يبدو أنّ الشتاء يوشك أنْ يحلّ بروبوت المحادثة الآلي تشات جي بي تي (ChatGPT) وشركته المطور أوبن إي آي (OpenAI)، ففي تطور لافت للاهتمام، تقدّمت نقابة المؤلفين الأمريكيين- التي تمثل نحو 14 ألف مؤلف- بدعوى قضائية بحق شركة أوبن إي آي للذكاء الاصطناعي؛ إذ زعمَ المُدّعون أنّ الشركة تستعين بأعمال كبار المؤلفين، مثل جورج أر أر مارتن وجون غريشام، لتدريب نماذج اللغة الضخمة لديها دون الحصول على موافقة مسبقة منهم.
وترى النقابة أنّ الشركة حينما تعكف على تدريب نماذجها دون رضا المؤلفين فإنها تضر بمصالحهم؛ إذ تزعم الدعوى أن روبوت تشات جي بي تي "يتيح للمستخدمين إنشاء نصوصًا يدفع الناشرون للمؤلفين أموالًا لكتابتها"، وهو كذلك "يُنتِج أعمالًا مشتقة" اعتمادًا على الملخصات أو إعادة صياغة الأعمال الأصلية. وتشير الدعوى كذلك إلى خطر نماذج اللغة الضخمة التي تطورها الشركة على مؤلفي الروايات الخيالية وقدرتهم على جني الأموال من مهنتهم.
وجاء في الدعوى: "إنّ هذه الخوارزميات عَصبُ المشروع التجاري الضخم للمدعى عليهم، وفي هذه الخوارزميات سرقة منهجية واسعة النطاق. ومن هذا المنطلق يلتمس المؤلفون التعويض عن الفرصة المهدرة لترخيص مؤلفاتهم، وينشدون أمرًا قضائيًا للحيلولة دون وقوع هذه الأضرار".
تقدّمت نقابة المؤلفين الأمريكيين بدعوى قضائية بحق شركة أوبن إي آي للذكاء الاصطناعي لأنّها تستعين بأعمال كبار المؤلفين لتدريب نماذج اللغة الضخمة لديها دون الحصول على موافقة مسبقة منهم
وترى نقابة المؤلفين تهديدًا حقيقيًا في قدرة تشات جي بي تي على تقليد أعمال المؤلفين الأصلية، مما يلحق الضرر بهذا المجال؛ واستشهدت النقابة في أثناء نقاش الدعوى القضائية باستطلاع حديث عن دخل المؤلفين، إذ أبانت النتائج أن متوسط راتب المؤلف المتفرغ منذ عام 2022 زاد عن 20 ألف دولار أمريكي، غير أنّ نصف المؤلفين المشاركين في الاستطلاع حصلوا على مبالغ أقلّ من المتوسط. وقالت النقابة في بيانها: "الذكاء الاصطناعي التوليدي خطر محدق بمهنة المؤلف".
ولم تتريث شركة أوبن إي آي كثيرًا حتى ترد على هذه الدعوى القضائية؛ إذ أعربت في معرض حديثها مع شبكة إنسايدر (Insider) عن احترامها "لحقوق المؤلفين والكتاب"، فهي إلى ذلك "تتعاون" مع شتى المبدعين حول العالم "لمناقشة مخاوفهم وهواجسهم من الذكاء الاصطناعي".
وكتب الشركة في بيان صحفي: "يحدونا التفاؤل بإيجاد وسائل ناجعة للطرفين حتى نتعاون لمساعدة الأفراد في استخدام هذه التكنولوجيا المتطور في بيئة ثرية المحتوى". وعلى العموم تُضاف هذه الدعوى إلى سلسلةٍ من النزاعات القانونية التي باشرها المؤلفون بحق شركة أوبن إي آي بمزاعم انتهاك حقوق النشر والتأليف، وهي إلى ذلك تُصاحب الإضراب المتواصل بين أوساط الكتّاب في هوليود، الذي انطلق جرّاء أسباب كثيرة، منها خشية الكتاب من حلول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدمة محلّهم في صناعة السينما.
وسبقت هذه الأحداث كلها دعوى قضائية رفعها المؤلفان، منى عوض وبول تريمبلاي، بحقّ شركة أوبن إي آي لزعمهما أنّها استخدمت مؤلفاتهما ضمن مجموعات البيانات المخصصة لتدريب روبوت تشات جي بي تي. وما هي إلا بضعة أسابيع حتى أقامت الكوميدية سارة سيلفرمان، والمؤلفان كريستوف جولدن وريتشارد كادري، دعوى قضائية بحق أوبن إي آي بسبب مزاعم مماثلة. وتدرس صحيفة نيويورك تايمز احتمال رفع دعوى قضائية بحق الشركة لزعمها بأن مقالاتها الإخبارية تُرسَل رأسًا إلى تشات جي بي تي.
وحاولت بعض دور النشر تجنب التصعيد مع أوبن إي آي وسلكت درب التفاوض معها للوصول إلى اتفاق ترخيص بين الطرفين، على أن تدفع الشركة أموالًا مقابل الاتفاق، وهو ما حصل حينما أبرمت وكالة أسوشيتد برس اتفاقية مدتها عامان مع أوبن إي آي لتحصل الأخيرة على الإذن لاستعمال أرشيف القصص الإخبارية في الوكالة لتدريب روبوت تشات جي بي تي.
وعلى العموم تقول ماري راسينبرجر، الرئيسة التنفيذية لنقابة المؤلفين: "ينبغي أن يحوز المؤلفون حقّ القبول أو الرفض فيما يخصّ استعمال مؤلفاتهم في أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ فالثقافة المُرتجعة لن تستبدل الفن والإبداع الإنساني".