في المخيلة الشعبية، تتناول الدعارة أو تجارة الجنس، باعتبارها مجالًا محصورًا على النساء. والعديد من التعريفات الاصطلاحية تحصر الدعارة في المرأة.
التركيز على النساء وفقط في مجال الدعارة يمنع من النظر إلى هذه القضية من منظور أكثر عمقًا واتساعًا لفهم العوامل المسببة
لكن، وبحسب جولي الخوري، منسقة برنامج "وحدة مكافحة الاتجار بالبشر والاستغلال" في جمعية "كفى" بلبنان، فإن هذه النظرة تحد من "الفهم الكامل" لعملية تضم عدة أطراف في مقدمتهم، وفقًا لخوري "مشتري الجنس" والذين هم في الغالب من الرجال.
اقرأ/ي أيضًا: الدعارة في سوريا.. حرب تفاقم الظاهرة وشبيحة النظام أكبر المستفيدين!
تضم عملية تجارة الجنس، بالإضافة لـ"البائع" و"المشتري" المروج. ومروجي تجارة الجنس، في الغالب هم الذي يديرون العملية من أعلى، أو هم بتعبير آخر "صناع الدعارة وتجرة الجنس". تقول خوري: "هؤلاء يعتمدون على استغلال النساء والفتيات".
التركيز على النساء في مجال الدعارة يمنع من النظر إلى هذه القضية من منظور أكثر عمقًا واتساعًا لفهم العوامل المسببة. وكما تقول جولي الخوري، فإن أبرز عوامل تجارة الجنس:
1. الطلب على شراء الممارسات الجنسية.
2. استفادة صناعة الجنس من الدعارة عبر الحصول على الفتيات والنساء من أجل تأمين الأرباح المالية والمردود المالي لكل الأطراف.
3. العوامل التي تسهل دخول النساء إلى مجال الدعارة، كالمحاولة لتأمين لقمة العيش، والاستمرار في الحياة، أو الحصول على حياة أكثر رفاهية، إضافة إلى النقص في البدائل المتاحة أمام النساء.
هل الدعارة مهنة؟
هناك الكثير ممن ينظرون إلى الدعارة كمهنة مثلها كأي مهنة أخرى. وثمة مقولة شائعة، هي: "الدعارة أقدم مهنة في التاريخ". غير أنّ المهن تأتي كمسار تطوري للإنسان، أو كهدف اجتماعي، عادة ما يحدده الإنسان بالتجربة والخبرة. فهل ينطبق ذلك على الدعارة؟
تجيب الخوري: "عن أي مهنة يمكن الحديث حين تكون هذه المهنة مشبعة بكل أشكال العنف؟"، مضيفةً: "تتعرض المرأة العاملة في تجارة الجنس لعنف نفسي وجسدي ومعنوي بشكل مستمر".
وإن كانت العاملة في الدعارة طرفًا في اتفاق بالتراضي، إلا أن الخوري ترى أن المرأة هنا مجبرة على أمرها، فهي "ضحية للفقر والتمييز وقلة الإنتاج، والبطالة وضعف التعليم والتفكك الأسري والتشرد".
حرية تصرف بالجسد؟
بالنسبة لجولي الخوري، فإن الواقع العملي في مجال تجارة الجنس، بعيد عن المقولات الخاصة بالاختيار الحر للعمل في الدعارة. توضح: "لا يوجد خيار حر حقيقي لدى النساء اللواتي دخلن هذا المجال، لأن العوامل التي تسهل انخراط النساء في الدعارة هي نقص الخيارات وانعدام الوسائل البديلة لتأمين سبل العيش".
وتضيف: "النساء في الدعارة معظمهن يأتين من خلفية إجتماعية هشة ومن بيئات فقيرة ومن أقليات عرقية وهن ضحايا عنف وتمييز، وبالتالي فالانخراط في مجال الدعارة يعتبر بالنسبة لهن وسيلة نجاة للاستمرار في الحياة".
وتؤكد الخوري على كون تجارة الجنس، المجال الذي تتجلى فيه التمييز المنظم ضد المرأة، حيث "يستند الرجل على امتيازه الذكوري وشعوره بالحق في الحصول على جسد المرأة والسيطرة عليها، إضافة إلى عامل سلطة المال التي يستخدمها الرجل لشراء الممارسات الجنسية من المرأة".
الدعارة والاتجار بالبشر
يعدد بروتوكول منع الاتجار بالأشخاص، ضمن بروتوكولات باليرمو؛ ثلاثة عناصر في جريمة الاتجار بالبشر، هي:
- الفعل: استقطاب وتجنيد أشخاص ونقلهم من مكان إلى آخر وتأمين إيوائهم.
- الوسيلة: الوسائل المستخدمة التي تتراوح بين استعمال القوة أو الاختطاف أو التهديد أو الاحتيال والخداع واستغلال السلطة واستغلال حالة الضعف لدى الأشخاص.
- الغرض: تحديد الهدف، وعادة ما يكون هدفًا استغلاليًا في صور متعددة: مثل العمل القسري والاستعباد ونزع الأعضاء وتجنيد الأطفال قسرًا في النزاعات المسلحة.
وقد نص البروتوكول بوضوح على أنه "لا يؤخذ بموافقة الضحايا إذا وجدت العناصر الثلاثة المكونة لجريمة الاتجار بالبشر". ولذلك ارتبطت ظاهرتا الدعارة والاتجار بالبشر، فالهدف الأول للاتجار بالبشر هو الجنس.
وبحسب التقرير العالمي حول الاتجار بالبشر الذي أعدته منظمة "Undc"، فإن ضحايا الاتجار بالبشر تعرضوا للاستغلال الجنسي بنسبة 59%.
بحسب التقرير العالمي حول الاتجار بالبشر الذي أعدته منظمة "Undc"، فإن ضحايا الاتجار بالبشر تعرضوا للاستغلال الجنسي بنسبة 59%
تقول جولي الخوري: "لا يصح الحديث عن طواعية الدخول إلى مجال تجارة الجنس وممارسة الدعارة، إذ إن هذه العناصر الثلاثة إذا تم إسقاطها على مجال الدعارة نجد أنها عناصر متطابقة، مما يحد من النقاش حول مدى الحرية الجنسية للنساء في مجال الدعارة".
اقرأ/ي أيضًا:
من "أسلمة" صدام إلى الغزو الأمريكي.. التاريخ الدموي لسوق الدعارة في العراق