ألترا صوت - فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
عبد المقصود عبد الكريم شاعر ومترجم مصري. ولد عام 1956. أصدر ثلاث مجموعات شعرية، هي: "أزدحم بالممالك" (1980)، "يهبط الحلم بصاحبه" (1993)، "للعبد ديار وراحلة" (2001). وترجم أكثر من 20 كتابًا، منها: "فانتازيا الغريزة" لـ د. ه. لورنس (1993)، و"الحكمة والجنون والحماقة" لديفيد روبرت لانج (1996)، و"جاك لاكان وإغواء التحليل النفسي" مجموعة من المؤلفين (1999)، و"إسطنبول: المدينة والذكريات" لأورهان باموق (2008).
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
إنها قصة طويلة، والسؤال صعب، يبدو وكأنك تسألني "ما الذي أتى بك إلى الحياة؟" أو "لماذا جئت إلى الحياة؟" أو "لماذا أحببت تلك المرأة دون غيرها؟" إنها هذا النوع من الأسئلة صعب. لكن عليَّ أن أحاول وأن أنخس ذاكرتي لتبوح بمخزونها، أو ببعضه. نشأت في بيت لا توجد به مكتبة، وربما لا يحتوي على أكثر من حفنة من الكتب، بعيدًا عن الكتب المدرسية. نشأت لأمي أمية وأب أمي، علمته أنا القراءة والكتاب. كان أبي، ذلك الرجل الأمي، حريصًا على تعليمنا جميعًا، وكان مشغولًا بالشأن العام، والشأن العام كان هناك معبر رئيسي عنه في ذلك الوقت من منتصف ستينيات القرن العشرين، أقصد محمد حسنين هيكل، وكان مقاله "بصراحة" أول علاقة منتظمة لي في القراءة، حيث كان أبي يحرص على أن أقرأ له من المقال من صحيفة الأهرام قبل أن يسمعه مرة أخرى في المساء من الراديو. أذكر بعد ذلك قراءة بعض الكتب المتناثرة، ولا أعرف لماذا أذكر تحديدًا سلسلة "أولادنا" التي كانت تصدر عن دار المعارف. مع دخول المرحلة الإعدادية، وتحديدًا في الصف الثاني الإعدادي، شدني الشعر، أسرني، سحرني، قل ما شئت، وبعدها كان لا بد أن تنشأ علاقة عشق بيني وبين الكتاب. وعندها بدأت في تجميع مكتبتي من مصروف ضئيل، كان قرشين في المرحلة الإعدادية، وخمسة قروش في المرحلة الثانوية، وأذكر في هذا الصدد أنني لم أشتر أي شيء في حياتي بالتقسيط أو بالآجل إلا الكتب. أذكر أنه كان في طريقي إلى مدرسة التوفيقية الثانوية بائع كتب قديمة يجلس عند سور مدرسة الراعي الصالح، وكنت أمر عليه بشكل شبه يومي لأشتري ما أجده من كتب، بعد أن عرفني الرجل معرفة جيدة، كان يعطيني الكتب حتى لو لم يكن معي ثمنها، وكنت أمر عليه كل يوم لأعطيه مصروفي حتى أسدد الثمن. في ذلك الوقت تعرفت على مجموعة من الأصدقاء، معظمهم الآن شعراء وكتاب معروفون، وكنا نتبادل الكتب، وفي ذلك الوقت لا أنسى الاشتراك في مكتبة خلوصي في شبرا، وهي مكتبة تابعة لدار الكتب، كنت أقرأ فيها وأستعير منها بموجب كارنيه، وكان هناك شرط وحيد، أن يكون هناك ضامن لا يقل راتبه الشهري عن عشرة جنيهات.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
من المؤكد أن من الصعب ذكر كتاب معين أو حتى مجموعة من الكتب، لكن هناك كتاب لا ينسى المرء تأثيرها، والتأثير هنا لا يرتبط بقيمة مطلقة، بقدر ما يرتبط بالمرحلة التي قرأ فيها المرء الكتاب، من هذه الكتب كتب ربما لا يستطيع المرء أن يقرأ منها في مرحلة تالية ولو عدة صفحات، وهنا أذكر على سبيل المثال: الله (العقاد)، أساطير الحب والجمال عند الإغريق (دريني خشبة)، رامبو: قصة شاعر متشرد (صدقي إسماعيل). ويأتي بعد ذلك افتتاني بديوان عبد الصبور، أحلام الفارس القديم، والمتنبي، وعلى محمود طه، وطرفة بن العبد، ديوان أحمد عبد المعطي حجازي كائنات مملكة الليل، وديوان الأخضر بن يوسف ومشاغله لسعدي يوسف، تبدو القائمة بلا نهاية. وهناك فئة أخرى من الكتب يبدو أنها لا تفقد قيمتها بالزمن ومنها على سبيل المثال: داغستان بلدي، رواية الدرويش والموت، الشعر والتجربة، ضرورة الفن، ثورة الشعر الحديث، الفلكلور في العهد القديم، ذئب البوادي (هرمان هسه)، الغريب، والطاعون لألبير كامي ... إلخ!
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
من الصعب أيضًا تحديد ذلك، ربما لم يكن لي كاتب مفضل لفترة طويلة، لكن عموما يمكن أن أذكر رسول حمزاتوف، وصلاح عبد الصبور ومحمد عفيفي مطر في مرحلة من عمري، وفي مرحلة مبكرة من الصبا عباس محمود العقاد، لكن عمومًا، أوه، كدت أنسى ألبير كامي الذي ربما توافقت روحي مع روحه وربما صبغ روحي بكآبته!
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
كنت أفعل ذلك لسنوات طويلة، وكانت لدي كشاكيل أسجل فيها ملاحظات عن كل كتاب أقرأه وعن محتواه، لكنني توقفت عن ذلك منذ سنوات، ربما منذ انخراطي في الترجمة بشكل احترافي!
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
تغيرت تمامًا، لعوامل كثيرة تزامنت مع دخول الكتاب الإلكتروني، من هذه العوامل أنني ابتعدْتُ عن مكتبتي الورقية جغرافيا، حيث توجد مكتبتي في عيادتي، وفي آخر بضع سنوات قل ترددي على العيادة، وكنت من قبل أذهب إليها بشكل شبه يومي. والعامل الثاني هو انخراطي في الترجمة والآن صرت أشترط وجود نسخة إلكترونية من الكتاب المعروض عليَّ ترجمته. لدي على اللابتوب مكتبة ضخمة ورجوعي إليها أسهل من رجوعي إلى الكتاب الورقي، وخاصة إذا كنت أبحث في الكتاب عن شيء محدد.
- حدّثنا عن مكتبتك؟
مكتبة بدأت تكوينها منذ كنت في المرحلة الإعدادية، مكتبة أدبية بالأساس، يغلب عليها الشعر بالطبع، مع بعض الكتب في مجال الطب النفسي وعلم النفس، وللأسف، أو حتى بدون أسف، لم يتم تحديثها بشكل كاف بعد توفر الكتاب الإلكتروني، ومعظم الكتب الجديدة هي الكتب التي أترجمها، والكتب التي تصلني بشكل أو آخر من الأصدقاء أو دور النشر.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
للأسف أنا من النوع الذي لا يجيد التركيز في أكثر من موضوع، في الفترة الحالية أترجم رواية الكاتبة الدنماركية كاترين إنجبرج، وكل ما أقرأه في هذه الحالة لا يخرج عما تتطلبه ترجمة الرواية، وأستعد لمراجعة كتاب بعنوان "البحث عن الوعي: مقاربة بيولوجية عصبية"، وهو كتاب ترجمته منذ سنوات وصدرت طبعته الأولى عن المركز القومي للترجمة منذ سنوات، وقد اتفقت مع إحدى دور النشر على إصدار طبعة ثانية منه.
اقرأ/ي أيضًا: