ألترا صوت – فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
عبير عبد الواحد شاعرة ومترجمة سورية، مقيمة في اسطنبول. حائزة على إجازة في الآداب قسم اللغة الإنجليزية من جامعة دمشق. صدر لها في الترجمة "وجوه في الزحام" و"أناس مستقلون" عن دار المدى.
- ما الذي جاء بكِ إلى عالم الكتب؟
بطريقة ما صارت القراءة عندي رديفًا لعبارة "خُبْز أَمْ أصابع بيكاسو؟"، إنها العبارة الأولى التي أذكرها من عالمي المتصل بالقراءة، بالأحرى بوابتي الأولى إليها وأنا بنت سبع سنين. وكأنّ فكرة واحدة تكفي لكي تشحذَ خيالك وتأخذك إلى عالم الكتب الرحيب. أذكر أنني تأملتها مليًّا دونَ أن أفهمها تمامًا، ولكن بكل تأكيد كان فيها من السحر ما جعلها عالقة في ذهني حتى اليوم، وكان فيها من كيمياء الكلمات ما حملني إلى التفاعل معها وافتتاني بالبحث عن المزيد وقراءة أي شيء تقع عليه عيني. منذ زمن ليس ببعيد بحثتُ في الإنترنت عن لوحات لبيكاسو تحمل دلالة ذات صلة بالعبارة أعلاه دون أن أوفّق إلى أية نتيجة. كنتُ قد قرأتها في عدد من أعداد مجلة العربي التي اعتادَ أبي على تصفحها، أذكر أنني قلّبتُ صفحات العدد المتضمن هذه العبارة مرات لا حصر لها ولا عدّ. إلى جانب عناوين أخرى من بينها واحدًا عن الطيب صالح، وموسم الهجرة إلى الشمال، مع رسم كاريكاتوري مرفق للرجل. كانت هذه هي البدايات. عناوين على بساطتها المستغلقة كانت العتبة الأولى نحو عالم آخر مكتمل. ففي القراءة وحدها أدركتُ معنى أن تكون الحياة كاملة. لاحقًا، كان خالي عنوان رحلتي الثانية في عالم الكتب. لطالما تطلعتُ إلى مكتبته المكتظة بذهول وإكبار غامرين. كان دائم القراءة والتدخين وأحببتُ عالمه ذاك، لكن كتبه على كثرتها لم تكن مغرية لطفلة مثلي آنذاك، كانت عناوين صعبة وأغلفة باهتة، اكتفيتُ من مكتبته بأخذ الجزء الأول من كتاب طه حسين "الأيام"، وقد أعدتُ قراءته مرات كثيرة، إلى جانب كتابٍ آخر استحالت عليّ قراءته بالطبع لصعوبته وهو "مقدمة ابن خلدون" لكن العنوان كان يكفيني لأشعر أنني قرأته. في وقت لاحق تكاثرت قراءاتي وتنوعت إذ كنت أتبادل الكتب وأحاديثها مع بنات جيراننا الشغوفات بالقراءة. تعرفتُ في سن صغيرة إلى جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ "خمّارة القط الأسود" كانت أولى عناوينه بالنسبة لي، وغادة السمان، وفكتور هوجو "البؤساء"، وإحسان عبد القدوس وروايته "لا تطفئ الشمس" التي أغرتني بكتابة روايتي الخاصة التي ذهبت حينها أدراج الرياح (خيرًا فَعَلت!) لدى تراخي الحبكة الفظيع، وعوارض السأم. كانَ كل شيء بالنسبة لي فريسة سائغة للقراءة. لتتوالى فيما بعد العناوين وتتبدل القراءات باختلاف المراحل العمرية. في مكتبة الجامعة قرأتُ المعري، وبدر شاكر السياب (وكان أكثر من تأثرت بهم) إضافة إلى نزار قباني، كما تعرفت حينذاك على الآداب الأجنبية، بحكم دراستي للأدب الإنجليزي.
في وقتٍ من الأوقات اختفت القراءة من حياتي كأنها لم تكن! لتعود على نحو حثيث ومنتظم، وكانت رواية المتشائل لإيميل حبيبي هي الفاتحة.
- ما هو الكتاب أو الكتب الأكثر تأثيرًا في حياتكِ؟
كثيرة هي الكتب التي تؤثر بنا لا سبيل إلى حصرها، بل في حصرها إقصاء لأهمية غيرها، فإن رُمنا التأثير البلاغي مثلًا كان القرآن الكريم على رأسها، وما يليه من أمهات الكتب.. إلخ
وإن ابتغينا فائدة معينة أتعبنا التحديد، فالقراءة فعل تراكمي كما هو معروف، وليست مجرد وصفة طبيب. ولكني سأذكر رواية النفق (إرنستو ساباتو) مثالًا على آخر عمل أدبي تأثرتُ به، ورواية لله الأمر (أحمد كوروما)، وأناس مستقلون للآيسلندي هالدور لاكسنس، هذه الرواية تركت داخلي عظيم الأثر، وأعجبتُ بكفاح بطلها وَأَنَفته رغمَ ما به من تعنّتٍ وَجلافة، وقد دأبتُ على تسمية الملف طوال وقت الترجمة بِـ"سيزيف الآيسلندي".
- من هو كاتبكِ المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
لا أستطيع تسمية كاتب/ كتاب مفضل فالكتبُ كثيرة؛ إن ذكرت اسمًا غابت عنك أسماءٌ وأسماء. وفي العموم أميل غالبًا إلى قراءة الفلسفة والروايات، (أحبّ الأدب الياباني على وجه الخصوص)، ما تبقى من كتب وتخصصات أقرؤها بدافع التعلم والضرورة أو الفضول. ومن جهة أخرى أرى أن لكلّ كتاب هوية خاصة به. هناك مثلا كتاب للتعلم وهذا يستلزم منك التروّي والاستزادة والتدبّر مثل كتب الفلسفة وعلم النفس والتاريخ والسياسة واللسانيات والعلوم. وكتاب للمتعة والعيش معه وللسفر بعيدًا كالرواية، وما أكثر العناوين، من المفضلة لدي الغريب لـِ ألبيرتو كامو، عناقيد الغضب لشتاينبك، والذرة الرفيعة الحمراء لموّ يَان، وأعمال فرانز كافكا، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، والسباعي. في الحقيقة أسماء كثيرة تستهويني في الرواية: جوزيه ساراماغو، خوان خوسيه مياس، ستيفان زفايغ، إدواردو غاليانو، أومبيرتو إيكو، آندريه جيد، إيميلي نوثومب، كنوت هامسون، عبد الفتاح كيليطو، غوغول، توليستوي، تشيخوف، محمد شكري، ابراهيم الكوني، ربيع جابر، أمين معلوف، ياسوناري كاواباتا، يوكيو ميشيما، هاروكي موراكامي، غوستاف فلوبير، إدغار آلان بو، جورج أورويل، فيرجينيا وولف، بورخيس، دانيلو كيش، ماركيز، خوان رولفو، باتريك زوسكيند، محمد كامل حسين، وغسان كنفاني. وأعلمُ بأنه غاب عني الكثير. بالإضافة إلى إعجابي بروايات معاصرة لا سبيل إلى ذكرها الآن. وثمة كتاب تصطحبه معك للاستئناس به في تنقلاتك وأسفارك، وقد تعود به أحيانًا مثلما أخذته. وكتاب السرير أو مجموعة كتب تكوّمها على الطاولة إلى جانب سريرك لتتفاجأ بعددها بعد مضي أيّام. وكتبٌ لنزهة الروح وهي الأثيرة على قلبي هي كتب الشعر والقصائد. وكُتب القائمة المشتهاة الطويلة المؤجلة الحزينة، فالوقت مع الأسف لا يتسع لقراءة كل شيء.
وأخيرًا، من القراءات المختلفة والتي تأتيك دونما تخطيط هي القراءة والاطلاع من أجل الترجمة، هذا النوع من القراءة بالذات يرفدك بمعلومات وآفاق متنوعة غنية ما كنت لتبحث عنها لولا الترجمة، وحاجتك إلى فهم معنىً خفيّ أو تهيئة الهوامش.
- هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرئينه عادة؟
عموما لا أحب كتابة الملاحظات على الكتاب، ألجأ عادة إلى مفكرة ورقية، حيث أعنونُ الصفحة باسم الكتاب وتاريخ قراءته وما إلى هنالك من ملاحظات وملخصات. والأمر ذاته ينطبق على الحاسوب عندي ملفات بكل كتاب على حِدة مع ملخصاته وملاحظاته (إن وجِدت). وملف شامل يحتوي اقتباسات من كتب مختلفة.
- حدّثينا عن مكتبتك
مكتبتي لا ترتقي إلى تصنيف مكتبة، لربما لأنها محكومة بالسفر كمثلي، وأنا أسعى إلى تطويرها بالطبع، أفلحتُ في تجميع بعض العناوين، ومع ذلك الشعور بوجودها على قلّتها كفيل بمنحي الأمان والثقة. جوار الكتب مؤنسٌ ومُطمئِن. هناك على رف مكتبتي يصطف كتاب الحيوان بجزئيه للجاحظ وفقه اللغة للثعالبي وتهافت التهافت والدون كيخوتة ومانغويل ودوستويڤسكي وأمل دنقل وهمينغواي إلى جانب القواميس ومجموعة من الكتب المتخصصة في الترجمة، وطائفة من كتب الفلسفة والروايات العربية والأجنبية.
- هل تغيرت علاقاتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
أحبّ الكتب على اختلاف أشكالها لا مشكلة عندي مع الكتاب الإلكتروني على العكس تمامًا عندي مكتبة إلكترونية ضخمة على الموبايل واللابتوب أيضًا.
- ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟
كتابي الحالي التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور لمصطفى حجازي. ورواية الأبتر لممدوح عدوان.
اقرأ/ي أيضًا: