رجاء غرب وسفيان البالي
منذ تأسيسه سنة 1994، أصبح المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء أحد أكبر الأحداث الثقافية التي يشهدها المغرب. حيث تستقبل العاصمة الاقتصادية فعالياته كل شباط/فبراير من السنة، ويقصده المغاربة من كل جهات المملكة للحصول على زادهم الثقافي.
في معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب 2020 حضورٌ لكل مكونات الثقافة، حتى التي عادة ما تغيب عن العرض كالأدب الحسّاني
نسخة المعرض التي امتدت هذه السنة من 6 من شباط/ فبراير الجاري إلى 16 منه عرفت إقبالًا كبيرًا نرصد أهم ارتساماته في الأسطر المقبلة.
عين على العرض المتنوع
يبدو أن هناك اتفاقًا شبه عام على تنوع الكتب المعروضة بين أروقة صالون الدار البيضاء الدولي للكتاب والنشر، هذا ما تؤكده الارتسامات التي رصدناها من عين المكان. أولها ما صرّح به الصحفي أحمد موستاد لـ"ألترا صوت": "هناك عرض متنوع، وحضورٌ لكل مكونات الثقافة داخل المعرض، حتى التي عادة ما تغيب عن العرض كالأدب الحسّاني".
اقرأ/ي أيضًا: مشاهدات في معرض الدار البيضاء
"غير أن الغلبة لا تزال للرواية التجارية، التي تعرض بقوة وتجد رواجًا كبيرًا" يضيف موستاد، ما يحيلنا إلى نقطة مهمة كون هذا التنوع، وإن يكن ظاهرة تقوي مكانة الصالون كحدث ثقافي، فإنها ليست كاملة ولا زالت تشوبها نواقص.
نواقص تحكي عنها الصحفية وصال إدبلا في تصريحها لنا قائلة: "اصطحبت أختي الصغرى (12 سنة) لاقتناء كتب من المعرض ولم أجد منشورات تناسب فئتها العمرية، فهناك إما كتب لصغار السن أو للمراهقين".
فيما تضيف المتحدثة التي دأبت على زيارة المعرض بشكل سنوي، أن "هناك غيابًا لدور النشر الأجنبية في هذه الدورة مقارنة بالدورات السابقة". هذا الغياب يؤكده موستاد: "لم أعثر على أدب غير القادم من المناطق المعروفة من العالم، فلا وجود مثلًا لأدب شرق آسيا أو الدول الاسكندينافية".
فيما يرى عبد الغني أحمد، مندوب في دار المحروسة، أن "المعرض في العموم يمتاز هذه السنة بكثرة المعروضات من الأدب الجيد، سواء كان المترجم أو العربي". بالقابل يحيلنا من خلال حديثه على أن الإقبال هذه السنة الجماهيري ضعيف مقارنة بالتي سبقتها. يقول: "القدرة الشرائية للقارئ المغربي ضعيفة نظرًا لارتفاع أثمان الكتب حتى بعد الخصومات".
عائق الأسعار
"سأضرب لك مثلًا، رواية البريق سعرها 390 جنيهًا مصريًا، بالعملة المغربية 245 درهمًا، نحن نبيعها بـ 170 درهمًا ومع ذلك سعرها مرتفع على القارئ المغربي" يقول العارض المصري، مشيرًا إلى إشكال عليه شبه إجماع من الزوار المعرض هو: الأسعار المرتفعة للكتب.
ناشر مصري: القدرة الشرائية للقارئ المغربي ضعيفة نظرًا لارتفاع أثمان الكتب حتى بعد الخصومات
فيما يمثل الشباب أغلب زوار المعرض، طلابًا كانوا أو وظفين أو عاطلين عن العمل. فأسعارٌ كالتي سردها مندوب دار المحروسة، والتي تمثل متوسط الأسعار بالمعرض، تبقى عبئًا ثقيلًا على جيب القارئ المغربي. ثقل تؤكده وصال إدبلا بقولها: "كتب بـ 100 أو 120 أو 130 درهم هي أسعار مرتفعة، وميزانية ثقيلة جدًا لا تشجع القراءة في البلاد".
اقرأ/ي أيضًا: باعة الكتب المستعملة.. ذاكرة كتاب المغرب
"في تقديري ليس على الكتاب أن يكون متاحًا فقط للقراء، بل يجب التشجيع على القراءة" يقول الباحث السوسيولوجي مروان بن فارس، ثم يضيف أنه، وعلى عكس دول عربية أخرى، ليس هناك دعم لوزارة الثقافة المغربية للنشر، كما تغيب طبعات مخصصة للطلاب بأثمان مناسبة لهم إلا من بعض مراكز البحث التي تقدم منشوراتها كخدمة ولا غرض ربحي لها.
هناك مؤشر آخر بالنسبة لبن فارس هو أنه "على سبيل المثال، عرض رواق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتابًا بحثيًا حول حركة 20 فبراير، كان سعره السنة الماضية 300 درهم، وتم تخفيضه هذه السنة ليصل 180 درهمًا، ولا يزال السعر مرتفعًا بالنسبة للقارئ حتى بعد تخفيضه بـ 40 %". ويضيف: "تخيل معي شابًا يشتغل كأستاذ، أجرته الشهرية حوالي 5000 درهم، فكتاب بـ 200 أو 250 درهمًا يعادل 5 % من مدخوله الشهري. وبالتالي مشكل الأسعار لا يزال حاضرًا مع غياب التشجيع على القراءة".
في البحث عن الأكثر مبيعًا!
"كما باقي المعارض العربية، الإقبال الكبير يستهدف كتب الثقافة الشعبية؛ كتب الدين، الطبخ وحتى كتب الأطفال. فيما يبقى الأقل حظًا من الإقبال هو الكتاب القصصي والشعري"، يقول الكاتب المغربي عبد الرحيم الخصار.
بالمقابل، يلاحظ مروان بن فارس شيوعًا لثقافة الرواية على حساب الكتاب الفكري. وتؤكد ذلك الصحفية وصال إدبلا، وترصد إقبالًا على الرواية التجارية.
وتظل حصيلة المعرض من الكتب الأكثر مبيعًا دائما غير دقيقة، فوزارة الثقافة تقول إنها حريصة على تقديم أرقام ومعطيات في نهاية كل دورة حول الكتب الأكثر مبيعًا، وكل الإحصائيات حول أنشطة المعرض وأروقته.
أكّد الكاتب رشيد أيلال منع كتابه "صحيح البخاري نهاية أسطورة" من البيع في المعرض رغم أنه سُمح به في الأيام الأولى منه
الوزارة قالت في بيان سابق لها إن الدورة الحالية ستعرف مشاركة 703 من العارضين، منهم 267 عارضًا مباشرًا، و436 عارضًا غير مباشر، من المغرب والعالم العربي، والبلدان الأفريقية، والأوروبية، والأمريكية، والآسيوية، وسط توقعات بأن يتجاوز عدد العناوين المعروضة 100 ألف عنوان.
اقرأ/ي أيضًا: حصاد 2019 الثقافي بالمغرب.. حصيلة سنة مكرّرة
لطيفة مفتقر، مديرة المعرض الدولي للنشر والكتاب، قالت في تصريح خصّت به "الترا صوت" إن جميع دور النشر المشاركة في المعرض ملزمة بتقديم إحصائياتها الخاصة حول المبيعات من الكتاب في نهاية التظاهرة، لأنه يصعب عليها تقديم عدد محدد في نهاية كل يوم.
المتحدثة قالت إن وزارة الثقافة حريصة على تقديم أرقام إحصائية في نهاية كل دورة من خلال استمارة يتم توزيعها على العارضين ومن خلالها يتم التعرف على الكتب الأكثر مبيعًا، لكن يصعب عليها تقديم هذه الأرقام بشكل يومي خلال أيام التظاهرة بسبب عدم التزام دور النشر بتقديم المعطيات الكافية.
الكتاب المحظور مرغوب
مقابل ذلك تسعى الوزارة إلى مراقبة العناوين المعروضة في أروقة المعرض، وتمنع بشكل رسمي كل الكتب "الداعية إلى الكراهية أو المحرضة على العنف أو التي تشجع على التطرف"، الأمر الذي حصل مع كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة" للكاتب المغربي رشيد أيلال.
رشيد أيلال وفي حديثه معنا" أكّد فعلًا خبر منع كتابه من البيع في المعرض رغم أنه سُمح به في الأيام الأولى من التظاهرة، الأمر الذي تجنّبت مديرة المعرض الرد عليه عند سؤال الموقع.
"صحيح البخاري نهاية أسطورة" حقق نسبة مبيع كبيرة حسب تصريح صاحب الكتاب، الذي قال إن 470 نسخة من كتابة بيعت خلال الأربعة أيام الأولى، موزعة بين 4 دور نشر، هي "دار أبي رقراق" و"ورابطة كاتبات المغرب" و"اتحاد الناشرين التونسيين" و"دار التوحيدي".
صخب الأروقة وخفوت الندوات
على امتداد أيام المعرض، تظل الكثير من الأروقة فارغة لا تلفت انتباه أحد. وهي في الغالب أروقة مؤسسات أو تمثيليات دبلوماسية بعض الدول. ورغم أن هذا الأمر يتكرر في كل دورة، إلا أن هذه المؤسسات ما تزال لم تقتنع بعد بالامتناع عن المشاركة وترك المساحات الفسيحة التي تستولي عليها، كونها لا تدري ما تفعل بالمال الوفير الذي تتوفر عليه.
فيما تبقى وزارة الثقافة، الجهة المنظمة، متشبثة بموقف المتفرج غير المبالي، حارمة بموقفها ناشري الكتاب الثقافي، الذين يقدمون خدمات فعلية للكتاب والقراء معا، من مساحة أكبر للعرض والتفاعل مع القارئ والكاتب، خاصة أنها أخذت، هي الأخرى، تنشغل بضرورة احتضان القارئ ضمن حفلات توقيع بأروقتها.
محمد جليد المسؤول عن الصفحة الثقافية في جريدة "أخبار اليوم" المغربية فسر سبب عزوف المغاربة عن الأنشطة الثقافية الموازية لمعرض الكتاب، قائلًا إن أسباب هذه العزوف مختلف لكنها تتجلى في ثلاث نقط أساسية. الأولى تقع على عاتق وزارة الثقافة التي لا تبذل جهدًا كافيًا للتعريف بأنشطة المعرض، والثانية أن التلفزيون وهو الوسيط الذي يتعرف من خلاله المغاربة على الأحداث لا يبرمج برامج ثقافية حوارية وإعلانية التعريف بفقرات المعرض، أما بالنسبة للنقطة الثالثة فتتجلّى في تكرار المواضيع لا جديد فيها، وهي نفس المواضيع التي تطرح منذ دورات عديدة.
وأكد المتحدث أنه من بين أسباب العزوف على الأنشطة الثقافية هي الأمية المنتشرة في المجتمع، لكن لا بد من التنسيب في الحكم هنا، حيث هناك أنشطة استقطبت جمهورًا عريضًا، مثل اللقاء حول مذكرات عبد الرحمان اليوسفي نظرًا لمصداقية المشاركين فيها أو وجود انتظارات للقراء من بعض الكتب.
المهتمون بالشأن الثقافي تغيب عنهم قضايا الشباب، هذه الفئة التي لها إنتاجها الخاص ولغتها الخاصة وجب الالتفات إليها في القادم من دورات
بدوره يوافق الكاتب المغربي عبد الرحيم الخصار على أن بعض الندوات عرفت حضورًا مهمًا، ويرجع ذلك إلى طبيعة الضيف وطبيعة الموضوع المناقش، فيما يرى تخطي هذا العزوف الذي عرفته ندوات أخرى، رهين بمعالجتها للقضايا الأكثر راهنية والأكثر تداولًا.
اقرأ/ي أيضًا: المعرض المغاربي للكتاب بوجدة.. دورة ناجحة بمقاييس متفاوتة
"المهتمون بالشأن الثقافي تغيب عنهم قضايا الشباب، هذه الفئة التي لها إنتاجها الخاص ولغتها الخاصة وجب الالتفات إليها في القادم من دورات" يقول الخصار. كما يحدّد أمرًا ثانيًا هو وجوب الالتفات للمجتمع المدني، وإشراك الجمعيات العاملة في الميدان الثقافي في الندوات.
اقرأ/ي أيضًا: