22-فبراير-2017

من الصعوبات التي تواجهها ممتهنات التهريب المعيشي سوء المعاملة والتحرش (صامويل أرندا/أ.ف.ب)

قد تكون الحياة قاسية عند البعض، وقد لا تكون كريمة بما يكفي لكي تمنحهم فرصًا للعيش بوسائل تحترم إنسانيتهم. "التهريب المعيشي" بمدينة سبتة المحتلة، من بين المهن الصعبة التي يزاولها نساء ورجال بمختلف الأعمار بالمغرب. فساعة واحدة فقط، هي الفترة الزمنية التي تستغرقها ساكنة تطوان، شمال غرب المغرب، للانتقال إلى مدينة سبتة، حيث أمست هذه المدينة مصدر قوت يومي للكثير من ساكنة المدينة وضواحيها. تعتبر هذه المدينة مصدر الرزق الوحيد لتسديد الحاجيات اليومية من أكل وشرب وثمن الكراء وغيرها. لكن في أحيان كثيرة، يكون هذا "الرزق" مليئًا بالأشواك، "لا يمكن أن تمسك به إلا وأنت تشعر بالألم"، بهذه العبارة علقت نعيمة عن امتهانها للتهريب المعيشي.

"التهريب المعيشي" بمدينة سبتة المحتلة، من بين المهن الصعبة التي يزاولها نساء ورجال بمختلف الأعمار بالمغرب

نعيمة، شابة تبلغ من العمر 26 سنة، ذات ملامح بيضاء جميلة وقوام طويل متناسق، ظروفها العائلية جعلتها من بين النساء ممتهنات التهريب المعيشي بسبتة. تحكي لـ"ألترا صوت" أنها ليست سعيدة أبدًا بهذا العمل، "لكن أحيانًا الحياة لا تترك لنا الخيار"، وفق تعبيرها. تقول مع نظرة حزينة: "لم أتخيل أبدًا أنني سأزاول هذه المهنة الصعبة، أو أصبح من ممتهني التهريب المعيشي، ويطلق علي لقب "براكضية"، لكن لم أجد عملًا آخر غير هذه المهنة، إن اعتبرناها مهنة طبعًا"، وتستطرد قائلة: "صحيح أنها مهينة جدًا، لكنها في النهاية شريفة".

اقرأ/ي أيضًا: عنف متجدد في المؤسسات التعليمية المغربية..إلى متى؟

تحاول نعيمة أن تبحث عن عمل آخر عوض التهريب المعيشي، يحالفها الحظ أحيانًا في العثور على عمل كخادمة منزلية، في إحدى الشقق بسبتة، خصوصًا وأنها تتوفر على جواز سفر من مدينة تطوان، فإسبانيا سمحت لأبناء هذه المدينة بالعبور إلى سبتة بجواز سفر فقط، دون الحاجة إلى تأشيرة. وأحيانًا كثيرة لا تجد نعيمة سوى تهريب بعض السلع، مثل الملابس النسائية أو المواد الغذائية، لتتقاضى مبالغ تسد حاجياتها اليومية. تضطر نعيمة لنقل السلع على ظهرها، تخرج كل يوم على الساعة الخامسة صباحًا، لتأخذ مكانها في الطابور الطويل، الذي يمتد لعشرات الأمتار.

وتعلمت نعيمة الدفاع عن نفسها، فهي كما تقول: "هذه المهنة صعبة على النساء، خصوصًا إن كن صغيرات وشابات جميلات"، فهي تعاني من بعض التحرش لرجال السلطة بين الفينة والأخرى، سواء من الإسبان أو المغاربة، إلا أنها كما تقول تعرف كيف تحمي نفسها، خصوصًا وأنها ربطت علاقات إنسانية مع بعض زملائها بنفس العمل.

تواجه ممتهنات التهريب المعيشي في المغرب سوء المعاملة من قبل رجال السلطة، الإسبان والمغاربة، ويتعرضن حتى للتحرش

تعلق على هذا الأمر:" لا يكفيهم العراقيل التي نواجهها ونحن في المعبر، ننتظر لساعات طويلة، أعرف ممتهنات ناموا طيلة الليل في العراء لحراسة سلعهم عندما يتأخرون في فتح المعبر، أحيانًا نتعرض إلى تحرش جنسي، دون أن أنسى السب والقذف، وأحيانًا الركل مثل الدواب". 

وتضيف نعيمة أنه لا وجود لبديل أفضل من التهريب المعيشي في هذه المنطقة من المغرب، خصوصًا وأنها أم لطفلة لا تتعدى سبع سنوات، وتوضح "لا ألوم نفسي لكوني مهربة سلع في معبر سبتة، لكن ألوم نفسي لأنني لم أدرس جيدًا لنيل شهادة علمية، لأجد عمل محترمًا ومناسبًا، وألوم نفسي أيضًا لأنني لم أحسن اختيار زوجي، فبعد زواجي بشهر، اكتشفت أنه مدمن وتاجر مخدرات، ومحكوم عليه لسنوات بالسجن، لأجد نفسي فجأة وحيدة ومسؤولة عن طفلة ووالدة وإخوة".

اقرأ/ي أيضًا: غضب من إعلام مصر لتشويه مشايخ مغاربة: ليسوا دجالين

يقول عماد بنهميج، رئيس مركز شمال لحقوق الإنسان، في تصريحه لـ"ألترا صوت": "عندما نتحدث عن معبر باب سبتة، فإننا نقف عند أحد المعابر المهينة لكرامة الإنسانية والنساء على وجه خاص على مستوى العالم، إذ تتحول النساء إلى آلة لتهريب جميع أنواع المنتجات، يتم استغلالها بشكل بشع من طرف مافيا التهريب المنظم، التي تجري تحت أعين رجال الجمارك وحمايتهم، هذا ناهيك عن سوء المعاملة من طرف رجال الأمن والجمارك وخاصة النساء اللواتي يردن الاشتغال بشكل فردي في التهريب المعيشي حيث تسلط عليهن كل أشكال الإهانة وأحيانًا التحرش الجنسي لكي يجبرن على العمل لدى مافيا التهريب المنظم".

أحيانًا تتعرض النساء إلى إصابات خطيرة، يعلق عماد على هذا الأمر، "نلاحظ في مناسبات كثيرة لجوء الأمن أو الحرس الإسباني إلى استعمال القوة المفرطة والعنف في عملية تنظيم خروج ممتهني التهريب ما يؤدي في حالات كثيرة إلى إصابات وإغماءات في صفوف النساء العاملات". ويضيف: "يجب التذكير أن هؤلاء النسوة يضطررن في مناسبات عديدة إلى المبيت في المعبر، محتمين بالكرطون من قساوة الطقس، من أجل أن يكن من الأوائل في حمل منتوجات مافيا التهريب وكذا مغادرة المعبر في ساعة مبكرة".

ووفق حقوقيين، الدولة المغربية عاجزة عن تقديم أية حلول واقعية حاليًا، من أجل حماية النساء العاملات في هذا القطاع في ظل ما يعرفه المعبر من شتى أنواع الظلم، الحاطة من الكرامة الإنسانية وفي ظل انسداد آفاق التشغيل بالمنطقة ويظل بذلك العمل في التهريب الملجأ الوحيد لآلاف النساء من أجل إعالة أسرهن.

اقرأ/ي أيضًا:

مسيحيو المغرب.. حياة الخفاء

المغرب.. جدل بعد وصف الفلسفة بـ"الزندقة والانحلال"