ألترا صوت – فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
أماني فوزي حبشي مترجمة مصرية حاصلة على الدكتوراه في الأدب الإيطاليّ، من ترجماتها: "بندول فوكو" لأمبرتو إيكو، وثلاثية "الفسكونت المشطور"، و"البارون ساكن الأشجار"، و"فارص بلا وجود" لإيتالو كالفينو، و"أصوات المساء" لنتاليا جينزبورج، و"بلا دماء" لأليساندرو باريكو، و"صوت منفرد" لسوزانا تامارو، آخر ترجماتها "حيث تولد الريح" لنيكولا أتاديو.
- ما الذي جاء بكِ إلى عالم الكتب؟
كانت زيارتنا لمعرض الكتاب في مصر احتفالية سنوية، فيها يتعمد أبي أن يصحبنا جميعًا (أنا وأخوتي) ويبتاع لنا كتب الأطفال، والكبار أيضًا، وكان ذلك التجمع السنوي الممتع حول الكتاب هو أول علاقة لي بالكتاب في طفولتي، وبمتعة اقتناء الكتب. فتعرفت من خلال هذا العالم الساحر على أماكن بعيدة وشخصيات خيالية، وأيضًا عن حقائق عالم الإنسان والحيوان من خلال رؤيتي لصورتها والقراءة عنها. فأصبح الكتاب المدخل لتلك العوالم ومصدر التعلم لأشياء كثيرة بالنسبة لي. ومثل معظم الصغار في جيلي كانت المجلات (ميكي) وكتب المغامرات (المغامرون الخمسة) هي أول علاقة بالقراءة خارج الإطار المدرسي، بالإضافة إلى القصص العالمية المترجمة.
- ما هو الكتاب أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
يمكنني أن أغير السؤال قليلًا إلى "ما هي نوعية الكتب؟"، ربما. أعتقد أن الكتب التي أثّرت في حياتي هي الكتب التي غيرت مفاهيمي ومعتقداتي إلى حد كبير. هي الكتب التي وضعتني أمام تساؤلات عديدة حول كل المُسلمات التي كبرت معها والمفروضة علينا أيضًا في مجتمعاتنا. الكتب التي اصطحبتني في رحلات استكشافية لعوالم لم أكن أدري عنها الكثير، والتي تحدتني وصدمتني أيضًا، تحدت قناعاتي وصدمتني في مُثل اعتنقتها وصدقتها لفترات. أتذكر عندما درسنا "الأحمر والأسود" لستندال في المدرسة، والتساؤلات والمناقشات التي دارت في الفصل الدراسي. أحب أيضًا تلك النوعية من الكتب التي تنقل الواقع إلى أبعاد أخرى تخيلية، ربما يشطح فيها الكاتب بعيدًا إلى أماكن غرائبية، ومواقف عجيبة، أو تلك التي تحاول أن تتنبأ بالسلوك الإنساني في الأزمات. وأذكر من تلك النوعيات ثلاثية "أسلافنا" لإيتالو كالفينو و"العمى" لساراماغو و"مائة عام من العزلة لماركيز"، وما يشبهها. ولكن على صعيد آخر وبعيد عن الخيال وشطحاته تعلمت وأتعلم كثيرًا من الكتب التي تتناول التغيرات المجتمعية، والسياسية في حقب زمنية مختلفة، والتي من خلالها، وخاصة إذا كانت مكتوبة بتشويق وفن، نستطيع أن نتعرف على المسار الذي سرنا فيه حتى وصلنا إلى لحظتنا الحالية. وكتب السير الذاتية أيضًا، سواء بقلم كاتبها أو بقلم باحث اجتهد في العثور على خفايا الشخصية وتسربت أثناء الحكي أجزاء من حكايته هو أيضًا مثل كتاب إيمان مرسال الأخير "في أثر عنايات الزيات".
- من هو كاتبك المفضل ولماذا أصبح كذلك؟
ليس لدي كاتب واحد مفضل. ومن الترجمة تعلمت أن لكل كتاب خصوصيته، فأحيانًا يعجبني الكتاب جدًا وأبحث عن أعمال الكاتب الأخرى، ولا أجد نفسي مشدودة لها بالطريقة نفسها. ولكن كاتبي المفضل بصفة عامة هو كل من استطاع أن يمسك بدواخل النفس البشرية وتعامل معها عن قرب، وتعاطف مع ضعفاتها وساعدني على اكتشاف خباياها. أحبّ الكاتب الذي يحول الشخصيات العادية بالنسبة للكثيرين إلى شخصيات تستحق أن نتوقف أمامها، فنتعلم معه ألا نفترض مسبقًا ردود أفعال الأشخاص أو نتعامل مع مشاعر الآخرين كمُسلمات. أفضل الكاتب الذي يمنحني كتابًا أسهر معه، وأندمج مع شخصياته فلا أترك الكتاب إلا وقد عرفت ما آلت إليه وكيف انتهت حكايتها. والكاتب الحريص بل والمقتر في استخدام كلماته فيكون المكتوب لا غنى عنه، والوصف ضروري، وإذا لم أنتبه إليه أفقد جزءًا من حبكة الرواية. أحب الكاتب الذي يبدع فيما يكتب فيخلق تلك العوالم والتساؤلات التي لم تخطر على بالي من قبل فيدهشني. فنحن نحتاج الكتب أحيانًا لنهرب من الواقع، ولكن نحتاجها أيضًا لنتعلم كيف نعيشه.
- هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرأينه عادة؟
لا يحدث هذا بانتظام، ويعتمد الأمر على غرض القراءة. ففي حالة القراءة من أجل اختيار ترجمات جديدة، وهي بطبيعة عملي الجزء الأكبر من قراءاتي لا بد وأن أكتب ملخصًا وانطباعًا أيضًا عن الكتاب. أما في حالة القراءة للاستمتاع والمتابعة، فأكتب أحيانًا على غودريدز أو تويتر، وخاصة إذا وجدت أن الكتاب يستحق الإشادة ولفت الأنظار إليه. وأحرص، في حالة إذا ما لم يعجبني كتاب ما، أن أحتفظ بهذا الرأي لنفسي، لأنني أعلم، في نهاية الأمر، أن القراءة خبرة فردية، تعتمد على توقيت القراءة أحيانًا، وعلى مخزون القارئ وذائقته، فما لا يعجبني ربما أعجب غيري وأفاده، أو ربما أعجبني أنا في ظروف ولحظة زمنية أخرى. فهذا النوع من الملاحظات أفضل أن أحتفظ به لنفسي في العادة، بلا تدوين.
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
تغيرت كثيرًا سواء بسبب السفر أو بحكم العمل. فنحن الآن نتلقى الكتب كملفات البي دي أف لترجمتها، ولم يكن هذا هو الحال عندما بدأت الترجمة بالتأكيد. حيث كنا نترجم بالقلم من الكتب الورقية. ولكن الآن الأمر اختلف، وصعوبة العثور أيضًا على الكتب العربية حيث أعيش يجعلني أشتري ما أستطيعه أثناء الإجازات في مصر، ولكن اعتدت أيضًا القراءة من خلال جهاز كيندل، وهو بالنسبة لي اختراع محبب، حيث أحمل ما أريده من الكتب على هذا الجهاز الصغير واتنقل به في سفرياتي بالقطار أو بالطائرة وأقرأ كما أردت (أتذكر أن رباعية "مقبرة الكتب المنسية" لزافون قرأتها كلها بصفحاتها الكثيرة في رحلاتي بالقطار، وغيرها من الكتب الضخمة، عن طريق التابلت). ولكن هذا لا يغني عن الكتاب الورقي بالتأكيد، وبحكم الاعتياد والعشرة أفضله كثيرًا في الظروف المعتادة.
- حدثينا عن مكتبتك؟
الكتب واقتناؤها هي هواية عائلتي في الحقيقة، لذلك لدينا مكتبة تقريبًا في كل ركن من أركان المنزل، بل دفعتنا الغربة لاختراع أيضًا مكتبة استعارة للأصدقاء، بحيث يمكنهم قراءة الكتب العربية بسهولة. الغريب أن ابنتي ترفض قراءة الكتب الإلكترونية وتصر على شراء الكتب الورقية، ولكنها تتميز عنا بأنها يمكنها أن تتخلى عن الكتاب عندما تعرف أنها لن تعاود قراءته مرة أخرى وتستغني عنه. بالنسبة لي مكتبتي بها العديد من الروايات الإيطالية، والكثير جدًا من الروايات العربية، وتحتل المعاجم، التي لم أعد استخدمها كثيرًا لسهولة البحث عن طريق الإنترنت، أجزاء كثيرة منها. بينما في أجزاء أخرى من المنزل لدينا كل الدوريات والإصدارت الخاصة بدراسات الترجمة. وفي ركن من المكتبة لدينا أيضًا بعض كتب الأعمال الفنية التي تعرض لوحات المشاهير من الفنانين. ولكنني في مرحلة من العمر أحاول فيها أن أتعلم من ابنتي وأحاول التخلي، والعثور على منازل مناسبة لبعض الكتب، حيث لم يعد لدينا مكان يكفيها كلها، ولا مساحة لوضع المزيد من المكتبات. أما مكتبتي الإلكترونية فتحتوي الكثير من الكلاسيكيات العربية المتاحة على الإنترنت للقراءة والتي تنتظرني حين يتوفر الوقت لذلك.
- ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟
حاليًا أقرأ ثلاثة كتب في آن واحد: "على خط جرينتش" لشادي لويس وهو آخر ما كتب على ما أعتقد، وبما أني أنا أيضًا أعيش على الخط نفسه أجد الكتاب، بما فيه من وصف للحياة في إنجلترا ومؤسساتها والتعامل مع اللاجئين، مثيرًا للاهتمام. وأقرأ أيضًا "الغرق، حكايات القهر والونس" لحمور زيادة. وكتاب بالإنجليزية لريتشارد رور يتحدث فيه عن النصف الآخر من الحياة، حين نصبح أكثر تفهمًا للمختلفين عنا ونتعلم أن ننظر إلى الأمور بطريقة تتجاوز الثنائية الشهيرة للأبيض والأسود.
اقرأ/ي أيضًا: