ألترا صوت - فريق التحرير
تناقلت وسائل إعلام عديدة، أوروبية وعالمية، الحديث عن انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 5% جراء الأزمات المتتابعة التي نتجت في ظل جائحة كوفيد - 19 منذ أوائل عام 2020، ما مهد الطريق لبداية اقتصادية متعثرة شهدها الاقتصاد الألماني مطلع سنة 2021.
رغم نسبة الانكماش التاريخية في حجم الاقتصاد الألماني إلا أنه لم يصل مرحلة الخطر الحقيقي خاصة أن قطاع الصناعات مستمر في العمل
تأتي هذه الأزمة بعد أن كان الاقتصاد الألماني قد حقق معدلات نمو طيلة العقد الماضي. وكان معدل النمو الاقتصادي في عام 2019 يساوي 0.6% قبيل جائحة كورونا. لكن اليوم تسيطر التخوفات من أشهر قاسية على الصعيد الاقتصادي في ألمانيا كما تشير بعض التوقعات التي وصفت نسبة الانكماش الحالي بأنها "انتكاسة حادة" كما جاء في تقرير للوكالة الألمانية Dpa. وتعليقًا على هذا الأمر قال جورج ثيل، رئيس المكتب الفيدرالي للإحصاء في ألمانيا Destatis، للوكالة الألمانية، أن "أكبر اقتصاد في أوروبا عانى من تراجع بنسبة 5% العام الماضي بسبب إغلاق قطاعات كبيرة وهامة للاقتصاد الألماني ولفترات طويلة، وكذلك توقف مجالات عديدة في الحياة العامة".
اقرأ/ي أيضًا: بيتكوين تخسر خمس قيمتها في 3 أيام.. هل هي بداية النهاية؟
وبحسب المكتب الفيدرالي الألماني للإحصاء فإن الصادرات الألمانية قد تراجعت بنسبة 10% تقريبًا، بينما بلغت نسبة انخفاض الواردات 8.6%، فيما سجل الاستهلاك انخفاضًا بمعدل قياسي وصل إلى 6% مع نهاية سنة 2020، إضافة إلى تراجع كبير في مجال الاستثمارات. وقال وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، في تصريحات صحفية نقلتها وكالة رويترز للأنباء، أنه "مع ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا فإن ألمانيا تواجه ثلاثة أشهر صعبة" ولفت إلى أنه سيسعى لإنعاش الاقتصاد عبر "إجراء إصلاحات هيكلية" وتأمين محفزات اقتصادية كما وصفها.
بمقارنة واقع الاقتصاد الألماني اليوم مع وضع الاقتصاد لعام 2009، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، تضح مفارقة شاسعة، حيث أن نسبة تراجع الاقتصاد الألماني في 2009 بلغت 5.7%، بينما لم تتخطى هذه العتبة حسب ما أشار إليه تقرير المكتب الفيدرالي للإحصاء. ما يفتح المجال لتوقعات بتحسن نسبي على المدى المتوسط، إذ توقعت الإحصاءات ألا يتعافى الاقتصاد الألماني من أزمته إلا في الربع الأخير من هذا العام.
ومن أبرز المهمات الرئيسية للحكومة الألمانية التي تواجهها في الأشهر القادمة من هذا العام تتجلى في محاولة إيقاف عجز الميزانية العامة. فقد سجلت ألمانيا أول عجز في ميزانيتها منذ عام 2011 نتيجة أزمة كوفيد-19 حيث بلغ العجز عام 2020 حوالي 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ 158 مليار يورو، ويعتبر من أعلى المستويات منذ إعلان توحيد ألمانيا في تسعينات القرن الماضي.
بينما قال ستيفان كوثس، رئيس قسم التنمية الاقتصادية في معهد IFW للاقتصاد، في حديثه لإذاعة صوت ألمانيا، أنه "إذا نجحت اللقاحات وكانت نتائجها إيجابية وسريعة، فسوف يبدأ الناتج الاقتصادي الألماني في الانتعاش بقوة في ربيع هذه السنة". أما وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير فصرح أنه "بالرغم من التراجع الاقتصادي الكبير بسبب الدعم الحكومي ودفع رواتب الإعانة والتقديمات الاجتماعية وارتفاع النفقات وانخفاض الصادرات، أعتقد أن النمو سيكون كبيرًا وملحوظًا".
سجلت ألمانيا أول عجز في ميزانيتها منذ عام 2011 نتيجة أزمة كوفيد-19 حيث بلغ العجز عام 2020 حوالي 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي
وفي إطار المحاولات الحكومية في ألمانيا للحد من تأثيرات الجائحة على الاقتصاد تم استثناء المصانع الكبرى ومؤسسات الإنتاج الضخمة من إجراءات الإغلاق الأخيرة في ألمانيا، التي بدأت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 والمستمرة حتى نهاية كانون الثاني/يناير 2021، وربما يتم تمديدها. وكانت إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا قد دفعت إلى قرارات متشددة بإغلاق قطاع الخدمات. بينما استمر قطاع البناء وقطاعات الإنتاج الكبرى في العمل، في حين عانت قطاعات الزراعة والخدمات المالية والعقارات والمعلومات والاتصالات من انخفاض طفيف في الإنتاج. ووفقًا لمكتب الإحصاء الحكومي، وبأخذ التوقعات الاقتصادية المتعلقة بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا لعام 2021 بعين الاعتبار، تبدو ألمانيا بحال أفضل وأكثر إيجابية رغم نسبة الانكماش المؤثرة حاليًا.
اقرأ/ي أيضًا: تسونامي المديونية.. احتمالات الانهيار الاقتصادي ترتفع عالميًا
أما فيما خص سوق العمل فهناك حوالي 50 مليون شخص يعملون داخل الأراضي الألمانية، وقد قدر حجم التراجع في الوظائف بنسبة 1.1%، أي ما يساوي 477 ألف عامل فقدوا وظائفهم، خاصة من الذين يعملون لحسابهم الخاص، مع الاحتفاظ بمعدل ثابت للموظفين المسجلين في التأمين/الضمان الاجتماعي، وهي حالة تحدث لأول مرة منذ 14 عامًا، مما يشير إلى أن الحكومة الألمانية دفعت إلى تجنب الاستغناء عن الموظفين خلال الجائحة.
في ذات الوقت ذكرت وكالة الأسوشيتد برس أن نسبة الادخار في ألمانيا بلغت العام الماضي 16.3% مما يدعم التوقع أنه مع انتهاء إجراءات الإغلاق واحتواء الوباء وتوفير اللقاح، سيبدأ المواطنون بالاستهلاك بكثرة مما سيحرك عجلة اقتصاد الخدمات من جديد. وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا تشهد هذه الأيام أعلى معدلات إصابة ووفيات بسبب كوفيد-19، حيث وصلت الوفيات إلى ألف حالة يوميًا مع فرض إجراءات مشددة هذا الشهر. وليس من المؤكد فك القيود وعودة الحياة الطبيعية مع إمكانية تمديد فترة الإغلاق وفق تصريحات صحفية متلفزة لمسؤولين في الحكومة الألمانية.
اقرأ/ي أيضًا:
هل سينتعش الاقتصاد العالمي في عام 2021؟
كوفيد 19 يقلب المعادلة.. دول أوروبية تسهل التجنيس للعاملين في مواجهة الجائحة