ألترا صوت – فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
صلاح بوسريف شاعر وناقد من المغرب. مواليد الدار البيضاء 1958. حائز على "جائزة المغرب للكتاب – فئة الشعر 2018". أصدر العديد من المجموعات الشعرية والدراسات النقدية. من أعماله الشعرية: فاكهة الليل (1994)، حامل المرآة (2006)، شهوات العاشق (2006)، رفات جلجامش (2017).
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
شغف القراءة والمعرفة والاكتشاف. منذ مرحلة التعليم الابتدائي، بدأتُ بقراءة قصص محمد عطية الأبرشي، وكانت بالنسبة لي العالم الخيالي الذي أخرجني من الواقع الذي كنت متمردًا عليه، بما فيه المدرسة، التي كانت مملة بالنسبة لي، تصورتها كسجن يأخذ مني طفولتي وحريتي. الخيال، كما سأعيه، فيما بعد، هو بديل عن الواقع، خصوصًا حين يكون واقعًا مهزومًا، ولا يشي بما نرغب فيه من حرية وانسياب.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
لاحقًا ستكون أعمال جبران خليل جبران، وطه حسين، بين أكثر الأعمال التي شدَّتْني إليها، وكنتُ أقرأها بإعجاب، وبدهشة خاصة. اللغة، إضافة إلى طبيعة الرؤية، والجُرأة في وضع الإصبع على الجراح، سواء في المجتمع، وفي سلوكات البشر، أو في الثقافة والمعرفة والنقد. لكن طه حسين، كان الأكثر تأثيرًا، سواء في توجيهي نحو قديم الشِّعر، أو نحو التاريخ، وقراءة كتب التراث، رغم ما واجهتُه من صعوبات في قراءة بعض هذه الكتب، التي صارت مألوفة عندي، بفضل هذا الرجل العظيم، الذي أضاء ظُلُمَتِي.
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
طه حسين، طبعًا، للأسباب التي ذكرتُها، وأيضًا كون الرجل كان موجودًا في كل مجالات المعرفة والحياة، فهو لم يكن أكاديميًا معزولًا عن قضايا المجتمع، بل كان موجودًا في الجامعة وفي المجتمع، وكان موجودًا في الصحافة والإعلام، وخاض حروبًا، دفاعًا عن فكره، وما آمن به من قضايا وأفكار. هذا من حيث النظر، أما شعريًا، فأبو تمام يبقى بالنسبة لي الشاعر الذي شغفتُ به، لأنه أحْدَثَ، وأنا بطبيعتي أميل إلى الإحداث، شعرًا ونظرًا، وأرى الشِّعر، هو الخلق والإبداع، لا التكرار والاستعادة.
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
لا أفتح كتابًا واحدًا، ألتزم بقراءته وحده، بل أفتح أكثر من كتاب، وأُخَصِّص في اليوم وقتًا لكل كتاب من هذه الكتب، حسب برنامج ألتزم به، لأنني قاريء نهاري، أعمل بالنهار وليس بالليل. الملاحظات، قد أكتبها في الكتاب نفسه، بقلم رصاص، أو على جذاذات، على شكل ملاحظات، وأسئلة، وبعض ما يكون مثيراً في الكتاب من أفكار وأسئلة، ولا ألخص على الورق، بل أذهب إلى إشكاليته، إذا كان في الكتاب إشكالية، وليس موضوعًا، والفرق كبير بين الاثنين، من حيث الأهمية.
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
استعملتُ الحاسوب، في الكتابة، وفي البحث، وفي الاطلاع على المواقع الإلكترونية، وغيرها من النوافذ الضرورية في جمع المعطيات والمعلومات، لكن الكتاب الورقي بقي عندي هو الأكثر أهمية. فأنا أزور المكتبات ثلاث مرات في الأسبوع، للاطلاع على الإصدارات الجديدة، واقتناء ما أحتاجه من كتب، وبيتي غابة كتب. لذلك فأنا كائن ورقي بامتياز، وعلاقتي بالكتاب، علاقة تجاسُد واتصال مباشر، والكتاب معي حيث أذهب، وحيث أكون، فهو مثل ما ألبسه من قمصان.
- حدّثنا عن مكتبتك؟
هي المكان الذي أحس فيه بالأمان، لأنها المكان الذي يُتيح لي المعرفة بكرمٍ، ويجعلني أملأ ما في نفسي من فراغات، في كل حقول المعرفة والفن والإبداع. مكتبة ليس فيها نظام، لأنها متموجة، بقدر ما أنظمها، أفسد نظامها، لأنني أحتاج نقل الكتب، في بيتي، من مكان إلى مكان، فأنا لا أشتغل في مكان واحد، ولا ألتزم بالبقاء في المكتب، مثلما أعمل في المقهى كثيرًا. في هذه المكتبة تجد التاريخ، الفلسفة، الفن، الشعر، العلوم الإنسانية، الدين، وكتب التراث الأساسية، والمعاجم القديمة والحديثة، وهي مكتبة تتراوح بين اللغتين العربية والفرنسية، بصورة خاصة. فيها كتب نادرة، وفيها كتب لم تعد موجودة ومتاحة، لأنها نفذت، وهي مكتبة تضمُّ عصور التاريخ كاملة، بحسب ما استطعتُ الوصول إليه منها.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
أقرأ أعمال ابن عربي، لأنني أشتغل عليه في أفق عمل شعري، مثلما فعلتُ مع جلال الدين الرومي في ديوان "ياااا هذا تكلم لأراك"، وأقرأ موسوعة الدكتور جواد علي "المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام". وبين هذا وذاك، فثمة دواوين وأعمال قد تدخل ضمن هذه القراءات، إذا ما كانت ضرورية ومُلِحّة، خصوصًا ما يتعلق بالفلسفة والشِّعر، فأنا لا أستقر على كتاب واحد، وهذا جشع لا زمني منذ زمن بعيد، وقد أفادني في توسيع رؤيتي ومعرفتي، بما في ذلك كتب الفن، وأنت تعرف أن الشِّعر اليوم، صار معرفة، ولم يبق مجرد وحي يوحى.
اقرأ/ي أيضًا: