ألترا صوت – فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
تحسين رزاق عزيز مترجم من العراق، من مواليد 1963، حاصل على الدكتوراه في اللغة الروسية، عمل بصفة أستاذ في جامعة بغداد. عمل مترجمًا تحريريًا وشفويًا في دوائر الدولة ومترجمًا مع الشركات الروسية. نشر أكثر من 30 بحثًا باللغة الروسية واللغة العربية في المجلات العلمية الروسية والعربية والعراقية. ترجم أكثر من 30 كتابًا في مجال اللسانيات ونظرية الترجمة والنقد الأدبي والرواية الروسية المعاصرة. حاصل على جائزة الشيخ حمد للترجمة فئة الإنجاز للعام 2018. حاصل على جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن اللغة الروسية للعام 2019. محكم علمي في العديد من المجلات العلمية اللسانية المحكمة في العراق والعالم العربي. عضو هيأة تحكيم جائزة "اقرأ روسيا" التي يقيمها معهد الترجمة بموسكو بدعم الوكالة الفيدرالية للصحافة والعلاقات العامة بروسيا.
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
أتيتُ إلى عالم الكتب من خلال المدرسة الابتدائية في قريتنا، إذ كانت مدرسة القرية تحتوي على خزانة فيها قصص للأطفال، وكان معلم اللغة العربية يطلعنا عليها، ثم يطلب منا في درس الإنشاء أنْ نلخص شيئًا مما قرأناه في البيت، واقترح أن أجمع الكتب من التلاميذ عندي في البيت ثم أجلبها إلى المدرسة، فقرأتُ تلك الكتب كلها على ضوء المصباح النفطي، وبعد أن أكملت الدراسة الابتدائية، تحتم عليَّ أن انتقل للدراسة المتوسطة في المدينة عند بيت أحد أعمامي، وفي المدينة اكتشفت جريدة "المزمار" للأطفال التي كانت تصدر آنذاك كل خميس، ومجلة الأطفال "مجلتي" التي تصدر مرتين في الشهر. فصارت تلك الأعداد، التي حرصتُ على اقتنائها، نواة لمكتبتي، التي حوت حينها مجموعة من إصدارات دار ثقافة الأطفال.
علمتني "مجلتي" و"المزمار" حب القراءة وفتحت آفاقًا كبيرة للمعرفة وكوَّنت لي أساسًا ثقافيًا متينًا، جعلني أقتني كل ما أشاهده من روايات ديكينز وأميل زولا ودستويفسكي وتولستوي، ومسرحيات توفيق الحكيم وروايات نجيب محفوظ وقصص يوسف إدريس وغسان كنفاني.
ومع انتقالي إلى الدراسة في كلية الآداب في جامعة بغداد اكتشفت مكتبات سوق السراي، وشارع المتنبي، ومكتبات شارع السعدون، ومكتبة مكنزي في شارع الرشيد التي كانت آنذاك كنوزًا فيها مختلف أنواع الكتب التراثية والحديثة بما فيها إصدارات "دار الشؤون الثقافية" الرائعة والرخيصة الثمن. إذ كان بإمكان الطلبة شراء الكتب من دون أن يحدث أي خلل في المصروف اليومي. وحدث في العام 1984 أن أوفد قسم اللغة الروسية في كلية الآداب آنذاك 15 طالبًا إلى موسكو لمدة شهرين وكنت أحدهم. حيث استطعنا هناك اقتناء نتاجات الأدباء الروس الكلاسيكيين والسوفيتيين باللغة الروسية وأنواع القواميس بأبخس الأثمان. وهكذا تعلقتُ بعالم الكتب.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
ربما يستطيع المرء أنْ يقول إنَّ كل كتاب يقرأه له تأثير عليه بشكل أو آخر. وقد يؤثر الكتاب على مسيرة حياة الإنسان، فمثلًا، تعرفي لأول مرة على الأدب الروسي، لا سيما نتاجات دوستويفسكي وتولستوي، ساهم في تغيير مسار حياتي وجعلني أدرس اللغة الروسية في كلية الآداب – جامعة بغداد، ومنذ ذلك الوقت ارتبطت حياتي بالترجمة. وأحببت قراءة كتب الأدب خاصة الرواية والشعر ولم أهتم آنذاك، مثلًا، بقراءة كتب اللسانيات (علم اللغة)، وحدث ذات مرة أثناء دراسة الدكتوراه أن أعطتني المشرفة على أطروحتي السيدة نتاليا فاختل كتاب "اللسانيات العامة" (تأليف: ف. إ. كودوخوف) وتحت تأثيره تعلقتُ باللسانيات وترجمت إلى اللغة العربية أكثر من عشرة كتب في مجال اللسانيات وأكثر من عشرين بحثًا.
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
يمكن أنْ أقول هناك مجموعة من الكتّاب المفضلين. ومن بينهم، في المقام الأول، نجيب محفوظ ودوستويفسكي. ومن خلال دوستويفسكي ولجتُ عالم الرواية الروسية، ربما بتأثير من تخصصي في اللغة الروسية. ولكنَّ اهتمامي اليوم منصب على الرواية المعاصرة. وصرتُ أتابع من بين الكتاب العرب المعاصرين نتاجات علاء الأسواني ويوسف زيدان وعلي بدر ومحسن الرملي وعبد الله البصيص، ومن الأدب المترجم هاروكي موراكامي وكازو إيشيغورو وخالد حسيني وكارلوس زافون وغيرهم. ومن الكتاب الروس يفغيني فودولازكين ولودميلا أوليتسكايا وغوزيل ياخينا. ولا بد من القول هنا أنَّ الأدب الروسي اليوم فيه نتاجات رائعة، وهي امتداد لمسيرة الأدباء الروس في القرن التاسع عشر وللأدب السوفييتي في القرن العشرين.
أما لماذا أصبحت أهتم بالأدب المعاصر، فأعتقد أننا أبناء عصرنا، وحتى نفهم عصرنا فهمًا جيدًا يجب أن نطلع على إشكالات العصر ومعاناة الإنسان في هذا العصر وهذا لا يمكن إلا من خلال الأدب، ولأنّ الرواية اليوم هي الجنس الأهم في الأدب العالمي عمومًا، فلا تكتمل لوحة العالم الفنية إلا من خلال الرواية.
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
أنا أقرأ من أجل الاستمتاع بالنص، فلا أكتب ملخصات لما أقرأه، ولكن أحيانًا أكتب ملاحظات من أجل الرجوع إليها أثناء كتابة البحوث. ولكني أهتم بالملخصات والملاحظات التي يكتبها الآخرون على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما أولئك الذين أثق بأذواقهم.
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
على الرغم من إمكانية الحصول في عصرنا على أي كتاب من خلال الإنترنيت، لكن يبقى الكتاب الورقي هو الخيار الأفضل. إنك عندما تريد الحصول على كتاب علمي تخصصي أو بحث أو دراسة تستطيع أن تقرأه بالصيغة الإلكترونية، بيد أنَّ الاستمتاع بالقراءة لا يحدث إلا مع الكتاب الورقي. وأرى أنَّ الصيغة الإلكترونية لا تمنح الشعور بالمتعة مثلما يمنحه الكتلب الورقي.
- حدّثنا عن مكتبتك؟
هذا السؤال يثير الحزن. قلتُ في الإجابة على السؤال الأول إنَّ "مجلتي" و"المزمار" علمتني حب القراءة. فكانت البداية هي مجموعة من كتب الأطفال، ثم أيام دراستي الجامعية تكونت لدي مكتبة رائعة تحتوي على كتب الأدب والنقد واللغة والشعر باللغتين العربية والروسية وقواميس اللغة العربية والروسية والإنجليزية. ولكن بعد فرض الحصار على العراق على إثر غزوه لدولة الكويت تردت الحالة المعاشية للعراقيين، وصار الناس يبيعون بعض ممتلكاتهم ليشتروا بها الخبز الذي يسد رمقهم ولم يعد الراتب يكفي فاضطررت أن أذهب كل يوم جمعة إلى شارع المتنبي لأبيع ما لدي من كتب وأحوّل ثمنها إلى خبز، وهكذا بعت أفضل ما عندي من الكتب، بما في ذلك المجموعة الكاملة لأعمال دوستويفسكي باللغة العربية، وإصدارات دار التقدم ودار رادوغا في موسكو. ثم شاءت الصدفة أن أعمل مترجمًا مع إحدى الشركات الروسية بعد توقيع العراق مذكرة التفاهم في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء لعام 1995، وهنا تحسنت حالتي فكان أول ما قمت به أن حاولت اقتناء ما فقدته من كتب وشراء كتب أخرى جديدة. وقد جلب لي أصدقائي الروس مجموعة من الكتب الأدبية. ولكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 ونشوب الحرب الطائفية: تركنا العراق ولم نعد إلى المنزل إلا بعد العام 2009 حيث وجدنا من بين الأشياء التي تعرضت للتلف جميع الكتب. ثم استطعت أن أكوِّن لي مجموعة جديدة من الكتب التي جلبت بعضًا منها من روسيا، واشتريت القسم الآخر من شارع المتنبي. أهم ما احتوته مكتبتي المتواضعة هي كتب اللسانيات، وعلم اللغة وكتب نظرية الترجمة والروايات والشعر وكتب النقد باللغتين العربية والروسية، ثم شاء القدر أن نترك العراق قبل سنة فتركت كل شيء. أما الآن في روسيا فكوّنت مكتبة صغيرة تحتوي على مجموعة من القواميس وكتب الرواية المعاصرة، أما لسد حاجتي من الكتب للبحث والدراسة فأعتمد على الكتاب الإلكتروني.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
حاليًا أقرأ باللغة العربية رواية "الشراع والعاصفة" لحنا مينه. وباللغة الروسة أقرأ كتاب "أخت الأربعة" وهو مجموعة مسرحيات قصيرة لكاتبي المفضل يفغيني فودولازكين، وأعمل على ترجمة رواية "ذهبُ العصيان" للكاتب الروسي المعاصر أليكسي إيفانوف.
اقرأ/ي أيضًا: