ألترا صوت – فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
عبيدة عامر صحفي ومترجم سوري، مهتم بالتاريخ الاجتماعي والسياسي لسوريا. صدر له في الترجمة: "نفط الدم" لـ ليف وينار، و"ما وراء الغرب العلماني" تحرير عقيل بلغرامي، و"القافلة: عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي" لـ توماس هيغهامر.
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
كان عالم الكتب هو العالم "البديل" عن عالم المنفى الذي ولدت ونشأت به، والإجابة الحاضرة على مسألته. كانت مكتبة والدي التي تشغل كل جدران غرفة الضيوف خليطًا من مكتبته الشخصية وما ورثه له جدي – المنفي في بلد آخر - فكانت صلة مباشرة وشخصية استبدلت صلة الدم المباشرة، وصارت مجال التلاقي الرمزي بعد أن أصبح التلاقي المادي ممنوعًا في "الوطن" وصعبا عبر الحدود. في الوقت نفسه، كانت المكتبة هي البديل عن الحارة، فبجانب حواجز اللهجة والغربة؛ كان بيت الطفولة مطلًا على شارع رئيسي لا يمكن النزول إليه، فصارت المكتبة هي "فضاء" الطفولة. بذلك، أظن أن علاقتي بالمكتبة، أو عالم الكتب كما يقول السؤال، هي أكبر من علاقتي بالكتب نفسها، فقد صرت أستأنس بوجودها وأتآلف معها وأرتاح لها، وإن لم أكن دومًا أتصفحها أو أخترق غمارها، وإن كان هذا الوجود هو الخطوة الصفر قبل الخطوة الأولى: فتح الكتاب.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
"القوقعة". قرأت مأساة مصطفى خليفة ثلاث مرات في فترات مختلفة، واحدة منها كانت بجلسة واحدة. لم تكن هذه المأساة بعيدة عنا شخصيًا، فقد كان نفينا من سوريا هو لنفس الأسباب التي أخذت خليفة للسجن. ولذا كانت "القوقعة"، قبل وبعد الثورة، إجابة ملحة وصادمة ومباشرة على أكثر أسئلتي الوجودية وأكبرها، بدءًا بسؤال المنفى وانتهاء بسؤال الشر. حين عدت بذاكرتي لأجيب هذا السؤال باحثا عن أكثر الكتب التي شكلتني وصرت أنظر للعالم والوجود من خلالها؛ اكتشفت أنها جميعا لا تبتعد كثيرًا عن "القوقعة"، مثل "1984" و"الساعة الخامسة والعشرون"، و"الإخوة كارامازوف"، و"العصفورية".
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
عطفًا على السؤال السابق، أظن أن علي عزت بيجوفيتش هو صاحب المكان الأثير في هذه المساحة، لأنه يعينني على العيش في هذا الوجود، سواء بنظريته الفكرية حول "الإسلام بين الشرق والغرب"، خصوصًا بخاتمته "التسليمية"، أو بتجربته الشخصية الكثيفة التي وضعها خواطر وأفكار في "هروبي إلى الحرية". بيجوفيتش، بلغته وأفكاره، لم يكن مجرد رافض للواقع والوجود واللحظة – مثل الانطباع الذي شعرته عند قراءتي المسيري وسيد قطب – يتركك معلقًا وغاضبًا وراغبًا بحرق العالم، بل يقدم مسارات فكرية وعملية تجريبية وواقعية، تعترف بالشر في هذا العالم، وتحاول تخفيفه والتخفف منه.
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
أتمنى، وبالمرات القليلة التي فعلت بها ذلك اكتشفت أن هذه العادة ذات ناتج كبير وملموس ومنهجي، لكنني أعترف أنني أكسل من ذلك مع الأسف.
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
بالطبع، وخصوصًا خلال السنوات الخمسة الأخيرة، بعد انتقالي من الأردن إلى تركيا. في الأردن، كنت قد بدأت مكتبة شخصية كانت تكبر شيئًا فشيئًا، لكن سفري اضطرني لترك قسم كبير منها، وفي تركيا غيرت سكني خمسة مرات حتى الآن، في كل مرة كانت الكتب تتحول بها لعبء كبير، عدا عن صعوبة تحصيل الكتب العربية هنا، مما دفعني إلى عالم الكتب الإلكترونية الأسرع والأخف والأسهل.
- حدّثنا عن مكتبتك؟
يمكنني اختصار علاقتي مع المكتبة بأن "الوطن هو المكان الذي تملك به مكتبة، أو قبرًا تزوره"، وأظن أنني سأعرف أنني أصبحت مستقرًا حين أملك هذه المكتبة الكبيرة التي أتمنى أن يكبر بها ابني كما كبرت في مكتبة شبيهة. مكتبتي المادية اليوم هي مكتبة مشتركة بيني وبين رفيقتي/ زوجتي ليلى، في خليط يشبه خليط مساراتنا الحياتية والفكرية، في طيف يمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فتجد علي شريعتي بجانب البوطي، واللفياثان بجانب محمد عمارة، وهي تكبر شيئًا فشيئًا لتذكرنا أننا كذلك نكبر عمرًا وتجربة، ونسير نحو الوطن/ المستقر.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
الكتاب الذي يأخذ معظم وقتي هذه الفترة هو كتاب "لا مستوطن ولا مواطن: صنع أقليات دائمة وتفكيكها" للبروفيسور محمود ممداني، لأنني أعمل على ترجمته التي آمل أن تنتهي قريبًا. يتحدث الكتاب عن العلاقة بين الدولة- الأمة والاستعمار وما بعد الاستعمار، وعلاقة ذلك بالأقليات والأكثريات. يخرج الكتاب عن التيار السائد، تاريخيًا وفكريًا، بشكل لافت وجميل، ففي حين أن السيرة الذاتية التقليدية للدولة- الأمة تحيل ولادتها للحظة "سلام" في صلح ويستفاليا؛ يرجع البروفيسور محمود ممداني لحظة الولادة إلى عكس ذلك تمامًا: إلى التطهير العرقي الذي مارسه ملوك قشتالة، داخل أراضيهم مع سعيهم لخلق التجانس بمحاكم التفتيش والإجبار على التحول الديني، وخارجها باكتشاف أمريكا وإبادات الهنود الحمر.
اقرأ/ي أيضًا: