"إنها مزحة"، هكذا وصفت المديرة التنفيذية للحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية، بياتريس فين، شعورها عندما علمت عبر اتصال هاتفي، فوزهم بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، تقديرًا لجهودهم المبذولة للتخلص من الأسلحة النووية الذي بدأته (آيكان - ICANN) قبل عشرة أعوام، تمكنت فيها من دفع الأمم المتحدة لتبني معاهدة حظر الأسلحة النووية في تموز/يوليو الماضي.
فازت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (آيكان) بجائزة نوبل للسلام لهذا العام 2017
بياتريس فين: "دونالد ترامب أحمق"
وفي تمام الساعة التاسعة من صباح اليوم الجمعة، أُعلن من العاصمة النرويجية أوسلو، منح "آيكان" جائزة نوبل للسلام. وقالت رئيسة اللجنة، بيريت رايس أندرسون، إن المنظمة حصلت على الجائزة لقاء عملها على التنبيه للتبعات الكارثية لأي استخدام للسلاح النووي، وجهودها المبذولة في التوصل لمعاهدة حظر الأسلحة النووية، داعيًة الدول النووية التسعة لبدء مفاوضات جدية للتخلص من هذه الأسلحة.
اقرأ/ي أيضًا: نوبل للسلام وودّ لنظام الإرهاب!
وفي نيسان/أبريل 2007، أعلن عن إطلاق "آيكان" من تحالف لمجموعة من المنظمات غير الحكومية، وصل عددها إلى 468 منظمة من 101 دولة حتى اليوم. والحملة كانت نتاج اقتراح مقدم من منظمة أطباء بلا حدود خلال مؤتمرها عام 2006، وهي تشبه في مضمونها الحملة الدولية لنزع الألغام الأرضية المؤسسة عام 1992، ومنحت في 1997 جائزة نوبل للسلام.
وبعد الإعلان رسميًا عن منح آيكان نوبل للسلام، وجهت المديرة التنفيذية للحملة بياتريس فين، رسالة للدول التي تسعى لتعزيز ترسانتها النووية، واصفة سلوكها بـ"غير المقبول". وقبل يومين من الإعلان عن منحهم الجائزة، وصفت بياتريس فين عبر صفحتها الشخصية على تويتر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"الأبله"، بعد تقارير تحدثت عن وصف وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون خلال اجتماع لوزارة الدفاع، دونالد ترامب بالكلمة نفسها في نفس اليوم.
لماذا اختارت نوبل للسلام "آيكان" لهذا العام؟
انصبت معظم الترشيحات المرتبطة بنوبل للسلام هذا العام، لصالح شخصيات سياسية، كان أبرزها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، مقابل توصلهم للاتفاق النووي الإيراني، إضافة للعديد من الشخصيات الحقوقية والدبلوماسية، والمنظمات غير الحكومية من بينها مجموعة الخوذ البيضاء السورية التي تنشط في مناطق سيطرة المعارضة، والتي كانت مرشحة العام الماضي أيضًا لنوبل للسلام دون أن تحصل عليها.
إلا أن اختيار نوبل للسلام لـ"آيكان" لمنحها الجائزة يظهر أنه يُمثل سببين أساسيين، يأتي في مقدمتهما الانتهاكات التي تعرضت لها أقلية الروهينغا في بورما مؤخرًا، وسط صمت رئيسة وزراء البلاد سان سو تشي الفائزة بالجائزة عام 1991، حيثُ وصفت تقارير أممية تعرض مسلمي الروهينغا لعملية "تطهير عرقي" في ولاية راخين المحاصرة منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وطالبت عريضة وقع عليها ما يقرب 386 ألف شخص، من جائزة نوبل للسلام، بسحب الجائزة من الزعيمة البورمية التي مُنحت لها مقابل "وقوفها ضد الأحكام العسكرية وسجنها وكفاحها السلمي"، لكن لجنة نوبل قالت إنه من غير الممكن سحب الجائزة من الفائزين بعد استلامهم جوائزهم.
على مدار تاريخها، أُعطيت نوبل للسلام للعديد من الأشخاص المتهمين بتورطهم في انتهاكات حقوقية على رأسهم رئيسة وزراء بورما
ويرجع السبب الثاني لارتفاع وتيرة الحرب الكلامية بين بيونغ بيانغ وواشنطن، في ظل عزم كوريا الشمالية تطوير ترسانتها النووية، التي أجرت مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، سادس تجاربها النووية بإطلاقها صاروخ مثبت عليه قنبلة هيدروجينية. وقالت تقارير غربية إن التجربة أقوى بـ16 مرة من القنبلة التي ألقيت على هيروشيما عام 1945 في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية.
اقرأ/ي أيضًا: تطهير الروهينغا عرقيًا.. مجزرة مستجّدة وتفاعل معتاد!
وقبل ساعات من إعلان الجائزة جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديده لكوريا الشمالية خلال لقاءه لقادة عسكريين، واصفًا ما يحدث بـ"الهدوء الذي يسبق العاصفة"، مُضيفًا: "سنفعل إن تطلب الأمر. صدقوني" في إشارة لشن حرب ضد بيونغ يانغ، فضلًا عن عزمه إنهاء الاتفاق النووي الإيراني الموقع بين إيران والدول الست، وفي مقابل ذلك تهدد بيونغ بيانغ بتدمير مدن أمريكية في حال تعرضت أراضيها لهجوم أمريكي، ما يثير المخاوف من اندلاع حرب نووية ستكون الأولى من نوعها في التاريخ المعاصر.
هل تنجح "آيكان" في القضاء على الأسلحة النووية؟
وبالعودة لاختيار نوبل للسلام منظمة دولية بدلًا عن شخصيات سياسية أو حقوقية لها مساهمتها في مجال حقوق الإنسان، فإن اللجنة تعرضت على فترات متفاوتة لانتقادات بسبب منحها الجائزة لأشخاص كان لهم دور فاعل في انتهاكات حقوق الإنسان، من بينهم الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون الذي مُنحَها عام 1919 رغم أنه كان من مؤيدي "كوك كوكلس كلان" العنصرية في الولايات المتحدة، والتي تنادي بتفوق العرق الأبيض.
كما أن اللجنة منحت في 2012 الاتحاد الأوروبي جائزتها لما قدمه من إسهامات في تعزيز "السلام والمصالحة، والديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا"، غير أن الاتحاد تبنى خلال الأشهر الماضية سياسة معادية للاجئين، وقامت دول الاتحاد بوضع أسلاك شائكة على حدودها لمنع وصول الفارين من مناطق الصراع في الشرق الأوسط إلى أراضيها عبر دول الكتلة الشرقية. وينتظر آلاف اللاجئين في الجزر اليونانية مصير مجهول بسبب الإجراءات البطيئة لعملية إعادة التوطين بعدما امتنعت دول الاتحاد عن استقبالهم.
وقد تكون الجائزة أرادت باختيارها لآيكان أن تتجنب تعرضها للنقد لما يمثله الملف النووي الإيراني من مأزق للمجتمع الدولي، في حال قررت واشنطن إبطاله، كما أنها سلطت الضوء على مخاطر نشوب حرب نووية، بموازاة تحدث تقارير غربية عن أن بيونغ يانع قد تجري في العاشر من الشهر الجاري تجربة جديدة بالتزامن مع الاحتفالات بالعيد الوطني للدولة الشيوعية التي تتجاور في الحدود مع الصين وروسيا.
وفي تموز/يوليو الماضي امتنعت الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، الصين، فرنسا، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، وإسرائيل، بالإضافة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) واليابان عن المشاركة في اجتماعات معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي تدخل العمل بعد 90 يوم من توقيع 50 دولة عليها، ما يعطي انطباعًا أن نوبل للسلام تحاول أن توجه الأمم المتحدة لممارسة الضغوطات على الدول التسعة كي ينضموا للمعاهدة الموافق عليها من 122 دولة من أصل 124 حضروا الاجتماع.
رفضت 9 دول على رأسها أمريكا وبريطانيا وروسيا الانضمام لمعاهدة حظر الأسلحة النووية التي قادتها "إيكان"
وعليه فإن جهود الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية التي أدت لتبني المعاهدة، يصطدم بمعارضة الدول التسعة التي ستجد نفسها مهددة بخسارة قوتها في حال وقعت على المعاهدة، ما يعطي انطباعًا أنها تسير باتجاه تطوير ترسانتها النووية، والتي تختلف فيها بيونغ يانغ عن باقي الدول في اختيارها إجراء تجاربها النووية على مرأى العالم كاملًا، عكس ما تبقى من دول تجري تجاربها خفية عن وسائل الإعلام العالمية، لكن ذلك يعني أيضًا التفاف اللجنة بمنحها الجائزة لمجموعة مرتبط اسمها بمحاربة السلاح النووي ينجيها من الانتقادات الأخيرة التي طالتها بسبب الأحداث الأخيرة في بورما.
اقرأ/ي أيضًا:
أمريكا تهدد وإيران تتوعد وأوروبا تحبس أنفاسها.. فما مصير الاتفاق النووي؟
تفاصيل خطة الحكومة الأمريكية السرية للنجاة من نهاية العالم "النووية"