يكفي أن تشير إلى كلمة "الرقص" في عنوان الموضوع وتضعها ما بين الأقواس حتى يتوافد القراء أفواجًا، البعض إرضاءً لفضولهم في معرفة ما الجديد في هذا الأمر المثير للجدل، والبعض لإشباع إثارتهم الجنسية، أو لإشعال رغبتهم المتوقدة أصلاً، أو بحثًا عن فن يراه مجتمعنا عيبًا؛ والبعض الآخر قد يأتي ظنًا منه في إمكانية نيل معلومة حقيقية أو فكرة جديرة بالمناقشة عن هذه المنطقة الحساسة، ويكفي أن تنشر فتاة عربية فيديو لها وهي ترقص حتى يتناوله الإعلام وتنشره الصحافة ويتداوله المتداولون على صفحات التواصل الاجتماعي، الأغلب مطالبًا بذبحها ووصمها بالعار ونزع صفات النخوة والرجولة والمروءة عن ذويها، والقليل مدافعًا عنها وعن حريتها الشخصية في اختيار ما تفعله.
دعوات لمنع أستاذة جامعية من التدريس في مصر بسبب نشرها فيديوهات وصور رقص شرقي بدعوى الانحلال والفساد الاخلاقي
اقرأ/ي أيضًا: "مؤخرة كيم كارداشيان" للبيع في الشياح!
الرقص يهدد المستقبل المهني لمنى برنس
الرقص المُشار إليه هنا في العنوان يُقصد به "الرقص الشرقي" بشكل أساسي، وهو الأمر الذي سيظل يُثار من جديد ويُكتب عنه كلما ألقت إحداهن القليل من الشرر اللازم لإشعال النار، ولا ولن يكفي الحديث عنه والإلمام بتفاصيله مقالًا أو تقريرًا صحفيًا أو حتى كتابًا. والشرارة التي نتحدث عنها اليوم والتي أثارت الموضوع من جديد هي قضية السيدة منى برنس، ولمن لا يعلم من هي المقصودة، فهي دكتورة جامعية تُدرّس الأدب الإنجليزي في جامعة السويس، وقد سبق ونشرت فيديو على صفحتها الخاصة على موقع فيسبوك وهي ترقص، بالإضافة لبعض الصور وهي ترتدي ملابس السباحة العارية أو وهي تشرب الكحوليات مع أصدقائها.
لم يمر الكثير من الوقت حتى انتشر الفيديو انتشارًا واسعًا، وبدأ بعض رواد "فيسبوك" يطالبون بمنع السيدة منى برنس من التدريس نظرًا لفساد أخلاقها، وطالب مجموعة من طلاب الجامعة بتنظيم وقفة احتجاجية لوقفها عن عملها بدعوى انحلالها الأخلاقي وإساءتها للدين الإسلامي، في الوقت نفسه طالب آخرون بالتفرقة وعدم الخلط بين الحياة الأكاديمية للسيدة منى وحياتها الخاصة، فهي بالأخير لم ترقص داخل أسوار الحرم الجامعي، الأمر الذي جعل بعض الشابات المصريات المحسوبات على الحركة النسوية يقمن بنشر فيديوهات رقص خاصة بهن كنوع من الدعم المعنوي لمنى برنس مصرّحين أن أجسادهن ملك لهن ولا سلطان لأحد عليها، وأن السيدة لم تُخطئ ولا يجب عليها الاعتذار.
بعد هذه الحادثة في بداية الشهر الجاري، أحالت جامعة السويس الأستاذة الجامعية منى برنس إلى التحقيق وأوقفتها عن العمل بدعوى مخالفتها لأخلاقيات العمل الجامعي، وأصدرت وزارة التعليم العالي بيانًا جاء فيه أن السمعة الحسنة أساس تعيين أساتذة الجامعة، وهذا ينطبق على منى برنس، وأن الحرية الشخصية لأعضاء هيئة التدريس مصانة بحكم القانون، إلا أنها ليست على حساب الأعراف والأخلاق الجامعية، ووصل الأمر إلى تقدم رئيس لجنة الحريات بنقابة المحامين بالسويس ببلاغ ضد الدكتورة منى برنس يتهمها فيه بازدراء الأديان.
وجاء رد الدكتورة منى برنس سريعًا على ما نُسب إليها مستنكرة مقصد الوزارة بالسمعة الحسنة، ووجهت رسالة إلى وزير التعليم العالي تطالبه بالتحقيق في بلاغات الفساد داخل الجامعة بدلاً من الالتفات إلى فيديو شخصي لن يغير من الواقع شيئًا، وأضافت أن المشاكل في مصر أكبر بكثير من مجرد فيديو "مش فيديو رقص اللي هيهز البلد".
اقرأ/ي أيضًا: الرقص الاعتقادي في مصر.. دروب الخلاص
ولم تتراجع منى برنس عن موقفها بل ازدادت عنادًا وقامت بنشر فيديو آخر منذ أيام وقالت إنها "ليست نادمة على ما فعلته وستظل ترقص، فالرقص حياة وفرح وصحة، بالأخص عندما نعيش في بلد "خربانة" على كل المستويات، لا يبقى لنا إلا الضحك والفرح".
من له الحكم متى يكون الرقص أخلاقيًا ومتى يعارض قيم المجتمع؟ ومتى تحول الرقص من حرية شخصية إلى انتهاك لأعراف المجتمع؟
الرقص تأييدًا للحاكم
استضاف بعض الإعلاميين منى برنس على خلفية الواقعة المذكورة، وقاموا بالاعتراض على فعلها ومهاجمتها علنًا، ووصل الأمر إلى نوع من الوقاحة التي تتعارض مع أساسيات العمل الإعلامي حيث طلب أحد الإعلاميين من السيدة منى برنس أن ترقص له على الهواء، وأعاد نشر صورها الخاصة متهمًا إياها بالانحلال الأخلاقي وإهانة أعراف وقيم المجتمع. المفارقة هنا، ولسنا بموضع حكم، أن هؤلاء الإعلاميين هم أنفسهم من برروا رقص السيدات أمام اللجان الانتخابية دعمًا للحاكم وفرحًا بفوزه، وهم أنفسهم من برروا، في أحيان، الرقص في الأفراح وفي المناسبات الشعبية، وعارضوا، في أحيان أخرى، الرقص ذاته إذا لم يأت على هواهم.
فالمصريون يرقصون في الأفراح والأعياد والموالد والمناسبات وفي الشوارع وفي النوادي وعلى الأرصفة، يرقصون تعبيرًا عن الفرح والسعادة، ويرقصون من شدة الألم، فمن له الحكم متى يكون الرقص أخلاقيًا ومتى يعارض قيم المجتمع؟ ومتى تحول الرقص من حرية شخصية إلى انتهاك لأعراف المجتمع؟ ومتى أصبح الهز أمام اللجان الانتخابية تأييدًا للحاكم حرية شخصية وما دونه عيبًا؟.
اقرأ/ي أيضًا: