منذ العام 1978 والجيش يمثّل رقمًا صعبًا في الحياة السياسية الموريتانية. وبينما تميّزت الفترة الفاصلة ما بين 1979 – 1984، بصراع واضح بين ضبّاط الصف الأول، على القيادة السياسية للبلاد، فإن الفترة التي أعقبت ذلك التاريخ تميّزت بخمود الصراع داخل القوات المسلحة، إلا ما كان من محاولات "حركة افلام" القيام بانقلاب عسكري نهاية الثمانينات حسب زعم النظام، أو ما كان من محاولات ضبّاط الصف الثاني أخذ زمام المبادرة للإطاحة بحكم العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، سنة 2003، وهو ما أدى لنتائج وخيمة، قبل أن تتخذ قيادة القوات المسلّحة قرار إزاحة ولد الطائع سنة 2005، بعد أن أصبح بقاؤه في الحكم يُشكّل عبئًا كبيرًا عليها.
ظهر الفريق ولد الغزواني بخطاب ترشح مختصر، علت فيه نبرة العسكري على نبرة السياسي، حيث حرص على إبراز خصائص تربيته العسكرية، وعمله الطويل في مؤسسات الدولة
أفضى انقلاب الثالث من آب/أغسطس 2005 إلى تخلّي الجيش شكليا عن السلطة لصالح رئيس مدني، تم انتخابه في آذار/مارس من العام 2007. لكنّه لم يُكمل مأموريته الأولى، بفعل انقلاب عسكري جديد، قاده الجنرالان محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزواني، أطاح بأول تجربة انتقال ديمقراطي في السادس من آب/أغسطس 2008.
اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا.. الراب في مواجهة النظام
رسّخ ذلك الواقع قناعتين اثنتين عن القوات المسلحة الموريتانية. الأولى: أن التجربة الطويلة للجيش الموريتاني في الحكم، جعلت حضوره في المشهد السياسي، أمرًا طبيعيًا. ولذلك لا أحد تقريبًا يربط مِهَنِيّةَ الجيش بالنأي عن المعترك السياسي.
القناعة الثانية: أنّ أي تغيير سياسي جاد، لا يمكن أن يجد طريقه للتنفيذ، بدون رعاية الجيش، وبشكل خاص دون قيادات الجيش التي تدير مفاصل المؤسّسة العسكرية. وهو ما همّش من جدوى العمل السياسي المدني، الذي يتم من داخل الأطر الحزبية وعبر المجتمع المدني.
محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزواني اسمان كان لهما دور بارز في تسيير المرحلة الثانية من الانتقال السياسي في موريتانيا. وهي المرحلة التي بدأت منذ العام 2005، وما تزال مجرياتها مستمرة إلى اليوم.
حيث كان الجنرالان اللذان وقفا وراء الإطاحة بأطول حكم عسكري شهدته البلاد، أيضًا وراء الإطاحة بأقصر تجربة انتقال ديمقراطي شهدتها موريتانيا.
وفيما يشبه عملية تبادل عسكري للسلطة، قرّر الجنرال محمد ولد الغزواني الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في أيار/مايو من عام 2019، بعد أن أكمل رفيقه محمد ولد عبد العزيز مأموريتيه الرئاسيتين، اللتين يسمح بهما الدستور.
الدولة خلف الجنرال
تسود قناعة لدى الموريتانيين أنّ الجنرال محمد ولد الغزواني، وزير الدفاع حاليًا، هو مرشّح الدولة. وبمعنى آخر مرشّح المؤسسة العسكرية، ومرشّح الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز. ولذلك، فإنه وبمجرّد إعلان ترشّحه بدأت حملات الدعم والمساندة من أعلى المستويات الحكومية، كما بدأت المبادرات، ذات المنشأ القبلي، في الظهور معلنة دعم الجنرال الغزواني. وأعلن أحد أبرز رجال الأعمال في البلاد تبرّعه لحملة ولد الغزواني بمبلغ كبير، واكتمل مشهد حمّى الدعم بتزكية مفتي الجمهورية أحمد ولد لمرابط ولد حبيب الرحمن لترشيح ولد الغزواني، من خلال خطبة الجمعة التي ألقاها من الجامع السعودي في الأول من آذار/مارس 2019، معتبرًا ذلك الترشيح "توفيقًا من الله".
المؤسسة العسكرية، القبيلة، المرجعية الدينية، رجال الأعمال؛ مربّع فاعل يقف خلف المرشّح محمّد ولد الغزواني، قد يكون كافيًا لضمان نجاحه في الانتخابات الرئاسية بأقل الأثمان والجهود.
خطاب الترشّح
شهد يوم الجمعة الأول من آذار/مارس 2019 إعلان محمد ولد الغزواني ترشّحه رسميا للاستحقاقات الرئاسية لعام 2019 في حفل جماهيري، غابت عنه مظاهر الاحتفال المعتادة، ربّما بسبب الحالة السيئة للطقس.
اقرأ/ي أيضًا: شباب موريتانيا.. الذهب لقهر البطالة
ظهر الفريق ولد الغزواني بخطاب مختصر، علت فيه نبرة العسكري على نبرة السياسي، حيث حرص على إبراز خصائص تربيته العسكرية، وعمله الطويل في مؤسسات الدولة، ممّا منحه خبرة كبيرة في تسيير المؤسسات الحكومية وإدارتها، كما أكّد على أولوية حماية الحوزة الترابية. وبعد ذلك عرّج على قضايا الديبلوماسية الموريتانية، وتعزيز الحضور الديبلوماسي الإقليمي لموريتانيا. ولم يفته التأكيد على استكمال ما بدأه رفيقه محمد ولد عبد العزيز من مشاريع تنموية، مع العلم أن العشريّة التي قضاها محمد ولد عبد العزيز في الحكم مثار جدل كبير على صعيد المنجز التنموي والعمراني والإنساني والسياسي. فهل يعني ذلك أن ولد الغزواني لن يتمكّن من الخروج من جلباب رفيقه؟
يصف بعض المتابعين شخصية ولد الغزواني بالشخصية الغامضة والخجولة، فالرجل طيلة العشر سنوات الماضية كان قليل الكلام والخروج الإعلامي
يصف بعض المتابعين شخصية ولد الغزواني بالشخصية الغامضة والخجولة، فالرجل طيلة العشر سنوات الماضية كان قليل الكلام والخروج الإعلامي. وفي الفترة التي أصيب فيها الرئيس الموريتاني بطلق ناري جعله يغادر البلاد لتلقى العلاج في باريس، لم يحرص الرجل الثاني في الحكم على الظهور، وظلّ وفيًّا لزميله بالرغم من مراودة الكثيرين له للإمساك بزمام السلطة والانقلاب على الرئيس المصاب حينها. ولعلّ ذلك هو ما رسّخ الثقة بين الجنرالين، لكنّ ذلك أيضًا ما يشي بقوّة تأثير الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز على الجنرال محمّد ولد الغزواني. فهل نحن أمام سيناريو بوتين/مدفيدف مكتمل الأركان والملامح؟
اقرأ/ي أيضًا: