ألترا صوت – فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
حيدر الدرة طالب من العراق يدرس علم النفس. وإلى جانب ذلك يهتم بالسياسة والسينما، ويكتب المقالات، لا سيما في التحليل السينمائي.
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
لا أعرف بالضبط، متى أول مرة قرأت أصلًا، ولماذا! ومن دفعني أو شجعني! لا أتذكر ولا أتصور ثمة شخص، لكن أظن أن لنشأتي وسط عائلة متدينة تقتني العديد من الكتب الدينية دون أن تقرأ معظمها، حيث إن وجودها حسبما يخال لي ذا دلالة اجتماعية، أو إشهار نوع من الالتزام سواء للذات أو الغير أو المقدس، على أي حال أعتقد أن ذلك كان مهمًا بالنسبة لي، أتذكر كان ثمة بعض الكتب القديمة لدينا، كنت برفقة أختٍ تحب القراءة، متدينة بشكل كبير، لم تكن أعمارنا تؤهلنا أصلًا لذاك الالتزام الديني، ولا لتلك الطموحات بنصرة المقدس أو الدفاع عنه، ولكننا بالطبع لم نأبه، ففي تلك اللحظات الطفولية، المشوبة بمشاعر ساذجة وبريئة كانت هناك محفزات، هناك متعة، أن نتعرف، أن نعرف، أن نغادر كل ما للهامش، الهامش كمدينة أو حي، أو أفراد من عائلة عادية جدًا، القراءة كانت هي كنقطة ضوء، كفضاء موازٍ لفضائنا المنسي غير الجدير بالذكر. كل ذلك كان محفزًّا. أظنني لم أجب على السؤال بشكل واضح، وأظن أيضًا أن ثمة جوابًا في ما قلت.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
أن تقرأ هو أن تتماهى ولو جزئيًا مع ما تقرأ، القراءة فعل تواصلي كما الكتابة، في حالة الكتابة فالكاتب يريد أن يقول شيئًا لشخص آخر، يريد أن يؤثر في الغير، أن يتواصل معه، أن يخبره عن أمر ما، عند القراءة يكون الكاتب حقق غايته ونال مراده، على أقل تقدير مراده في أن يستقطبك أولًا، لا أن يؤثر فيك مرة واحدة، بالنسبة لي هناك العديد من الكتّاب الذين تمكّنوا من استقطابي إلى عالمهم في فترة ما، لكن ليس الجميع من ترك أثرًا طيبًا، إلا أن الأثر هو الأثر، عند الحديث عن أي كتاب هو الأكثر تأثيرًا، فأنا لا أتذكر ولا أعرف أي تأثير يجب أن أتحدث عنه، السيئ أم الجيد! فثمة كتّاب أود أن أوجه لهم كل كلمة مهينة، هؤلاء الذين يكتبون المرة تلو الاخرى نفس الهراء دون أن يشعروا بأدنى احترام لكيانهم أو كيان المتلقي، شلل من المنحرفين، يفضلون الرقص مع الخنازير على العيش كأناس عاديين، يعيشون ككائنات طفيلية، كتبهم هي من هذا النوع، طفيلية أيضًا.
لكن على الضفة الأخرى، فهناك ما يشبه النسمات، كتّاب محترفون يصوغون الأفكار بجمل وعبارات غاية في الجمال، يكتبون عادة شيئًا عندما نود التحدث عنه نجد أنفسنا أمام أمر معقد وكبير، فنكتفي بكلمة أحبك كما يقول مانغويل، طبعًا مانغويل يستحق أن أقول لمكتبته في الليل أحبك، كذلك العديد غيره، تاريخ المجانين والمجتمع السوي، منزل الأموات والإخوة الاعداء، كتب بلقزيز أو كوثراني او آلان دو بوتون أو فونك وجيل ليبوفيتسكي.. إلخ، هؤلاء الكتاب وتلك الكتب يرتبطون بروحية النسيم وعذوبته بشكل وثيق، ثمة رواية أحبها أيضًا، أتذكر منها اقتباسًا رائعًا مفاده: أن الكتاب الجيد هو هذا الكتاب الذي يجعلك تفكر بعد الانتهاء منه، بالاتصال بكاتبه لتخبره: هل يمكن أن نكون أصدقاء! طبعًا لا أود أن أكون صديقًا فعلًا لأي كاتب، المتخيل هو الأجمل دائمًا، لكن أذكر هذا الاقتباس لأنني كنت في معظم الأوقات التي انتهي فيها من كتاب ما، أرغب بقضاء وقت مع كاتبه، على الأقل كنوم من الاطمئنان..
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
أوه، إلى الآن ليس لدي كاتب مفضل، وصراحة في كل حياتي لا توجد أشياء مفضلة فعلًا، وبشكل مستمر، لا أعرف ما الخلل. توجد الكثير من الأشياء الرائعة، أيضًا أشياء لم نكتشفها بعد، أعتقد أن الأمر مبكر على ابتكار تفضيلات خاصة، هكذا أقول وأرجو أن يكون الأمر كذلك، فحتى في ما يخص أي شيء آخر، ليست لدي تفضيلات حقيقية، لا فلسفة مفضلة أو دين أو إله او تجربة أو حلم، ولا أماكن أتمنى زيارتها بشكل حقيقي عدا كل الأماكن المليئة بالطبيعة، لذلك أغبط كل إنسان لديه شيء يشعره بالانتماء لهذا العالم، بالحقيقة لست منفصلًا أو لا أشعر بالانتماء ولكنه انتماء خاوٍ وحزين جدًا، الكتاب والكتابة، لربما هما ما يؤرجحني بين الانفصال فعلًا والارتباط أحيانًا، لذلك وعند هذه النقطة أجد الاشخاص الذين ذكرتهم أعلاه هم كتاب رائعين بالنسبة لي، لكن هل هناك مُفضّل! لا أتصور ذلك ضروريًّا.
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
نعم أفعل ذلك عادة، أناقش بعض الكتب مع بعض الرفاق، تبدو مناقشة الكتاب أو الكتابة عنه مهمة، الصلاة لن تكون ذات معنى دون فهم، القراءة مثل الصلاة، بإمكان الجميع أن يقرأ، لكن أن يفهم فهذه درجة متقدمة، أو رتبة أخرى، لا أزعم إنني نلتها ولكن أرغب بها طبعًا.
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
علاقتي بالكتاب منذ البداية هي علاقة ضعيفة، قرأت في عمر مبكر، فكنت أستعين بالحاسوب، لعدم قدرتي على شراء الكتب الورقية، تكون مزاجي الخاص على هذا النحو، ربما بت أفضّل الكتاب الإلكتروني لسهولة الحصول عليه، السنوات الثلاث الاخيرة قبل هذه السنة كنت مهتمًا بشراء الكتب اللازمة والمهمة، لكن هذه السنة تقريبًا ابتعت الكثير من مكتبتي، احتفظ حاليًا بأكثر الكتب أهمية تقريبًا، تلك التي اسميها أطفالي، أرجو ألا أضطر لبيع أطفالي، وطبعًا فالجواب ليس هكذا، فيجب أن اقول: لا، لم يكن للكتاب الإلكتروني أثر حقيقي وإنما للواقع المزري كامل الأثر.
- حدّثنا عن مكتبتك؟
بالنسبة لبورخيس فالمكتبة هي الجنة! أعتقد هكذا قال ذات مرة، عن نفسي لا أعتبر المكتبة كذلك، لم تكن مكتبتي جنة أبدًا، القراءة شيء متعب فعلًا ولكنه في الوقت ذاته لذيذ أيضًا، أنشأت اول مكتبة سنة 2016، أما المكتبة الثانية فكانت في سنة 2018 كنت في كل مرة أنشئ بها مكتبة جديدة، أشعر ببهجة غامرة، العلاقة مع المكتبة هي علاقة خاصة جدًا، هل تشبه العلاقة بشيء آخر؟ لا أتصور أبدًا، حدث عدة مرات أن استيقظت ليلًا لمجرد أن أشك فجأة أن كتابًا معينًا لم أضعه في مكانه الصحيح بشكل صحيح، كأنني أخاف أن تنزعج بقية الكتب، أو لكوني أكره فعلًا أن تبقى مكتبتي فوضوية، ثمة وساوس، أعرف ذلك ولكن هذه الوساوس الوحيدة التي أحبها، أن استيقظ ليلًا لأطمئن على أطفالي، هل هم بخير! هل ثمة من تأخر منهم! مريض أو مبلول أو أحدهم اعتدى عليه بشكل ما! المكتبة هي مسؤولية كبيرة، متعبة ومميزة، معظم أطفالي لا يتشابهون، ثمة سيكولوجيون وفلاسفة وأدباء وشعراء ومتدينون ولاهوتيون وبيولوجيون واقتصاديون وأنثروبولوجيون وسياسيون وغيرهم، جميعهم يعيشون في وئام، حتى الجواسيس، ثمة جواسيس في كل مكتبة، مهمتهم أن تبقى المكتبة غير مستقرة، المكتبة المستقرة، هي مكتبة آيلة للسقوط والعفن، لكن وجود فوكو إلى جانب أفلاطون، أو نيتشه أو شوبنهاور إلى جانب هيغل، هايدغر إلى جانب هابرماس، سينيكا إلى جانب الرواقيين، ماركس قرب النبلاء والبرجوازيين، فرويد إلى جانب المثاليين، أن يجتمع هؤلاء في مكتبة صغيرة، لن يكون هناك أي استقرار، ولابد ألا يكون هناك أي استقرار، وهذا ما تبدو عليه مكتبتي، مليئة بكل شيء، لكنها لا تضم أي طفيلي.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
أقرأ الأنا والنحن: التحليل النفسي لإنسان ما بعد الحداثة لـ راينر فونك.
اقرأ/ي أيضًا: