ألترا صوت – فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
رشيد أغبارية شاعر وكاتب من فلسطين. صدر له كتابان: "الغريب في شارع صهيون" قصص قصيرة، و"حلم ليلة خوف" أشعار.
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
بعد أن أخرج جدّي والدي من الكتّاب بعد سنوات، حلمتْ جدّتي أنه سيصبح مدرّسًا فألحّت على إرجاعه، ورغم نبوغه إلا أن الفاقة والعوز انتصرا ليخرج مجددًا، أما أمّي فقد أخرجت بعد بضعة أشهر لتعود مساعدة سواء في أعمال المنزل أو في زراعة الأرض، ولحسن حظي أن ذكاءهما الفطري قد جعلمها يدركان تلك الفجوة في حياتهما، فقد كانا مستعدين لاقتطاع أي مبلغ من مدخول العائلة المتوسط مقابل الثقافة والكتب، وبما أنني كنت الابن الأصغر فقد ترعرعت في بيت يملك مكتبة كبيرة ومنوعة تجمعت عبر مقتنيات متنوعة تراكمت على المكتبة.
أحجمت في صغري عن المساس بها كنوع من الكسل عن القيام بعمل معقد مثل القراءة، ولكن لحسن حظي في جيل الثامنة أو التاسعة جذبني عنوان لكتاب مصري للجيب بعنوان "لغز اختفاء الخنفس" وكان مبتورًا حيث فقدت الصفحات الأخيرة، لربما شجعني صغر ذلك الكتاب المبتور على الاطلاع عليه، لأجد نفسي مشدوها داخل ذلك العالم العجيب من الحروف المرصوصة التي تدخلك إلى عوالم غريبة لا تشبه أبدا عيشة القرية الكسولة، مرّت سنوات عديدة قرأت خلالها مئات سلسلات الألغاز تلك حتى وجدت نسخة غير مبتورة للكتاب ولأعرف السر من وراء "اختفاء الخنفس"، التهمت خلالها معظم كتب مكتبتنا ولأنتقل إلى كتب الأصدقاء والمعارف.
- ما هو الكتاب أو الكتب الأكثر تأثيرا في حياتك؟
أعتقد أن هنالك كتابا لكل مرحلة، فـ"لغز اختفاء الخنفس" تأليف محمود سالم له معزة "الكتاب الأوّل" في الطفولة، "تاراس بولبا" لنيقولاي جوجول في مرحلة المراهقة، "الرحيل عند الغروب" لحنّا مينه في الجامعة، "ذاكرة للنسيان" في الشباب المبكر، "مائة عام من العزلة" عندما كنت في مرحلة كتابة رواية لم تنشر أبدًا، والكثير من الكتب الأخرى آخرها "كافكا على الشاطئ" لهاروكي موراكامي. لكن من غير العدل عدم ذكر كتاب هو بمثابة مرجع في عملي وقرأت الكثير من فصوله على مضض بداية في الدراسة الجامعة وبمتعة بعدها اسمه العربي "مقدمة في الخوارزميات".
- من هو كاتبك المفضل؟ ولماذا أصبح كذلك؟
لا أنكر أن هنالك نزعة في لاوعيي للتفاعل مع ما هو فلسطيني، بناء على ذلك لا بد لي أذكر أيضًا انبهاري الشديد بغسان كنفاني كاتبًا، وسياسيًا، ومقاومًا. أعجبت خصوصًا بقصصه القصيرة أذكر منها تحديدًا مجموعة "موت سرير رقم 12" ففيها تجد الفلسطيني المتشظي لتكتشف أطرافك المفقودة التي تكملك وتشرح ذلك التشوه في وجودك المسخ غريبًا عن وطنك.
أنا أميل أيضًا بشكل مفضوح للروايات، أذكر أيام الجامعة عندما مررت مصادفة بمكتبة في حرم الجامعة تحوي كتبًا بالعربية، قرأت كتابا لحنّا مينه - كاتبي المفضل عربيًا - بعنوان "الرحيل عند الغروب" أعجبني جدًا بعفويته وسلاسة كتابته، حيث أصابت الرواية نزعتي للكآبة لتمتزج بها وتعززها، التهمت بعدها الكثير من مؤلفاته التي كانت بمثابة شبّاك على عالم غريب معزول عنا تماما هنالك في العالم العربي أو في دول المحور الاشتراكي المنهار.
عالميًا سرقني ماركيز في قدرته على الخلق كما لو أنّه إله يعيد ابتكار عوالم بعيدة بشكل أكثر رومنسية من الأصل، خاصة في روايته الآسرة "مائة عام على العزلة".
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
أبدًا، حتى هذه اللحظة لا أذكر أني كتبت ولو مرة واحدة ملاحظات أو ملخصات لما أقرأ، كنت مقتنعًا تمامًا بأن ما لا أحفظه ليس مهمًا، وإن كان مهمًا فتتوجب عليّ إعادة قراءته حتى أذكره، لكنني الآن وبعد أن بدأت الذاكرة بخيانتي بوتيرة مرتفعة، أعتقد أن الوقت قد حان لتغيير الاستراتيجية، بشرط أساسي، هو المنع الشامل لأي ملاحظة أو خربشة على الكتاب نفسه تخدشه وتنقله بالنسبة لي إلى عالم الكتب المتهتكة.
- هل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
لقد تغيرت العلاقة جدًّا مع الكتب بسبب كل تلك التحولات الكثيفة في عالم التكنولوجيا، فالآلات لا تسمح لك اليوم بقضاء دقائق قليلة دون أن تومض لك أو تصفر أو تغني كي تعود إلى حضنها من جديد، تغيرت أيضًا قراءاتي التي صارت في أغلبها عبر الشاشات الصغيرة والكبيرة، وبرغم ازدياد بعدد الكلمات المقروءة إجمالًا إلا أن أغلبها مجرد غثاء إنترنتي لا يشبع من جوع ولا يلتصق في خلايا الذاكرة بتاتًا.
- حدثنا عن مكتبتك؟
ذكرت سابقًا مكتبة العائلة، التي من المحزن أنّ مآلها كان تقطيعها واستعمالها للتدفئة، بينما تفرقت الكتب أيدي سبأ، أمّا مجموعتي الشخصية من الكتب فهي حاليًا مبعثرة بين مكتبة بيتي في القرية، وبين مخزن بيتي الجديد بانتظار مكتبة تليق بها، كما أن حصة الأسد منها وجدت طريقها إلى مكاتب المعارف والأصدقاء، أغلبها بمحبة فأنا أكره أن يبقى الكتاب وحيدًا لفترة طويلة دون أن تداعبه يد بشرية، وبعضها مضى على مضض، وبعضها لا أزال آمل أن يعود يومًا ما.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
هنالك عدة كتب غير منتهية بدأت بها على التوازي – وأنا أكره ذلك جدًا – بدأت بها وانشغلت عن إنهائها، واحد مهني في موضوع الذكاء الاصطناعي، و"في قلبي أنثى عبرية" لخولة حمدي، و"الحديقة السرية" لفرانسيس هدسون.
اقرأ/ي أيضًا: