17-مايو-2017

(Getty) يثير ارتفاع أسعار الأدوية قلق المغاربة واستيائهم

يُعد الحق في الصحة، بما يشمل الحق في الحصول على الرعاية الصحية المقبولة، والميسورة التكلفة، وذات الجودة المناسبة في التوقيت المناسب، أحد حقوق الإنسان المعترف بها عالميًا، كونه حقًا يمس حياة الفرد، وتَعتبر منظمة الصحة العالمية الحصول على الأدوية الأساسية بأسعار معقولة أحد الإجراءات الضرورية لتحقيق الأهداف الإنمائية ذات الصلة بالصحة.

لا يزال ما يقرب من %90 من ساكنة البلدان النامية يشترون الأدوية بأسعار تفوق قدراتهم المالية، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية

بيد أنه من ناحية أخرى، لا يزال ما يقرب من %90 من سكان البلدان النامية يشترون الأدوية بأسعار تفوق قدراتهم المالية، ويتعرضون في أغلب الأحيان إلى خطر النفقات الكارثية في حالات الأمراض المزمنة والعمليات الجراحية المكلفة، حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، يظهر غياب المساواة في الحصول على الأدوية والعلاج ببلدان العالم الثالث.

اقرأ/ي أيضًا: غياب العلاج التلطيفي.. ألم المغاربة الصامت

ثمن الأدوية في المغرب يضاعف الأسعار الدولية

نفس التقرير يوضح أن المغرب واحد من هذه البلدان، التي يكتوي مواطنوها من أسعار الأدوية الصاروخية، حيث يذكر أن أرخص الأدوية التي تباع في المغرب، يفوق سعرها على الأقل بـ %30 ثمنها الدولي، في ظل غياب رعاية صحية عمومية تشمل جميع طبقات المجتمع.

الأمر لا يتوقف على تقارير المنظمات الدولية فقط، بل تؤكده المصادر الرسمية نفسها، من بينها تقرير سابق للجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب، الغرفة الأولى في برلمان المغرب، الذي خلص إلى أن أثمان الدواء في المغرب "مرتفعة بشكل غير عادي"، موضحًا أن أسعار الأدوية بالمملكة أعلى من مثيلاتها  بـ%30 إلى %189 في تونس، وهو بلد مغاربي ذو إمكانات اقتصادية واجتماعية محدودة.

أكثر من ذلك، تفوق أثمان الأدوية في المغرب بنسبة %20 إلى %70 مقارنة مع فرنسا، التي يضاعف الدخل الفردي لديها نظيره المغربي بمرات عديدة وتوفر الدولة هنالك خدمات صحية عمومية للجميع. وتتوسع هوة الأسعار أكثر مع الأدوية المكلفة، التي تتسبب في موت ومعاناة الكثير من المرضى، غير القادرين على شرائها.

أحمد، أحد المواطنين الذين سئموا من غلاء الأدوية في الصيدليات المغربية، يقول لـ"ألترا صوت" إنه يحصل من أحد أقاربه المهاجرين في فرنسا، على دواء "voltarén"، وهو مرهم لتهدئة الألم وعلاج التورمات والالتهابات التي قد تتعرض لها أطراف الجسم، بنصف سعره الذي يباع به في المغرب.

تجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية وجدت، انطلاقًا من البيانات التي جمعتها حول العالم النامي، أن الأدوية العامة متوفرة فقط في %38.1 من المرافق، بمتوسط تكلفة يصل إلى %250 أكثر من السعر الدولي. وفي القطاع الخاص، تتوفر تلك الأدوية نفسها في %63.3 من المرافق، لكن بمتوسط تكلفة حوالي % 610 أكثر من السعر المرجعي الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تتخلى عن مسكنات الألم؟

من المسؤول عن ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب؟

من أسباب ارتفاع أسعار الدواء في المغرب تحرير سوقه وتنازل الحكومة عن قدرتها التفاوضية والتحكمية أمام لوبيات سوق الدواء

يجعل ارتفاع أسعار الأدوية بالمغرب، كما تَوضّح بالمقارنة مع ثمنها الدولي، شرائح واسعة من المواطنين من المهمشين والفقراء مهددين بالمرض والموت، لعدم قدرتهم على اقتناء العلاج، وهو ما يطرح التساؤل حول الجهات المستفيدة من تحويل صحة المغاربة إلى منجم لاستخراج المال.

ما يثير الاستغراب هو أن المغرب يملك صناعة دوائية محلية، من شأنها كما يفترض تخفيف عبء الاستيراد، إلا أن هذه الشركات والصيدليات المحلية جعلت من صحة المغاربة سلعة لتحقيق أكبر قدر من الأرباح من سوق الأدوية، حيث بات التعامل مع الأدوية كغيرها من المنتجات الصناعية الأخرى التي تخضع لحرية الأسواق، ذلك ما تشي به تنبيهات تقرير اللجنة البرلمانية حول ارتفاع أسعار الأدوية بالمغرب.

من جهة أخرى، يحمل تقرير مجلس اللجنة النيابية المسؤولية أيضًا للحكومة، التي تنازلت عن قدرتها التفاوضية والتحكمية أمام لوبيات سوق الدواء، ولم تسعَ بما فيه الكفاية للدفاع عن حق المواطنين المرضى في الحصول على الأدوية بأسعار ميسورة، بتقنين هذا السوق وتحديد أثمان رخيصة للأدوية.

جدير بالذكر أن لوبيات سوق الأدوية في المغرب تملك أخطبوطًا من الجمعيات والنقابات وحتى النواب، الذين يدافعون عن مصالحها الاقتصادية أمام كل محاولات التخفيض، وقد نجحت هذه الشركات لفترة طويلة، امتدت لعقود راكمت خلالها أرباحًا طائلة، في جعل هذا الموضوع "تابو" خارج النقاش الإعلامي والسياسي في الساحة المغربية، ولم يتطرق الرأي العام الوطني لموضوع أسعار الأدوية بالبلاد إلا في السنوات الأخيرة.

الحكومة خفضت أسعار بعض الأدوية لكن دون تأثير

مع بلوغ القطاع الصحي في المغرب قاع الحضيض، اضطرت الحكومة المغربية في سنة 2014 إلى إصدار مرسوم 2.13.852 الذي ينظم سوق وأسعار الأدوية في البلد، ومنذ ذلك الوقت خفضت وزارة الصحة برئاسة الحسين الوردي إلى اليوم سعر أكثر من 2600 دواء، الخطوة التي اعتبرها الوزير "إجراء تاريخيًا بكلّ ما للكلمة من معنى"، مغلفًا سياسته بكثير من الدعاية.

وعلى الرغم من أن القرار لاقى صدى إيجابيًا في البداية، لكن سرعان ما تبين أن هذا التخفيض في الأدوية بالمغرب لم يخفف شيئًا عن كاهل المواطن البسيط، حيث أن الغالبية الساحقة للأدوية المخفّضَة والواردة في الجريدة الرسمية، في الواقع لا تتجاوز نسبة التخفيض فيها %30. بينما أفاد خالد الحريري، وهو أحد معدي التقرير البرلماني، لجريدة الاتحاد الاشتراكي، أن ثمن الأدوية الجنيسة (براءات الاختراع المشاعة) الأقل ثمنًا بالمغرب، "كلها أغلى من الأدوية نفسها في نيوزلندا، وتونس، وفرنسا، بمعدل مرتين إلى 15 مرة، حسب المنتجات الدوائية".

ومن ثمة اعتبر العديد من المراقبين أن هذا التخفيض الذي دشنه وزير الصحة الحسين الوردي، كان مجرد "بيعًا للوهم"، إذ لا تزال أسعار الأدوية بالبلاد مضاعفة لمثيلاتها في الأسواق الدولية، مما يصعب على المرضى ذوي الدخل المنخفض الحصول على الأدوية للعلاج، في الوقت الذي يحتاج فيه البلد إلى تقديم مصلحة المريض فوق أي اعتبارات ربحية أو سياسية، وتمكين جميع المواطنين من العلاج كباقي البلدان،  ذلك أن الحق في الحياة رهين بحق الوصول للخدمات الصحية والأدوية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الدولار.. سوق سوداء لـ"علب الدواء" في مصر

الجزائريون في رحلة بحث عن الإنجاب