"إن الحياة تفوق المخيلة خيالًا وغرابة، إذا ما انتبه المرء إلى علاماتها ورموزها". لم تكن هذه العبارة مجرد استعارة من استعارات إحدى شخصيات الروائي الإيطالي أنطونيو تابوكي، بقدر ما كانت فكرة وإيمانًا راسخًا في حياته التي لعبت الصدفة دورًا هامًا ومحوريًا فيها.
تتمثل المصادفة الأولى في نجاته من قصف قوات التحالف في أوج الحرب العالمية الثانية سنة 1943 لمدينة بيزا التوسكانية الإيطالية في اللحظات الأولى لولادته. والمصادفة الثانية كانت حين قرأ له الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو مخطوط رواية "ساحة إيطاليا"، التي أصر على نشرها لتكون بذلك أولى رواياته وأعماله المنشورة. أما المصادفة الثالثة التي وشمت كل مسيرته الإبداعية الأدبية والأكاديمية، فكانت صدفة تعثره بكتابات الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا.
حين قرأ له إيتالو كالفينو مخطوط "ساحة إيطاليا" لأنطونيو تابوكي أصر على نشرها لتكون بذلك أولى رواياته وأعماله المنشورة
من شقته في منطقة سان جرمان في الضاحية الغربية للعاصمة باريس، يستذكر أكثر الكتّاب الإيطاليين أوروبيةً، وأكثرهم تنقلًا بين الحدود الجغرافية واللغوية من خلال الكتابة بأكثر من لغة، في واحدة من مقابلاته الصحفية سنة 2008، بعضًا من ملامح حياته الجامعية المتسمة بالانصهار والتعمق في الثقافة الفرنسية، حيث قاده القدر إلى الدراسة في الجامعة الفرنسية.
وهناك، تعرف من خلال متابعته للمحاضرات التي تعقد في السوربون على أغلب كتّاب وشعراء فرنسا، الذين بدا تأثره بهم طاغيًا في العديد من أعماله الروائية، خاصةً في رواية "بيريرا يدعي" التي يعمل بطلها مسؤولًا عن الصفحة الثقافية لجريدة "لشبونيا"، ومترجمًا لأعمال ديدرو وفلوبير وبلزاك وموباسان وكبار الكتّاب الكاثوليك الفرنسيين مثل برنانوس ومورياك. كما كان يمضي جل أوقات ما بعد الظهيرة في صالات الحي اللاتيني يشاهد أفلام أهم المخرجين الفرنسيين، مثل جان فيغو وجان كوكتو، بالإضافة إلى بعض أعمال السورياليين.
برز هذا التشبع بالثقافة الفرنسية في بعض خياراته في النشر أيضًا، كقيامه مثلًا بنشر روايته "هذيان: أيام فرناندو بيسوا الثلاثة الأخيرة" مترجمةً إلى الفرنسية قبل نشرها بلغته الإيطالية. كما توّج أيضًا بجائزة "Médicis étranger" التي تُمنح سنويًا لأفضل الأعمال الروائية الأجنبية المترجمة إلى الفرنسية.
أما الفضل في اكتشافه للأدب البرتغالي، الذي وصفه بـ "اللحظة البرتغالية" في لقاء صحفي مطول لصالح الجريدة الفرنسية "La République des Lettres" سنة 1994، فيعود إلى مدينة ليون التي كان على وشك مغادرتها في خريف 1964.
ففي محطة القطار، حيث كان يستعد للعودة إلى إيطاليا، اشترى من أحد الأكشاك كتابًا مترجمًا إلى الفرنسية يضم قصيدة "دكان التبغ" للشاعر والكاتب البرتغالي أنطونيو فرناندو نوغيرا دي سيابرا بيسوا الذي وقعها باسم بديله ألفاردو دي كامبوس، وهي من ترجمة الفرنسي بيير هركاد الذي يُعتبر أول من ترجم لبيسوا حين كان يعمل ملحقًا ثقافيًا في السفارة الفرنسية في لشبونة، التي تعرف فيها على بيسوا بشكل شخصي.
القصيدة كانت من ثلاثينيات القرن الماضي، أي من عصر الفينومينولوجيا في الفلسفة الفرنسية، وكانت حول فعل النظر. جاءت القصيدة على غير ما اعتاده من قراءة وسماع الشعر الإيطالي كثير الوجدانية والفردانية، وكانت بمثابة لوحة شعرية مسرحية لما فيها من أصداء قوية جدًا من الأدب الدرامي وإلى الشعر الحكائي الروائي.
يقول تابوكي عنها: "قرأت هذه القصيدة خلال رحلة عودتي إلى إيطاليا، وكان الأمر بمثابة اكتشاف بالنسبة إلي، بمثابة قوة خارقة لدرجة أنني قررت تعلم اللغة البرتغالية سريعًا، قلت لنفسي: إذ كان هناك شاعر كتب قصيدة ساحرة إلى هذه الدرجة، فعليّ تعلم لغته".
ويضيف: "في تلك الحقبة لم يكن هناك شاعر إيطالي جدير برواية أي شيء بهذا الشكل القوي إذ كان الجميع يتلوون ويبكون من ألم الحب".
في نهاية تلك السنة الفاصلة، بدأ تابوكي رحلة تعلم اللغة البرتغالية والتعمق فيها في جامعة "بيزا" بعد أن حصل على منحة دراسية، ثم أصبح أستاذًا محاضرًا في اللغة والآداب البرتغالية في جامعة "سيينا" الإيطالية، كما ألقى سلسلة محاضرات عن حياة بيسوا وكتاباته وأفكاره.
ولم يكتف تابوكي بالتدريس فقط، بل عمل طوال سنوات حياته على ترجمة كل أعمال معلمه ومرشده نحو بوابة الأدب، حيث ترجم إلى الإيطالية كل ما استطاع بحثه أن يصل إليه من كلمات وعبارات وجمل بيسوا، كما كتب عنه عديد المقالات باللغة الإيطالية والإسبانية والبرتغالية.
أما عن بيسوا، فهو شاعر برتغالي ولد في 13 جوان/يونيو سنة 1988، تحديدًا يوم الاحتفالات الرسمية في البرتغال بالقديس أنتوني. توفي والده بمرض السل حين كان يبلغ من العمر خمس سنوات، ثم فقد شقيقه الرضيع بعد أشهر قليلة.
بدأ تابوكي رحلة تعلم اللغة البرتغالية والتعمق فيها في جامعة "بيزا" بعد أن حصل على منحة دراسية، ثم أصبح أستاذًا محاضرًا في اللغة والآداب البرتغالية في جامعة "سيينا" الإيطالية
تعرف بيسوا على الحزن وخبره وعايشه صغيرًا، ولذلك بدا واضحًا وجليًا في أغلب قصائده لاحقًا. تزوجت والدته التي كان لها دورًا مهما في تثقيفه وتعليمه القراءة والكتابة في سن صغيرة جدًا، من ضابط في البحرية أصبح فيما بعد القنصل البرتغالي في دريان، عاصمة مستعمرة ناتال الإنجليزية بجنوب إفريقيا. رحيل والدته دفعه إلى كتابة أولى قصائده سنة 1989 التي جاء فيها:
"إلى أمي العزيزة،
هنا أنا في البرتغال،
في الأراضي التي ولدت فيها،
ومع كثرة حبي لها،
إلا أني أحبك أكثر".
بلاغته الشعرية وعلاقته الدرامية مع موطنه البرتغال ومسقط رأسه لشبونة ظهرت في كل كتاباته، خاصةً في كتاب الشذرات اليومية "كتاب اللاطمأنينة" حيث كتب عن مدينته وعن شوارعا وأحياءها كما كتب كافكا عن مدينة براغ وكما كتب جيمس جويس عن مدينة دبلن.
يوميات وزع فيها بيسوا ذاته على مجموعة أنداد وأسماء مستعارة لشخصيات تحدّث عنها قائلًا: "اخترعت لهم أسماء، صنعت تاريخًا لكل واحد منهم، ثم سرعان ما صرت أراهم واقفين أمامي بوجوههم وقاماتهم وملابسهم وحركاتهم. وهكذا فقد صار عندي الكثير من الأصدقاء الذين لم التق بهم قط ولم يكن لهم وجود على الإطلاق".
أشار الأوروغواياني إدواردو غاليانو في كتابه "أبناء الأيام" إلى أن أبدال بيسوا قد بلغوا عدد مئة وسبعة وعشرين بديلًا عاشوا من خلال جسده النحيل، ولكل منهم اسمه وأسلوبه وسيرته وتاريخ ميلاده، كما وقعوا بأسمائهم تلك عديد القصائد والكتب والمقالات والأبحاث، حسب بحث قام به الكاتب البرازيلي جوزيه باولو كافالكاني ونشره آواخر سنة 2010.
صدرت لصاحب "بيريرا يدّعي" و"تريستانو يحتضر" الترجمة العربية من رواية "هذيان: أيام فرناندو بيسوا الثلاثة الأخيرة"، عن دار "طوى" سنة 2013 و"المركز الثقافي العربي" في طبعة أخرى، عبر لغة وسيطة هي الفرنسية. وهي نوفيلا، إذا اعتبرنا أنها من صنف الروايات القصيرة، تتمحور حول الأيام الثلاثة الأخيرة، أيام 28 و29 و30 نوفمبر 1935، في حياة الأديب البرتغالي فرناندو بيسوا التي قضاها في مستشفى القديس لويس الفرنسي.
أشار إدواردو غاليانو إلى أن أبدال بيسوا قد بلغوا عدد مئة وسبعة وعشرين بديلًا عاشوا من خلال جسده النحيل، ولكل منهم اسمه وأسلوبه وسيرته وتاريخ ميلاده
تحتوي الرواية على مقدمة مهمة بعنوان "القراءة في عتمة التاريخ الأوروبي"، وهي عودة على أهم أعمال تابوكي للمترجم اللبناني إسكندر حبش. كما ضُمنت فيها مجموعة من البورتريهات لبيسوا للرسام خوليو بومار التي نفذت لتزيين محطة ألتو دوس موينوس للمترو في لشبونة.
في إطار من المتخيل السردي المسرحي، كان تابوكي يستحضر في خمسة فصول من العمل أبدال بيسوا وهم ألفارو دو كامبوس، وهو شاعر اختاره بيسوا لأن يكون من أبناء تافيرا، وأن يُعرف برحلته إلى الشرق على ظهر باخرة عابرة للأطلنطي، توفي في ذات يوم وفاة بيسوا.
أما الثاني، فهو ألبرتو كايرو معلم بيسوا وكل بدائله، كان قد أمضى حياته القصيرة في قرى ريباتيجو لإصابته بمرض السل كوالد فرناندو كاتبه. أما ثالت أبدال بيسوا، فقد كان ريكاردو رييس المولود في مدينة أوبورتو، والذي نشأ في مدرسة لليسوعيين، وكان شاعرًا حسيًا ماديًا متأثرًا بوالتر باتر وبالكلاسيكية التجريدية، وقد فضل الهجرة إلى البرازيل عقب تأسيس الجمهورية البرتغالية.
لا يمكن الحديث عن أبدال فرناندو دون الحديث عن أكثرهم غموضًا، وهو برناردو سواريس صاحب كتاب "كتاب اللادعة" عن اليوميات الغنائية، الصديق الذي تعرف عليه بيسوا في مطعم صغير، يسمى أيضًا بيسوا، حين كان سواريس يعمل كمساعد محاسب في شركة تصدير وتوريد للأقمشة.
أما الفيلسوف أنطونيو مورا، فقد كان ختام البدلاء الذين التقاهم بيسوا قبل وفاته، عاش أيامه الأخيرة في عيادة للأمراض النفسية أين تعرف على بيسوا وعرّفه على بكائية بروميثيوس المأخوذة من مأساة أخيل، قبل أن يعهده بمخطوطاته وبمشروعه الأدبي. ومن خلال البعد المسرحي، منحهم تابوكي فرصة توديع بيسوا ليعترفوا له بأسرارهم وليطلبوا منه الغفران النهائي والمناولة للحياة الأبدية.
كما صوّر أيضًا الثنايا الأخيرة من حياة بيسوا، بدءًا بتفاصيل استعداده للذهاب إلى المستشفى كالحديث عن ربطة العنق "البابيون" ونظارته وواقي المطر الأصفر والبدلة الداكنة التي اختارها كي تكون الشاهد على آخر جولاته في المدينة رفقة صديقيه المقربين فرانشيسكو غوفييا وأرماندو تيكسيرا، وصولًا إلى مانيفستو وداعه للحياة بحزن عميق يصل القارئ عبر شاعرية نثرية للموت جاء فيها: "كنت رجلًا، امرأة، عجوزًا، فتاة صغيرة، كنت حشد جادات عواصم الغرب الكبيرة، كنت وداعة بوذا الشرق الذي أحسد هدوءه وحكمته، كنت أنا نفسي والآخرين، كل الذين أستطيع أن أكونهم، عرفت العز والعار، الحماسة والإنهاك، اجتزت الأنهار والجبال المتعذر بلوغها، شاهدت القطعان الوديعة وتلقيت على رأسي الشمس والمطر، كنت أنثى في الحر، كنت الهر الذي يلعب في الشارع، كنت الشمس والقمر، كنت ذلك كله لأن الحياة لا تكفي أبدا. لكن في الوقت الراهن، إنها تكفي، يا عزيزي أنطونيو مورا. أن أعيش حياتي كان بمثابة عيش آلاف الحيوات. إنني متعب، ذابت شمسي، أرجوك أعطني نظارتي".
بوفاء سانشو لمعلمه ورفيقه دون كيخوت، كان تابوكي حاملًا معه درع المحبة والتقدير لمدينة لشبونة وللكتابة باللغة البرتغالية، إذ كتب تابوكي أيضًا عن بيسوا مرة أخرى في الكتاب الصادر بترجمته العربية لنزار آغري عن "دار نينوى" بدمشق، والصادر عن "دار سوي" في نسخته الفرنسية، بعنوان "الحنين إلى الممكن: قراءات حول بيسوا"، مجموعة من المحاضرات كان قد ألقاها في المعهد العالي للدراسات الاجتماعية بباريس سنة 1994.
تكمن أهمية هذه المحاضرات في إبراز مدى اهتمام فرناندو بيسوا بالكتابة والبحث عن دواخل الإنسان المعاصر من خلال عاطفة الحنين الطاغية في أشعار وكتابات العديد من أبداله – لعل أبرزهم ريكاردو رييس وألفارو دي كامبوس وبرناردو سواريس – أولًا.
وإن كان الشاعر الفلسطيني محمود درويش قد اعتبره "ندبة في القلب، وبصمة بلد على جسد، لكن لا أحد يحن إلى جرحه، لا أحد يحن إلى وجع أو كابوس، بل يحن إلى ما قبله، إلى زمان لا ألم فيه سوى ألم الملذات الأولى التي تذوّب الوقت كقطعة سكر في فنجان شاي، إلى زمان فردوسي الصورة"؛ فإن بيسوا لم يقطع بدوره رابط الزمن في علاقته بالحنين، إذ يعتبره "الانشداد النوستالجي ليس لما مضى وانصرم وحسب، بل لما هو ماثل في اللّحظة الحاضرة أيضًا. فالحاضر ليس سوى ماضٍ مؤجل. ومسألة الحنين لديه لا تكمن في البحث عن الزمن الماضي بل عن الزمن الحاضر. إنّه حنينٌ ليس إلى ما كان، بل إلى ما كان يمكن أن يكون".
حنينٌ يتجاوز بيسوا الشاعر إلى شخصياته التي ركن من خلالها إلى غيريّة مسعورة وتعدديّةٍ لا نهائية تسعى إلى فرض اعتقاده الدائم والدال على أن "الحياة كتاب، الإنسان كتاب، الكونُ كتاب"، وهو ما فُسر حسب تأويل تابوكي على أن الكتابة كانت بالنسبة لبيسوا هي "الإحساس بكل شيء بكل طريقة، أن تكونَ كلّ الناس في كل مكان، فالكتابة هي امتلاك أكثر من وجود، أكثر من حياة، كما لو أن الكون مصنوع من الكتابة". شخصيات تمتهن فعل الكتابة وتستمد كينونتها منه، فهي تعيش بالضبط لأنها تكتب، أي أنها وليدة الحاضر – زمن الكتابة – ولا تعيش إلا في فلكه وفي امتداده المادي والمعنوي. لذلك هي تحمل في داخلها هذا الحنين المعكوس: الحنين إلى الحاضر، بوصفه ممكنًا، لا إلى الماضي.
حنينٌ يتجاوز بيسوا الشاعر إلى شخصياته التي ركن من خلالها إلى غيريّة مسعورة وتعدديّةٍ لا نهائية تسعى إلى فرض اعتقاده الدائم والدال على أن "الحياة كتاب، الإنسان كتاب، الكونُ كتاب"
وثانيًا، من خلال العودة إلى الحديث عن علاقة بيسوا بالسيارة، التي كانت قد اقتحمت حياته اليومية وغيرت بذلك البعض من ملامح مدينته المحببة وهو ما شكّل ما اعتبره مواجهة بين الإنسان والآلة بشكل عام.
ومن عادات فرناندو نوغيرا دي سيابرا أن يظل مكتفيًا بنفسه لا يجرأ على مغادرة كرسيه في المقهى متأملًا الشارع والعدم من النافذة. وبالعودة إلى سجلات بلدية لشبونة، يذكر تابوكي أن لا شهادة سياقة للسيارات في سجل بيسوا، لذلك منح مهمة قيادة السيارة لإحدى شخصياته المستعارة: "لقد تركت على جنب الأغراض الميكانيكية لألفارو دي كامبوس، وأردت أن أستخرج من غرفته المكتظة غرضًا هامشيًا في قصيدة غير ميكانيكية، بل مائية، قصيدة لا تربطها سوى علاقة هامشية – أو لا شيء على الإطلاق – بالجسور الحديدية والمكاتب ولوحات فرناندو ليجيه والأناشيد المستقبلية".
أما المحاضرة الثالثة في الكتاب، فقد خصصها كاتب رواية "إيزابيل" للحديث عن مسألة ومفهوم المطلق في كتابات بيسوا، عاقدًا مقارنة بينه وبين أشهر شعراء إيطاليا في القرن التاسع عشر، وهو الشاعر الإيطالي جاكامو ليوباردي صاحب ديوان "الغائبين" الشهير.
حين توفي بيسوا، عُثر في بيته على أكثر من خمسة وعشرين ألف مخطوط روائي ومسرحي، وعديد الأعمال المترجمة ومئات المقالات التي لم تنشر من قبل، حُفظت جميعها في ما عرف بـ "أرشيف بيسوا" في مكتبة لشبونة الوطنية.
لم يكن هذا الإرث الأدبي مغريًا للنبش فيه والكتابة حوله، كمعجزة يصعب أن تتكرر بكل تلك التفاصيل الغرائبية المكثفة، بالنسبة إلى الكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي فقط، وإنما بالنسبة إلى عديد الكتّاب والروائيين، أبرزهم مواطنه جوزيه ساراماغو الحاصل على جائزة "نوبل للآداب" سنة 1998، الذي خصص له رواية كاملة هي "سنة موت ريكاردو ريس"، التي أعاد فيها ترتيب العلاقة المتوترة بين بيسوا وقرينه ريكاردو ريس، الذي كان منفيًا في البرازيل سنوات ديكتاتورية سالازار. وانطلاقًا من سؤال: "ماذا لو كان أبدال بيسوا الذين اخترعهم أشخاصًا حقيقيون؟"، صوّر ساراماغو ريكاردو ريس بوصفه شخصيةً سياسية محورية تعود للقاء بيسوا في مقابر لشبونة الخالية.