كل منا نتاج ما يسمع ويقرأ ويرى ويشاهد ويتعرّض له. فالطفل الذي نشأ في أسرة لديها من الوقت والجهد والقيم وإلى حد ما المال ما يسمح له بتربية وتنشئة وتعليم على مستوى جيد وصحي ومعقول يؤدي إلى مواطن مسؤول. صحيح أن أحدهم قد يكون استثناء، فيتحوّل إلى النقيض ويصبح عبئًا على أسرته وبلده، ولكنه استثناء يثبت القاعدة.
التلميذ الذي تبتغي الدولة أن يكون فردًا مفيدًا، يتلقّى تعليمًا جيدًا ذا أبعاد تربوية ومحتوى ثقافي محترم، حيث الموسيقى والرياضة وتنمية الهوايات وتنشئته على أنه إنسان يحمل في داخله الخير والشرّ، وواجبه تقويم نفسه نحو الخير وبعيدًا عن الشرّ، ويستوي في ذلك المهندس والطبيب والعامل والمعلم وضابط الشرطة.
الفرصة ذهبية لتصحيح الخطاب الشرطي، إن صحّ التعبير، وإصلاح العقيدة الأمنية، إن صلح التشبيه، وتجهيز أجيال جديدة من الضباط
هذا الأخير تحديدًا، ولأسباب سياسية واجتماعية، بات هو الوجه الآخر للترهيب والتخويف والحقارة والعنجهية والغطرسة وإساءة استخدام السلطة وقائمة طويلة من المواصفات المكتسبة عبر عقود والمؤدية إلى كثير مما تعانيه مصر من كوارث ومصائب واختلال موازين وقيم.
الفرصة ذهبية لتصحيح الخطاب الشرطي، إن صحّ التعبير، وإصلاح العقيدة الأمنية، إن صلح التشبيه، وتجهيز أجيال جديدة من الضباط القادرين على الاحتفاظ بالجانب الإنساني الرقيق المثقف الراقي جنبًا إلى جنب مع التنشئة والتدريب والعمل في الجوانب الأمنية والتأمينية والتي كثيرًا ما تتطلّب حسمًا وحزمًا وقوة، ولا يخفى على أحد أن ضابط الشرطة في مصر أصبح له معنى ومكانة وغرض يختلف عن أقرانه في كثير من دول العالم.
اقرأ/ي أيضًا: القتل على الطريقة المصرية
فهو على مدى ما لا يقل عن أربعة عقود تحوّل إلى وظيفة يُقبل عليها البعض بغرض إساءة استخدام سلطتها، وذلك بدءًا بأمين الشرطة وانتهاء برأس سلطة هذا الجهاز. وجميعنا يعلم أن سببًا رئيسيًا من أسباب اندلاع ثورة 25 يناير كان الجهاز الشرطي وأداءه وسوء استخدام سلطاته وتحيّز قياداته لتأمين الكبار والضغط على الصغار.
ضباط الشرطة ولأسباب سياسية واجتماعية، باتوا هم الوجه الآخر للترهيب والتخويف والحقارة والعنجهية والغطرسة وإساءة استخدام السلطة
والفرصة الذهبية التي تبدّدت غير مرة بعد ثورة 25 يناير كانت في بدء العمل على تخريج ضابط شرطة منضبط قوي حازم، إنسان مثقف يعي الغرض الأصلي والفعلي من عمله، ولا يتجاوز ذلك الحدّ تحت أي ظرف كان.
هذه الفرصة لا تزال موجودة بالطبع، ويمكن بدؤها مع أي دفعة جديدة تلتحق بأكاديمية الشرطة، ولكن "ولاة الأمر" لا يريدون إصلاح المنظومة. والبداية المقصودة لا تقتصر على تدريس مادة حقوق الإنسان للطلاب أو أن يطلب منهم أساتذتهم حسن معاملة المواطن المصري الغلبان، ولكن في النظر إلى مناهج وسُبُل التدريس والتدريب في دول سبقتنا في طريق الديمقراطية المقترنة بجهاز شرطي يعي مهام عمله لصالح الوطن والمواطن، وليس لصالح الرئيس أو الحكومة أو المسؤول الكبير.
وهذه الدول تمتلك من الثقة بالنفس ما يتيح لها الإقدام على محاسبة المخطئين بحسب القانون، حتى لو كانوا ضباط شرطة. ثقافة ضابط الشرطة والأمين (في حال الإصرار على استمرار هذه الفئة التي طالها عطب كبير وخلل رهيب) ليست رفاهية أو مسألة استفزازية وليست مؤامرة على وزارة الداخلية. تفريغ المواطن المصري من الجانب الثقافي المحترم أدّى إلى هذه البشاعة الأخلاقية والتدني السلوكي غير المسبوق والميل العفوي إلى العنف في المجتمع، والضباط ليسوا استثناء من ذلك الشرّ المستطير في الأجواء.
مصر تستحق أفضل من ذلك.
اقرأ/ي أيضًا:
الدم خيار الداخلية المصرية
عنا، نحن هؤلاء الضحايا