لا يزال السوريون يعيشون لحظة وقوع الزلزال الذي وقع قبل عام، ويواجهون ما خلّفه من كوارث فاقمت من كوارثهم وجعلتهم - مرة أخرى - ضحايا يبحثون عن خلاص يعلمون أنه بعيد عن شمال غربي سوريا، تلك البقعة الجغرافية الصغيرة والمحاصرة التي يعيشون فيها محاطون بالموت وشبح المجاعة.
ولسنا بحاجة إلى جهدٍ كبير لندرك أنهم لم يتجاوزوا بعد لحظة اهتزاز منازلهم المتداعية أساسًا، وإدراك ما وضعتهم تلك الهزة أمامه. الأحرى أن لا شي يساعدهم على تجاوز تلك اللحظة، فكلّ ما خلّفه الزلزال ما زال قائمًا، ولا يزال ألم الفقد الذي ترتب عليه طازجًا يذكّرهم به أينما ولّوا وجوههم.
وربما ليس هناك أبلغ مما ذكرته صحيفة "الغارديان" للتعبير عما خلّفه الزلزال في نفوس سكان هذه المنطقة البائسة من ندوب لم تُمح رغم مرور عامٍ على وقوعه. ففي تقرير نُشر بمناسبة هذه الذكرى الأليمة، قالت الصحيفة إن الخوف من وقوع زلزال آخر سيطر على سكانها مع اقتراب الذكرى الأولى للكارثة، ما دفع العديد منهم لنصب الخيام خوفًا من عدم القدرة على الفرار من منازلهم إن تكررت الكارثة.
المفارقة في ما سبق أنه لم يتمكّن سوى القليل ممن دمّر الزلزال منازلهم من العثور على مأوى، بينما لا يزال معظمهم في خيامٍ أُضيفت إلى أخرى يسكنها نازحون فرّوا من موتٍ يعدهم به نظام الأسد أينما ذهبوا. والمؤلم أن من فرّ من قريته أو بلدته أو مدينته القريبة من خطوط التماس للنجاة بأرواحهم، عادوا إليها مجبرين حين أصبحوا دون مأوى بعد أن دمّر الزلزال البيوت التي لجأوا إليها في أماكن أخرى بعيدة بحثًا عن الأمان.
لم يتجاوز السوريون لحظة وقوع الزلزال. الأحرى أن لا شي يساعدهم على تجاوز تلك اللحظة، فما خلّفه من كوارث ومآس لا يزال قائمًا يذكّرهم به
لكن المفارقة الأشد ألمًا أن دويّ الغارات التي ظنّوا أنها سبب اهتزاز الأرض فجر السادس من شباط/فبراير 2023، يُثير اليوم مخاوفهم من أن يكون صوت اهتزاز الأرض ووقوع زلزال آخر. وفي الحالتين، سواء كان مصدر الدوي غارة أو زلزال، يدرك السوريون بمجرد سماعه أنهم أمام ما سيضاعف من مأساتهم التي لا يرغب العالم بإنهائها.
لذلك لم تشهد المنطقة إعادة إعمار فعلية تُعيد إحياء الأمل فيها. وفوق ذلك، لم يكترث أحد بتصعيد النظام من قصفه لها بين وقتٍ وآخر، وتدمير ما لم يدمّره الزلزال وقتل من نجا منه. وكأن حياة السوريين ليست سوى محاولات نجاة مستمرة.
وبينما يستمر النظام في قصفه للمنطقة، ويحاول سكانها التعافي من آثار الزلزال؛ أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنه سيوقف مساعداته في عام 2024 بسبب أزمة تمويل غير مسبوقة.
تخيّل أن مكانًا منكوبًا بسبب الحرب ثم الزلزال يعتمد معظم سكانه، البالغ عددهم أكثر من 4 ملايين شخص معظمهم نازحين شردّهم النظام، على المساعدات الدولية للبقاء على الحياة؛ يُقرَّر فجأة قطعها عنهم دون تقديم بديل. كأن عليهم أن يواجهوا النكبة تلو النكبة، وأن تكون حياتهم مناورات مستمرة للفرار من قبضة الموت الذي يطاردهم بأشكال مختلفة.
جاء الزلزال في سياق كارثةٍ خلّفها النظام على مدار عقد من القصف والقتل والتدمير والتهجير تحوّل السوريون خلاله إلى أهداف سهلة للموت. وبعد عام على وقوعه، يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات لا يمكنهم التعامل معها. فالمأساة انتقلت من مجرد حرمانهم من حقهم في العيش بأمان، إلى مطاردة شبح المجاعة لهم.
ولا يمكننا اعتبار الزلزال، مع أنه من فعل الطبيعة، سوى فصل من فصول هذه المأساة أو الزلزال الإنساني المستمر بوقوع زلزال 6 شباط/فبراير أو دونه. وكما يحدث منذ أكثر من عقد، يُترك السوريون مرة أخرى لمصيرهم المجهول؛ يُتركون للموت الذي تُركوا له قبل الزلزال وبعده.