018، بعد 14 يومًا من الإخفاء القسري في أحد مباني جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقًا).

دخل الصحفي المصري المعتقل مصطفى الأعصر إضرابًا عن الطعام بعد وفاة زميل زنزانته بسبب سوء المعاملة والإهمال الطبي

مصطفى الأعصر، وزميله داخل السجن مصطفى أحمد رمضان، أعلنا الإضراب المفتوح عن الطعام، رفضًا لسوء المعاملة والإهمال الطبي، بعد وفاة عمر عادل زميلهما في نفس الزنزانة والذي توفي في 22 من الشهر الجاري، داخل زنزانة تأديبية انفرادية كان من المفترض أن يظل فيها لعدة أيام.

اقرأ/ي أيضًا: بعد جولة من إخفائهما قسريًا.. ظهور الأعصر والبنا في نيابة أمن الدولة

مأساة الأعصر، ومطالبه، تعبر عن المئات من المعتقلين غيره، تلك المأساة التي يتجاوز فيها النظام العقاب باستخدام الحبس الاحتياطي دون محكمة، إلى أزمات أخرى من بينها التضييق على الأهالي في الزيارات، وسوء المعاملة داخل السجن وتردي الأوضاع المعيشية والإهمال الطبي، وتلك الأخيرة على وجه التحديد تتسبب بشكل دوري في القتل البطيء للعديد من المعتقلين والموقوفين والمحكوم عليهم داخل السجون. 

وكان من بين أبرز الذين لقوا حتفهم أثناء اعتقالهم بسبب تردي الوضع الصحي، والإهمال الطبي داخل السجون، الرئيس الأسبق محمد مرسي، الذي لم تستجب إدارة السجن ولم يستجب القضاء لطلبات أسرته المتكررة بوضعه تحت إشراف طبي ملائم، لينتهي الأمر بوفاته خلال إحدى جلسات محاكمته في 17 حزيران/يونيو الماضي. 

فيما كان عمر عادل -زميل مصطفى الأعصر- آخر ضحايا الإهمال، الذي تخشى أطراف في المعارضة على اختلافها وتنوعها، استخدامه، أي الإهمال الطبي، كوسيلة قتل بطيء للتخلص من المعتقلين، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة والحالات الحرجة من كبار السن وكذا الشباب.

"حاكموني لو كنت مذنبًا"

لم يكن مصطفى الأعصر إلا صحفيًا، أغلب اهتمامه بالفن والثقافة والأدب، مع مغازلة من بعيد للسياسة من باب الانشغال بالبلاد كحال جيله الذي انتفض في 25 كانون الثاني/يناير 2011.

وفي صباح الرابع من شباط/فبراير 2018، استقل مصطفى الأعصر بصحبة زميله في السكن، الصحفي حسن البنا، سيارة نقل جماعي نحو العمل، قبل أن توقفها الشرطة، وتصحب الأعصر والبنا نحو مكان مجهول.

بقيا 14 يومًا في الإخفاء القسري حتى أُعلن عن ظهورهما في مقر نيابة أمن الدولة، التي وجهت لهما تهمًا من بينها "نشر أخبار كاذبة". أودع الأعصر، رفقة مئات آخرين من المعتقلين، في سجن طرة، أشهر السجون المصرية. وعلى مدار عام وخمسة أشهر، يعاد تجديد الحبس الاحتياطي للأعصر، الذي قال في إحدى رسائله من داخل السجن: "إلى متى الانتظار؟ إلى متى نُعاقب على أخطاء لم نرتكبها؟ ببساطة: إن كنت مذنبًا، فحاكموني! أما الحبس الاحتياطي المفتوح فهو لعنة".

وأكدت عائلة الأعصر لـ"الترا صوت" أنه بدأ إضرابًا مفتوحًا عن الطعام من أربعة أيام، يشاركه فيه زميله في الزنزانة مصطفى أحمد. وأوضحت العائلة أن مطالب الأعصر "واضحة"، وهي: "إنهاء مدة الحبس الاحتياطي الطويلة والتي ليس لها أي سبب واضح، والحصول على رعاية صحية سليمة، وتعديل الأوضاع المعيشية السيئة داخل السجن، والتوقف عن سوء المعاملة التي يتلقاها المسجونين".

دخل الأعصر إضراب الطعام بسبب وفاة رفيق الزنزانة عمر عادل، رغم أن حالته الصحية والنفسية لا تسمح بالإضراب الكلي عن الطعام، كما أخبرت عائلته، "لكنه مُصرّ".

ودعت عائلة الصحفي المصري إلى التضامن ودعم مطالب الأعصر. وأطلق أصدقاؤه حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدعمه من خلال وسمي #الحرية_لمصطفى_الأعصر و#الصحافة_ليست_جريمة

كما أشارت العائلة إلى أن محامي الأعصر، أرسل عدة تليغرافات للجهات المعنية، على رأسها النيابة العامة، للإخبار ببدء الأعصر وزميله إضرابًا مفتوحًا عن الطعام.

أحوال السجون

وفاة عمر عادل كانت دافعًا أساسيًا لإعلان الأعصر الإضراب المفتوح عن الطعام. وبالرغم من الاختلاف الفكرية بين الاثنين، فقد زامل عمر عادل لمدة طويلة الأعصر، قبل أن يُنقل إلى زنزانة التأديب يوم الخميس الماضي، بالرغم من تحذير بعض زملائه بسبب معاناته من مشاكل صحية، لينتهى الأمر بوفاة عمر داخل زنزانة التأديب.

و"القتل البطيء" هو أحد أبرز سمات المعتقلات في مصر. وبسبب غياب المعلومات الرسمية، والتضييق على عمل الجمعيات الأهلية، لا تُصدر المراكز الحقوقية المصرية إحصائيات كاملة حول عدد الوفيات بين المسجونين سياسيًا وجنائيًا في أماكن الاحتجاز الرسمية، منذ الثالث من تموز/يوليو 2013.

وتنشر بعض المراكز إحصائيات حول حالات الوفاة وفقًا لما يتداول إعلاميًا، تكون عادة بسبب الإهمال الطبي وسوء المعاملة، إذ رصد مركز "عدالة للحقوق والحريات" نحو 19 حالة وفاة داخل السجون المصرية خلال النصف الأول من العام الجاري 2019، وبحالة عمر عادل يتصاعد العدد لـ20 حالة على الأقل. 

ورصدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، في تقرير أصدرته في أيار/مايو الماضي، نحو 763 حالة وفاة في المعتقلات ومراكز الاحتجاز الرسمية، خلال الفترة ما بين تموز/يوليو 2013 وأيار/مايو 2019، من بينها نحو 552 حالة توفيت بسبب الإهمال المطبي.

فيما رصد مركز عدالة للحقوق والحريات، 862 حالة تعرضت للإهمال الطبي في السجون والمعتقلات المصرية خلال الفترة ما بين عامي 2016 و2019، توفيت منها 80 حالة.

وليست المراكز والمؤسسات الحقوقية المستقلة وحدها التي رصدت أزمة القتل البطيء داخل السجون المصرية، كذلك فعل المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة رسمية تابعة للدولة المصرية، ففي تقرير سابق له، أبدى المجلس ملاحظات عديدة حول الأوضاع داخل مراكز الاحتجاز المصرية، وكان أبرزها تكدس المحتجزين في أقسام الشرطة بنحو ثلاثة أضعاف قدرتها الاستيعابية، بسبب التوسع الكبير في عمليات الحبس الاحتياطي.

وأشار التقرير كذلك إلى وقوع حالات وفاة بسبب التعذيب بشكل واضح، وحالات وفاة أخرى قال المجلس إن "البعض يقول إنها ترقى لحالات وفاة تحت التعذيب".

القتل البطيء بسبب الإهمال الطبي وسوء المعاملة، من أبرز سمات المعتقلات ومراكز الاحتجاز الرسمية في مصر

وفي ظل هذه الوضعية التي وصفها المجلس القومي لحقوق الإنسان بـ"البقع السوداء"، دخل مصطفى الأعصر إضرابه عن الطعام. ومن المقرر أن يبدأ أصدقاؤه وزملاؤه حملة تدوين عن قضيته تضامنًا معه، اليوم الخميس، في التاسعة مساءً بتوقيت القاهرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ملف خاص: الإخفاء القسري عربيًا.. جريمة عابرة للزمن

تفاصيل الحياة غير الآدمية.. شهادات حية من داخل سجون مصر