يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
محمد الأصفر روائي وكاتب من ليبيا من مواليد مدينة بنغازي عام 1960. من رواياته: "شكشوكة"، و"ملح"، و"شرمولة".
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
أشياء عجزتُ عن تحقيقها في الواقع، فأحببت أن أعيشها من خلال الكتب التي أقرؤها، فغالبًا عندما أقرأ كتابًا، أشعر أنني المؤلف، وأنني الشخصية المحورية فيه. أحيانًا أستمتع، وأحيانًا أخرى أموت. ما يقوله الكتاب قد أصدّقه، وقد أكذّبه كما أكذّب نفسي، عندما تهمس لي أن ثمة أملًا مضيئًا على الطريق.
أول شيء قرأته بعد أن أجدت القراءة وأنا في الصف الثاني الابتدائي، كان جريدة اسمها "الحقيقة". كنت مع أبي في حديقة سيدي حسين في بنغازي، وكان الطقس خريفيًا، فيه رياح خفيفة، حملتُ ملزمة الجريدة، لتصفع وجه وصدر أبي. أمسكها أبي وقال لي اقرأ لي ما فيها. قرأت له العناوين الرئيسية، كلها سياسة، وقرأت له أخبارًا فنية عن أم كلثوم، وفهد بلان، وسميرة توفيق. وعندما مرت عربة الآيس كريم، اشترى لي أبي الآيس كريم مكافأةً على قراءتي للجريدة، وطلب مني أن أعيد قراءة الخبر عن سميرة توفيق، ذات الوجه الذي فيه نقطة سوداء، ظننتها نقطة حبر، وحاولتُ أن أزيلها بإصبعي بعد أن بلّلته، لكن أبي نهرني، توقف ماذا تفعل؟ هذه من عند ربي.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
كتاب "الأم" لمكسيم غوركي، و"تقرير إلى غريكو" لنيكوس كازنتزاكيس، و"اسم الوردة" لإمبرتو إيكو، و"المجوس" لإبراهيم الكوني، و"السد" لمحمود المسعدي، و"الدون كيخوته" و"ألف ليلة وليلة" أيضًا، وكل كتب دوستويفسكي وتشيخوف وغوركي.
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
لا يوجد لدي كاتب مفضل، كلّ الكتاب، في كل العصور، أعتبرهم مفضلين لدي وأحترمهم.
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
عندما أكون مرتبطًا بعمل في الصحافة، أكتب ملخصات للكتب التي أقرأها، كي أكتب عنها، إن قبل المحرّرُ المُقترحَ، لكن وأنا عاطل عن العمل لا أكتب ملخصات عادةً، إلا أنه عندما أنتهي من الكتاب يكون قد تخزّن في ذاكرتي إلى الأبد، ويمكنني استدعاؤه إن أردتُ ذلك في أي وقت.
- هل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكترونيّ؟
نعم، كثير من الكتب أقرأها حاليًا إلكترونيًا، فالقراءة الإلكترونية أسرع من الورقية وأرخص ثمنًا، بعد أن صار الكتاب الورقي غاليًا، بسبب ظروف الحياة الحالية، وجشع الناشرين أيضًا. الكتاب الإلكتروني كتاب محترم جدًّا، لا يتعرّض للعبث مثلما يحدث مع الكتاب الورقي؛ لا أحد يمزّقه، أو يرميه في القمامة، أو ينظف بأوراقه القذارةَ، وليس له وزن ثقيل، ولا يتعرّض أيضًا للمراقبة في الجمارك، ولدى نقاط التفتيش في الدول الدكتاتورية، أعتقد أن مستقبل الكتاب الإلكتروني جيد ومشرق.
- حدّثنا عن مكتبتك؟
لدي عدة مكتبات. كل مكان أقيم فيه أُؤسس فيه مكتبة، وعندما أغادره أترك الكتب مكانها. في بنغازي لدي مكتبة كبيرة في بيت أمي، تضم عدة آلاف من الكتب، قبل أن أغادر وضعتها في أكياس بلاستيكية سوداء، وأقفلتها بلاصق، حتى لا تتعرض للبلل أو الرطوبة، وفي الخُمس، مدينة أخرى سكنتها، لدي مكتبة أصغر، قبل أن أغادر تركت فيها عدة مئات من الكتب، وضعها أقاربي في صناديق، وخزنوها لي في مكان أمين.
أثق أنني ذات يوم سأعود إلى كتبي، لذلك لم أتبرع بها أو أهديها، أو أبيعها، كلها كتب جيدة، وفي شتى مجالات المعرفة، تعبتُ كثيرًا في جمعها من معارض الكتب والمكتبات ومن الأصدقاء. قرأت معظمها، وبعضها لم أقرأه بعد، ووعدتها بالقراءة. والآن لا أرى الوطن سوى مجموعة كتب لي، تعيش في خطر، وتستحق لجوءًا ثقافيًا في إحدى مكتبات العالم الحر.
ليت اليونسكو تفعل ذلك، أو يتقلد أحد عشاق الكتب كألبرتو مانغويل رئاسة إحدى الدول الكبرى، ليصدر قرارًا يمنح كلّ الكتب المحاصرة حق اللجوء الثقافي، مثل الكتّاب والفنانين وغيرهما من أهل المعرفة والإبداع.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
"عدّوس السُّرى" وهي سيرة ذاتية لإبراهيم الكوني.
اقرأ/ي أيضًا: