الترا صوت- فريق التحرير
يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
مصطفى الولي كاتب من فلسطين، ولد في قرية بلد الشيخ بحيفا 1948. يكتب في الفكر السياسي وفي النقد الأدبي، وفي القصة القصيرة. لديه عشرة مؤلفات وعدد من المنشورات في الدوريات العربية والصحافة.
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
دخلت عالم الكتاب، وبصرف النظر عن قيمته الفكرية أو الثقافية، من مطرحين، الأول: تلك الكتيبات التجارية التي تحتوي على نصوص لرسائل حب، لكنها لم تفدني لأنني عندما احتجت لكتابة أول رسالة حب، كتبتها بإيقاع نبض القلب، ولم أنشئها وفق نموذج معد سلفا. وعلي الإشارة هنا، إلى أن المكتبة المدرسية المتواضعة، أفادتني في قراءة جزء صغير من كتاب ابن المقفع "كليلة ودمنة"، حيث كل يوم خميس كان المعلم يوزع علينا كتيبات لقراءتها في يوم العطلة الاسبوعية، على أن نعيدها معنا صباح السبت.
أما المطرح الثاني فجاء محمولًا على الهم الوطني، وصراعنا مع إسرائيل. فتناولت الكتاب الذي كان رائجا في مطلع الستينيات، لكاتب هندي مناهض لإسرائيل يدعى كارانجيا وعنوانه: "خنجر إسرائيل"، اقتنيت نسخة منه، فعنوانه يكفي لجذب الانتباه. واحتوى على معلومات وسيناريوهات جعلتني أدخل عالم الفكر السياسي السياسي من زاوية الصراع العربي الصهيوني، قبل أن أكتشف ترابط القضايا الوطنية والاجتماعية والقومية والطبقية والإنسانية، وقد وساعد على انتشاره في تلك الفترة، حرب حزيران 1967.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
لأن اهتماماتي متنوعة، وقراءاتي كذلك، فيصعب علي تحديد كتاب معين له التأثير الحاسم علي. ففي الفترات الأخيرة، أقصد منذ الثمانينيات، ذهبت نحو القراءات الأدبية والجمالية، بينما كان اهتمامي قبل ذلك ينصب على المؤلفات الساسية والنظرية. ودعني أشر إلى عدة كتب من أجناس مختلفة، تتصل بتنوع قراءاتي. وأبدأ بالفكر السياسي: "موسوعة د. إلياس شوفاني" حول الصراع العربي الصهيوني"إسرائيل في خمسين عاماً" والواقعة في ثلاثة أجزاء، و"الموجز في تاريخ فلسطين السياسي". في الفكر النظري كتاب "الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة" للمفكر السوري الراحل ياسين الحافظ، و"الأيديولوجيا العربية المعاصرة" و"العرب والفكر التاريخي" لعبدالله العروي. في علم الجمال كتاب "جماليات المكان" لغاستون باشلار بترجمة غالب هلسا. في الرواية، "البحث عن وليد مسعود" لجبرا ابراهيم جبرا، و"باب الشمس" لالياس خوري، وفي القصة القصيرة "النحنحات" للقاص السوري ابراهيم صيموئيل. وفي النقد "الاستشراق والامبريالية والثقافة" لادوارد سعيد.
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
حول كاتبي المفضل، أيضا لتعدد اهتماماتي، وبالتالي تنوع قراءاتي، لا أستطيع أن أحدد بالضبط كاتبا مفضلا لي، لكن إذا كان لا بد من ذلك، فأغامر بإعلاني عن جبرا ابراهيم جبرا، ذلك أنه متعدد الإنتاج الأدبي، من رواية ومذكرات ونقد أدبي وترجمات في الشعر والمسرح والفن التشكيلي.
- هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟
من عادتي أن أقرأ للاطلاع والتذوق والتمتع، هذا من جانب، أو لإعداد دراسة أو تأليف كتاب. في الحالة الأولى لا أقوم بتسجيل ملاحظات، يمكن فقط أن أنقل فقرات استهوت ذائقتي وأمتعتني، وأثبتها على الورق.
في الحالة الثانية، أعد بطاقات حسب منهجية البحث، لأدخلها في دراسة أو مؤلف ما، فالقراءة هنا لها وظيفة تفرض منهجية التعامل مع مضامين الكتب المرجعية اللازمة للبحث.
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
حول علاقتي بالكتاب الإلكتروني، مع الأسف، هي شبه غائبة، وذلك لسببين: الحنين الدائم للورق ومصادقته في القراءة، وارتباط القراءة بتقليب الورق، وصوت حفيفه بالأصابع، وصورة النص على الورق تبقى أقرب إلى أخذ مكانها في الذهن. وهناك أمر آخر، هو مكر التكنولوجيا، فأحيانًا لمسة خاطئة على أزرار الجهاز أو ملامسة الشاشة، تقلب كل شيء، وتربك المتابعة. ولأن الكهرباء، عندما كنت في الشام كانت تتدخل لتفتك بمزاجي وأنا مسترسل في قراءة نص ما، فانقطاع التيار الكهربائي، الذي يفاجئك في كل لحظة، يصنع حاجزًا عنيدًا وعاليًا بينك وبين القراءة الإلكترونية. حتى في البداية، كانت قدرتي على التكيف مع الكتابة على أزرار الكمبيوتر ضعيفة، إلى أن استطعت العمل بها. في الكتابة لديك تقنية الحفظ إن انقطعت الكهرباء لا يضيع الكثير.
- حدّثنا عن مكتبتك؟
مكتبتي- مكتباتي. فقدت الأولى سنة 1970، إثر أحداث أيلول في الأردن، وكانت أول مكتبة جمعتها بعناية، وكان شراء الكتاب، لا أقول أهم من الخبز، لكن بالتأكيد يعادله في القيمة المعنوية والروحية.
وفقدت الثانية في لبنان، بتأثير الاجتياح الإسرائيلي لصيدا وبيروت، كانت مكتبتي موزعة على مكانين: بيتي في صيدا القديمة، كانت كتبي تنام في خزائن بدائية من الطين والخشب الحنون، وفي مركز عملي في مدرسة التثقيف في شملان كان لي مكتبة تتعلق بمهامي في العمل، وبحاجاتي للإلمام بالخلفيات البعيدة للمواد التثقيفية التي نعطيها للكادرات المتدربة.
أما الثالثة، وهي الأعز على قلبي، والأكثر تأثيرًا على روحي ووجداني، ففقدتها مع بيتي في داريا، بريف دمشق، وأحيانًا أحدث نفسي: هل يفهم الجنود والميليشيات قيمتها العامة، ولا أريد الرهان على مشاعرهم تجاهي، وإحساسهم، خلال تقليب صفحات بعض الكتب، بما كانت تعنيه لي، بما فيها من تخطيط على بعض المقاطع، أو قصاصات مهمة وضعتها على مساحة بين صفحتين، لغرض يتعلق باهتمامي او ذائقتي. فأقول لنفسي ليتهم حفظوها لديهم، أو باعوها في أسواق التعفيش، لعلها ترجع لي ذات يوم ولو دفعت ثمن كل كتاب أضعافًا مضاعفة لثمنه الأساسي. لكنني أعود إلى طبيعتهم الجاهلة، ولعلها طبيعة حاقدة على الكلمة والفكر والثقافة، فأعرف أن حلمي باستعادتها محض أوهام. والأكيد أنهم أحرقوها ليتدفأوا على لهبها في الشتاء، أو أنها تطايرت مع سقف البيت وجدرانه عندما فجروه بالديناميت، ليصبح أثرًا بعد عين، ومصير بيوت الحي كافة لاقت ما لاقاه بيتي على يد القتلة الجهلة من عصابات سلطة الطغيان التي يقودها بشار الأسد.
- ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟
أقرأ اليوم كتاباً ورقيًا من تأليف الدكتور حسين شاويش، وعنوانه: "الرماد الثقيل- الطائفية، جذورًا ومصائر".
اقرأ/ي أيضًا:
مكتبة خالد بن صالح
مكتبة محسن القيشاوي
مكتبة دعد ديب