نشر الفنان السوري المعارض مكسيم خليل منشوراً على حسابه في موقع فيسبوك يحمل قدراً كبيراً من الأسى والتعبير عما انتاب أغلب السوريين المعارضين من مشاعر متناقضة حول فريق كرة القدم وصراعه للوصول إلى كأس العالم، وقد عاش أغلبهم حائراً أن ينصر منتخباً يحمل اسم الوطن لكنه يهتف باسم القائد الذي يعتبرونه مجرماً وقاتلاً، وأن يدعو لمقاطعته لأنه يمثل السلطة التي شردتهم.
احتار معظم المعارضين السوريين من نصر منتخب يحمل اسم بلادهم لكنه يهتف باسم القائد الذي يعتبرونه مجرماً وقاتلاً
كتب مكسيم خليل تحت عنوان "شيزوفرونيا في حضرة العارضة": "عنوان يحمل في جوانبه ذاك العبث الذي يتلاعب بِنَا تراجيدياً وكوميدياً بشقيها السوداوي والتهريجي.. قد يسخف البعض العنوان وقد يغضب البعض الآخر.. لكني لم أكن أتخيل يوماً أن حدث ارتطام كرة في عارضة سيجعلني أرتطم بعد سقوط حر دام سنوات.. أرتطم بين جدران ضمائر منها من مات ومنها مِن يعتقد أنه على قيد الحياة.. حدث ما كان لينقصني حتى يكتمل ذاك الانفصام".
اقرأ/ي أيضًا: لماذا لم نتعاطف مع المنتخب السوري؟
يسرح مكسيم خليل في ذكرياته بدمشق عندما يشجع البرازيل كأي حالم بفريق يحبه، وفجأة أمام امتحان كبير إنها سوريا، خطوة واحدة وتصير هي برازيله التي يشجعها، ولكن..
تبدأ الاعترافات الموجعة، يتابع مكسيم خليل: "ذاك الشرخ.. ذاك الجنون.. نعم أردتهم أن ينتصروا.. بكل سوريتي أردتهم أن يربحوا.. أردت سماع ذاك الهدير "سوريا.. سوريا" يعبر القارات بحنجرتي.. أردت لذلك الطفل العابر في تلك الشوارع أن ينتصر.. أردت للعائلة المتسمرة حول الشاشة أن تنتصر.. أردت لمن عاش سنوات من الفقر والخوف والذل أن ينتصر..".
ولكنها معاناة وعذاب من خرج مطروداً من وطنه، ومن يخشى أن يفرح لأن هناك محزونون ودماء تسيل، ومشردون لا يجدون سماء تحتويهم.. لذلك موجة أخرى تهب على تلك الرغبة بالنصر: "ولذا أعترف أنني خفت هذا الفوز.. نعم خفت أن يربحوا.. فتفرح دمشق على أحزان وركام دير الزُّور وإدلب وكل المدن السورية المنكوبة.. مدينة مدينة.. خفت أن يربحوا فيفرح أولائك الذين نسوا زكي كورديللو وعدنان الزراعي وكل المغيبين قسرًا من فنانين ورياضيين وغيرهم ممن شاركتهم دمي وجيناتي وتاريخي..".
اقرأ/ي أيضًا: أسماء الأسد.. "سيدة الجحيم الأولى" التي خدعت العالم الغربي
يرفض السوريون المعارضون هتافات بعض مشجعي منتخب بلادهم ممن يرون أن أي فوز هو من منجزات الأسد الذي يجب أن يقدم له الشكر
أيضاً هناك الرفض الكبير لهتافات من هم في عداد المنتخب ومشجعيه ممن يرون أنه من منجزات القائد الذي يجب أن يقدم له الشكر: "خفت "الشكر والشكور" لراعٍ لم يعرف من الرعاية سوى العصى.. خفت الامتنان المتأصل في الجينات.. القادم من فراغ العبث والمنتقل بعدوى الخوف.. فيحملنا إلى ذاك السرداب الظالم الذي طالما اعتقلنا وفرقنا واستغل أي انتصار ليحوله لنصر إلهي فصل بمقاساتنا، ويعيدنا للصفر..".
ثم يأتي الاختصار الكبير لهذا الفصام السوري اللعين، ينهي مكسيم خليل مأساة روحه المقسومة على اثنين وألف ومليون أمنية وعكسها: "لم أتمن الفرح لسوريين تمنوا الموت لسوريين آخرين وزرعوا مدنهم بطاطا.. لم أودّ أن تؤرق هتافاتهم المترافقة بالألقاب والكنى.. تلك المقابر الجماعية وأرواح مئات الآلاف من أهلي في كل بقع وطن بات أهله يشجعون منتخبه من الغربة.. فدمي سوري.. دمي سوري.. دمي سوري..لأجل سوريتي أردت لهم الفوز.. لأجل سوريتي أردت لهم الهزيمة.. فاعذروا خيانتي أيها "السوريتين").
اقرأ/ي أيضًا:
الانقلاب الفاشل وسوريا.. إرهاصات الأزمة غير المسبوقة بين أنقرة وواشنطن