أُلغيت وأُجِّلت مهرجانات وفعّاليات فنّية وثقافية بالجُملة في لبنان خلال الشهور الماضية منذ الاحتجاجات الشعبية وتدهور الحالة الاقتصادية بشكلٍ يجعل من فكرة إقامة مهرجان أقرب إلى الترف، فالبلد لا يزال غير مستعدّ لأجواءٍ كهذه، والناس منصرفون تمامًا إلى تخمين ما هو قادم، ومنشغلون بسؤال: ماذا بعد؟ ذلك أنّ الأزمة الاقتصادية تسلك مسارًا تصاعديًا، والشرخ بين الشعب والسلطة يتّسع بشكلٍ يؤجّل باستمرار احتمالية الوصل إلى حلٍّ بين الطرفين.
مهرجان البستان لن يغيب هذه السنة لأنّ حلم الحرية والتغيير يؤكّد مرّة جديدة أنّ الفنّ هو أكبر علامات التغيير في لبنان
رغم ذلك، هناك من يصرّ على النجاة من عثرات الحالة القائمة. فبينما كانت قائمة الفعّاليات المُلغاة والمؤجّلة تتّسع، عقدت اللجنة المنظّمة لـ "مهرجان البستان" مؤتمرًا صحافيًا في الـ 10 من كانون الثاني/يناير الفائت، أعلنت فيه إطلاق النسخة السابعة والعشرين من الحدث الموسيقي الموسمي الأبرز في لبنان، الأمر الذي بدا مفاجئًا باعتبار أنّ المهرجان نخبوي بشكلٍ كامل، وبالمعنى الطبقي أيضًا، إذ يصل سعر التذكرة فيه إلى مائة دولار في بعض الأحيان، ممّا يجعله شديد التأثّر بالمتغيّرات الاقتصادية من حوله.
اقرأ/ي أيضًا: معرض "الاستقصاء المعماري: نهج مضاد".. الفن في ميدان حقوق الإنسان
لكنّ القائمين على "البستان" أرادوا لهذه النسخة أن تكون استثنائية، إن كان لجهة إقامته وسط ظروف صعبة، والابتعاد عن احتمالية التأجيل أو الإلغاء، أو لجهة توحيد سعر رمزي لجميع الحفلات (30 ألف ليرة لبنانية) مراعاةً للظروف الاقتصادية الراهنة. وكانت نائبة رئيسة اللجنة المنظّمة للمهرجان لورا لحود قد أكّدت في المؤتمر الصحفي أنّ "الأمل يتجدّد سنويًا، رغم الازمة التي نمرّ بها. والموسيقى هي وجه من وجوه الأمل، لذلك فإنّ مهرجان البستان لن يغيب هذه السنة لأنّ حلم الحرية والتغيير يؤكّد مرّة جديدة أنّ الفنّ هو أكبر علامات التغيير، وأنّ الموسيقى تشفي الروح وتجدّدها وتفتح لها آفاقًا جديدة".
وربطت لحود المغامرة بإقامة المهرجان رغم كلّ التحدّيات بشجاعة وإرادة المؤلّف الموسيقي الألمانيّ لودفيغ فان بيتهوفن الذي اختير اسمه ليكون عنوانًا للنسخة السابعة والعشرين من "البستان"، كونه "أصرّ على تأليف الموسيقى رغم أنّه أصمّ، لذلك هو أفضل مثال على الصمود والمثابرة وهكذا نحن في مهرجان البستان، سنصمد ونستمر رغم كلّ الصعوبات".
المهرجان الذي مضت 27 سنة على انطلاقته أوّل مرّة، انطلقت فعاليّات نسخته الحالية ليلة أمس، الثلاثاء 18 شباط/ فبراير الجاري، بافتتاحية تجسّدت في كونشرتو بيانو لسيمفونية بيتهوفن الخامسة، أداء الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة للإيطالي جونلوكا مارشيانو الذي انضمّت إليه فيما بعد مواطنته عازفة البيانو غلوريا كمبانار. على أن يكون جمهور المهرجان بوم الجمعة 21 من الجاري على موعدٍ مع مقطوعة موسيقية خاصّة للسيمفونية الأولى من 4 حركات وكونشرتو البيانو الأوّل من تأليف بيتهوفن أيضًا، أداء فيليبو جوريني والأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة ميشال خير الله.
يستحضر "مهرجان البستان" بيتهوفن ضمن حدثٍ ثقافيّ يجمع بين الموسيقى والأدب تحت عنوان "اعترافات بيتهوفن"
يُشارك عازف البيانو الأمريكيّ كيت أرمسترونغ في الدورة الحالية بعد اعتذاره عن المشاركة في دورة 2018. وسيقدّم العازف الشاب سوناتات الكمان والبيانو العشر، يشاركه الفرنسيّ رونو كابوسون، وذلك على مدى ليلتين متتاليتين، الجمعة والسبت 28/29 من شباط الجاري. ويضرب الحدث الموسيقيّ العريق موعدًا للجمهور مع الثنائي غوتيه كابوسون وجيروم دوكرا في الثالت من آذار/مارس القادم. بينما خصّص القيّمون على المهرجان يوم الجمعة 6 من الشهر نفسه للفرنسيّ جيريمي رورير الذي سيؤدّي السمفونية السادسة لبيتهوفن.
اقرأ/ي أيضًا: بيان رابطة الأدباء والكتاب اللبنانيين
بعيدًا عن الموسيقى الخالصة، يستحضر "البستان" لودفيغ فان بيتهوفن ضمن حدثٍ ثقافيّ يجمع بين الموسيقى والأدب تحت عنوان "اعترافات بيتهوفن" يؤدّيه، ضمن قالبٍ مسرحيّ، الممثّل جان فرانسوا مستندًا إلى أجزاء مأخوذة من رواية تحمل العنوان نفسه لألكسندر نجّار، وذلك على وقع موسيقي من أعمال الألمانيّ الكبير يؤدّيها عبد الرحمن الباشا. أمّا الختام 22 أذار/ مارس، سيكون مع السمفونية السابعة التي يقدّمها الأوكرانيّ فيتالي بيسارنكو، على أن تشارك جوقة الجامعة الأنطونية والاوركسترا الأرمينية لموسيقى الحجرة في الأمسية الختامية من المهرجان.
اقرأ/ي أيضًا:
إغلاق سينما متروبوليس.. نهاية حلم
جبهة الرفض الثقافية.. بيان غاضب ضد "اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين"