من لم يشاهد بعد مقاطع فيديو مصورة على السوشال ميديا لما يعرف برياضة الباور سلاب (power slap) فسوف يفاجأ حين تطالعه هذه المشاهد ويتساءل عما يحصل أمامه حقًا.
قد يتساءل المرء عما إن كانت هذه لعبة أو تحديًا عبر تيكتوك أم أنها تعد ضمن أنواع الرياضة كما يعتبرها مؤسسوها في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسهم لاعب الفنون القتالية دانا وايت الذي حصل على ترخيص من لجنة ولاية نيفادا الرياضية في الولايات المتحدة الأمريكية لتنظيم مباريات دوري الباور سلاب في العام 2022، وها هي اللعبة تزداد شهرتها ويزداد عدد متابعيها وتوضع لها القوانين. فما هي هذه اللعبة؟ وهل يمكن اعتبارها نوعًا من أنواع الرياضة؟
قوانين اللعبة
مؤسس اللعبة دانا وايت يشير بالقول إلى أنه يطمح لجعل اللعبة عالمية، ولذلك فهو يعمل على تطويرها من ناحية التحكيم والقوانين وتدريب اللاعبين الجدد، لا سيما وأن اللعبة لم تنطلق إلا عام 2022 فقط.
ومن القوانين المطروحة، الإلزام بوضع حماية للأسنان وحماية للأذن وتحديد مكان الصفعة بدقة مع وجود إنذارات للاعبين، ويضاف إلى ذلك تقسيم المنافسات لفئات تبعًا للوزن.
تقوم لعبة باور سلاب على تبادل الصفعات بين لاعبين اثنين، من دون حماية الرأس ولا القدرة على تجنب الصفعة أو التخفيف من قوتها.
تتألف اللعبة من لاعبين: الصافع والمدافع، ويحدد اللاعب الصافِع بواسطة رمي قطعة معدنية من النقود، إذ يختار كل لاعب وجهًا من القطعة النقدية.
كل مباراة تتألف من 3 إلى 5 جولات، ويكون أمام الصافع 30 ثانية لصفع المدافع، في حين يمهل الحكم المدافع مدة 10 ثوانٍ من أجل الوقوف على قدميه ومتابعة المنافسة وإلا اعتبره خاسرًا.
اللعبة مخصصة للرجال والنساء على حد سواء، وتقتضي المنافسة أن يقوم اللاعب الأول بصفع اللاعب الثاني صفعة بكف يده على الوجه مع عدم إمكانية الثاني من الدفاع عن النفس أو تحريك جسده بشكل يخفف من حدة الصفعة. يقف اللاعب المدافع شابكًا يديه خلف ظهره، فيما يباشر اللاعب الذي يقف مباشرة أمامه بصفعه على وجهه بأقصى قوة ممكنة. ويجب أن تكون يد الصافع مفتوحة بأكملها على وضعية الكف، كما يجب ألا تكون الصفعة فوق العين أو تحت الذقن. وفي نهاية المباراة يحدد الحكم الفائز.
جدل في موطن ابتكار اللعبة
تظهر مقاطع الفيديو كيفية انهيار اللاعبين بعد تلقيهم الصفعة، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى أخلاقية هذه اللعبة التي تحصل على عدد هائل من المشاهدات، خاصة داخل الولايات المتحدة وخارجها (16 مليون متابع للبطولة على قناتها في يوتيوب)، ناهيك عن قدرة اللعبة على تحقيق الأرباح، ودور المال في عالم الرياضة الذي تحكمه المراهنات والأموال والإعلام، إذ تعرض مباريات باور سلاب على قناة TBS المملوكة من قبل Warner Bros.
هكذا، تضاف هذه اللعبة إلى سابقاتها من المصارعة الحرة ومصارعة القفص والملاكمة التي لا زالت تحوم حولها إشكاليات وتساؤلات من قبل العديد من الناشطين الحقوقيين من دون إكتراث من مروجي ومنظمي هذه الألعاب.
يشير وايت إلى أن أفضل مباراة أجريت حتى الآن استمرت لمدة 27 جولة. إذ تقسم كل مباراة إلى ثلاث جولات وتوضع بودرة الطباشير على كفوف اللاعبين ورؤوسهم من أجل إضفاء لمسة درامية على الصفعة عندما يتناثر غبار الطباشير مع كل صفعة. كما أن الطباشير تساعد الحكم، إذ تساعد على تحديد مكان الصفعة على الوجه وتحديد قانونيتها وعدم انتهاكها لقوانين اللعبة.
أما ما يحقق انتشارًا واسعًا، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي مقاطع الفيديو التي تعرض أجزاء بالتصوير البطيء والمقرب للصفعات التي يتلقاها المتبارون، ليرى المشاهد تفاصيل الصفعات، من لحظة ملامسة الكف للوجه وتناثر غبار الطباشير، ثم ارتجاج أجزاء الوجه، وانهيار اللاعب المصفوع، ومن هنا يصف دانا وايت اللعبة على أنها عرض (show).
لكن وايت يرد على منتقدي اللعبة ساخرًا فيقول "إذا لم تعجبك فلا تشاهدها! لا أحد يطلب منك مشاهدتها"، ويضيف "إذا كنت تشعر بالقرف منها فبإمكانك مشاهدة حلقات ذا فويس".
كما صرح وايت عقب انتهاء إحدى المباريات بالقول: "إنني أصبح مختلًا عندما يتعلق الأمر بالعروض المباشرة والعروض التلفزيونية، لذلك أبذل جهدي لنجاح اللعبة، والعروض لاقت نجاحًا كبيرًا".
أما فيما يخص المكافآت المالية، فاللاعب يتقاضى ما مقداره 2000 دولار عن كل صفعة، إضافة إلى 2000 دولار في حال الفوز بالمباراة. أثارت هذه الأرقام إلى انتقادات واسعة، إذ يقارن الكثيرون بين حجم المال المدفوع مقارنة بالضرر الحاصل، لا سيما وأن المقاطع المصورة تحقق ملايين المشاهدات على منصات التواصل الاجتماعي التي تحقق أرباحًا كبيرة كلما ارتفعت نسبة المشاهدات.
ترفيه أم قتل بطيء؟
يشير أطباء إلى أن الضرب على الرأس يؤدي إلى ارتجاج في الدماغ على المدى الطويل وإلى الصداع وفقدان الذاكرة وضياع التركيز وارتباك الدماغ وتراجع الإدراك وكسر العظام وضرر في الرؤية والسمع وكذلك إلى أضرار في الصحة العقلية منها اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق. فإصابات الرأس المتكررة على سبيل المثال في رياضة الملاكمة تؤدي إلى إصابة الخلايا العصبية، ويحتمل نتيجة لذلك حدوث تلف دماغي حسب شدة الصفعة، خصوصًا حين يكون الرأس غير محمي كما هو الحال مع اللعبة المستجدة باور سلاب، إذ يكون الرأس بكامله دون حماية وفي مرمى يد الخصم.
تتراكم هذه الإصابات المتكررة على الرأس لتزيد من مخاطر الإصابة بأمراض الدماغ المزمنة كالخرف وتلف أنسجة الدماغ وما يصاحب ذلك من أعراض تظهر بعد تقاعد اللاعبين.
ولا تقف المسألة عند هذا الحد، فهناك شواهد كثيرة تظهر أن ضربة واحدة على الرأس يمكن أن تكون قاتلة، لا سيما إذا ما جاءت هذه الضربة ضمن "شدة عالية وبزاوية محددة فتحدث إلتواء في الرقبة والرأس وتؤدي إلى قطع الشرايين التي تزود الدماغ بالدم".
وقد حذر عالم الأعصاب، كريس نوينسكي، من خطورة هذه اللعبة، مؤكدًا أن "هناك حدًا لما يمكن اعتباره مناسبًا ليكون رياضة، وما نرى ينبئنا بأنه تجاوز الحد كثيرًا". وأضاف أن إصابات الدماغ أمر ليس بالهين، وهي تزيد من احتمالية التعرض للوفاة سواء أثناء اللعبة أو بعدها بسنوات بفعل تداعيات إصابة الدماغ. ويشير نوينسكي إلى أنه حزين لأن اللعبة وجدت طريقها إلى القنوات الأمريكية، كما يعتبر أن "السبب في الموافقة على عرضها هو عدم ظهور آثار للدماء، في الوقت الذي يحصل فيه الضرر داخل الدماغ".
اللاعب البولندي، آرثر والزاك، 46 عامًا، توفي في شهر كانون الثاني /نوفمبر من العام الماضي بعد شهر من تعرضه للصفعات ودخوله في غيبوبة إبان مشاركته في اللعبة بحسب ما أشارت صحيفة الغارديان البريطانية، وقد تبين أن سبب الوفاة يعود لفشل في النخاع الشوكي.
رأي للذكاء الاصطناعي
كما هي الحال مع أية رياضة غير تقليدية، تلقت رياضة الباور سلاب نصيبها من الخلافات والمخاوف والجدل. يجادل النقاد بأن الرياضة تعزز العنف والمخاطر الصحية المحتملة على المدى الطويل والقصير معًا، بما في ذلك الارتجاج وإصابات الوجه والصدمات النفسية. كما خضعت الآثار الأخلاقية لإخضاع المرء لنفسه طواعية للصفعات القوية المتكررة للتدقيق والبحث. علاوة على ذلك، أثيرت أسئلة حول قضايا الاحتراف في هذه الرياضة وشروطها واللوائح ومعايير السلامة داخل الرياضة.
للتصدي لموضوع المخاوف على صعيد السلامة، اتخذ منظمو رياضة الباور سلاب خطوات لتنفيذ القواعد وتدابير السلامة. وتشمل هذه الترتيبات تقسيمات الوزن لضمان المنافسات العادلة، ووضع معدات الحماية الإلزامية مثل واقيات الفم والأذنين، وإلزام المنظمين لتوفير الفرق الطبية في الموقع لمراقبة المشاركين وتوفير المساعدة العاجلة لهم حالما لزمت. ومع ذلك، على الرغم من هذه الجهود، فإن الطبيعة العنيفة الجوهرية لهذه الرياضة تعني أن خطر الإصابة ما يزال يمثل قلقًا كبيرًا لكافة المراقبين.
